حماية الحق الخاص لا يتطلب التشهير بالمخالفين
جاء حديث معالي رئيس هيئة السوق المالية متناولاً أهمية تفاعل الهيئة مع أوضاع السوق المالية البالغة الحساسية وما تمر به حالياً من مرحلة تصحيحية بالغة الأهمية. وبالرغم من تفهمنا لوجهة النظر هذه إلا أننا قد نختلف معه في جزئية مهمة تتعلق بحماية الحقوق الخاصة للقاعدة العريضة من جمهور المتعاملين في سوق الأوراق المالية، وذلك انطلاقاً من أن حماية تلك الحقوق الخاصة تشكل في مجملها حماية للمصلحة العامة والاقتصاد الوطني ككل. وبالتالي فإن الإفصاح عن أسماء المتلاعبين بهذه المصلحة العامة يشكل تمكيناً لأصحاب الحقوق الخاصة من مقاضاتهم، سعياً وراء تعويض ما لحق بهم من ضرر جراء هذا التلاعب كما يشكل أيضاً رادعاً قوياً لأمثال هذه الفئة من المستهترين الذين لا يهمهم سوى تحقيق مصالحهم الشخصية ولو كان ذلك على حساب إلحاق الضرر بالآخرين.
ولأن رضا الناس غاية لا تدرك وعلى الأخص عندما نتصور مستوى الوعي لدى المتعاملين في السوق والذي يتباين بلا شك بين شخص وآخر ولكنه في مجمله يحتاج إلى جهد مضاعف، ليس من أجل حماية السوق فقط بقدر ما هو لحماية الأفراد المتعاملين في السوق فإن هذا الرضا ليس هدفاً يجب تحقيقه أو حتى العمل على تحقيقه ولكن ما يجب تحقيقه هو تفعيل دور الهيئة في إيقاع العقاب على المخالف وفي الوقت نفسه فتح الباب لمن أراد أن يمارس حقه القانوني في المطالبة بالتعويض.
لقد استوقف حديث معالي الرئيس عدداً من المختصين في مجال القانون والإدارة والمحاسبة وكل من لهم صلة بأسواق المال وذلك عندما أوضح معاليه أنه ليس هناك نص قانوني يجيز للهيئة التشهير بالمخالفين لقوانين السوق وذلك عندما يتم إيقاف من يثبت عليه المخالفة حينما أجاب معاليه عن تلك الأسباب التي تمنع الهيئة من نشر أسماء المخالفين.
والحقيقة التي لا جدال فيها وهي طرح منطقي نحاول أن نجد الإجابة عليه في ظل القانون الذي تطبقه الهيئة. فالهيئة تمثل الحق العام في المخالفات التي يتم إثباتها وذلك بفرض عقوبات مالية يمكن أن يتم تقديرها بحسب حجم المخالفة أو الربح الذي حققه المخالف أو الخسارة التي سببها للآخرين أو الأضرار التي ألحقها بالسوق. وهنا تكون الهيئة قد استوفت الحق العام. ولكن أين الحق الخاص للأفراد المتضررين والذين لا يمكنهم معرفة ذلك المخالف حتى يتمكنوا من تحديد موقفهم منه وذلك برفع دعوى ضده أمام اللجنة القضائية التي تعمل بالتنسيق مع الهيئة باستقلال وحياد كامل.
إن المطلوب من الهيئة باختصار أن تمكن كل متضرر من معرفة من ألحق الضرر به حتى يستطيع مقاضاته. وإذا كان هناك تخوف من أن يؤدي ذلك لفتح الباب واسعاً أمام عدد هائل من القضايا التي قد يثبت عدم صحة الأساس الذي تبنى عليه وأهمها الخطأ من قبل مرتكب المخالفة والضرر الذي لحق بمن يدعي الضرر مطالباً بالتعويض والعلاقة السببية بين الخطأ والضرر، فإن الهيئة وهي الجهة الوحيدة التي تملك المعلومة حول التفاصيل الدقيقة بالأرقام والأدلة لا بد أن تتيح المعلومة بالطريقة التي تحفظ لأصحاب الحق الخاص حق المطالبة دون إحراج قانوني أو حتى أدبي، ونستطيع هنا أن نخلق التوازن بين هدفين قد يبدو ظاهرياً أن بينهما تنافرا لكن الواقع يؤكد أن إجراءات قبول دعوى الحق الخاص والفصل فيها تعد من أفضل الأدوات للتحكم في عدد هذه الدعاوى والتأكد من جدية المدعي ومدى الضرر الذي لحق به.
إن من حق الهيئة أن ترفض دعوى صاحب الحق الخاص المدعي للضرر متى رأت الهيئة أن الضرر غير جسيم أو أن المتضرر أسهم بقدر كبير في إلحاق الضرر بنفسه أو أن الضرر نتج عن عدة عوامل وعناصر متشابكة لم يكن المخالف هو العنصر الرئيس فيها، كما أن من حق الهيئة أن تفرض على من يخسر دعوى الحق الخاص تعويض المدعى عليه، وذلك بتحميل المدعي تكاليف الدعوى وأتعاب المحاماة. كما أن الهيئة تستطيع أن تحدد فترة قصيرة للمطالبة بالتعويض ممن يدعي الضرر وذلك بعد أن تقدم الهيئة المعلومة عن المخالف وطبيعة مخالفته.
وبالرغم من قناعتنا أن الهيئة تستعين بعدد من المستشارين القادرين على تقديم الرأي القانوني الصحيح ولكن مع تقدير تلك الخبرات فإن دراسة رأي آخر خصوصاً متى كان مدعماً بالتوازن بين الالتزامات المتعددة يعتبر من حسن الإدارة، فكثيرة تلك الآراء القانونية التي يتم العمل بها ولكنها ليست بالضرورة سليمة متى ما أخضعناها للفحص الدقيق والتأمل العميق.
إن الهيئة ليست مطالبة بالتشهير في الصحف ووسائل الإعلام بأولئك المخالفين ولكنها مطالبة بقدر من الإفصاح يتيح الفرصة للمتضرر أن يطالب بالتعويض الذي نص عليه القانون واللوائح. وإذا كان الإفصاح والشفافية مطلب يعكس سلامة الموقف المالي فإنه أيضاً مطلب مهم لحفظ الحقوق وردع المتلاعبين وإيصال الرسالة إلى جميع الأطراف. فهل نسمع الكلمة الفصل من معالي رئيس الهيئة؟