التطوير الزراعي: زراعة غذاء أم زراعة صحة؟!
<a href="mailto:[email protected]">fah_arab@yahoo.co.uk</a>
إن نسبة تحكم الإنسان في البيئة ضعيفة جدا، وبالتالي فالحفاظ على الموارد والمنتجات الطبيعية دون أن تتغير أو تتأثر بالمناخ المحيط بها غير مضمون لعدة أسباب أهمها الإنسان نفسه, ثقافته ووعيه وسلوكه. لقد مر زمن على العصر الزراعي بدول الشرق الأوسط كان الإنتاج الزراعي أحد أهم العناصر الحيوية الاستراتيجية للاقتصاد الوطني فيها, وكان يمكن أن تتحقق أسس التنمية التكاملية, إلا أن دخول المنطقة في معتركات فكرية وسياسية ودينية, تزامنت مع قلة الأمطار وشح المياه الناتج عن سوء الاستهلاك وعدم الحفاظ على الموارد الطبيعية الكامنة نتيجة سوء التخطيط أو قراءة المستقبل بتعجل, أدى إلى تكبيل هذه الأمة بالتعثر في خطاها واختلاط أولوياتها المصيرية. بتحسن الظروف الاقتصادية مرة أخرى نتوقع أن يستعيد القطاع الزراعي توازنه في ظل التعاون والتكامل الاقتصادي بين دول المنطقة ويعول على المملكة العربية السعودية بثقلها السياسي والاقتصادي قيادة مسيرة التنمية في العالم الإسلامي بإذن الله، فقد بدأنا نتلمس مدى التفوق الذاتي في النهوض بالزراعة على المستوى المحلى والخليجي, كما أن الخطوات سريعة في تطوير آليات العمل وبدا أن هناك ملامح خطة جيدة في استكمال تأسيس البنى التحتية والاهتمام بالمناطق المختلفة في المملكة لتحقيق أفضل نمو في قيمة الناتج الزراعي المحلي. إحصاءات عام 2004/2005م دلت على أن هناك ارتفاعا في قيمة الناتج المحلي الزراعي تجاوز 37 مليار ريال. وتم توطين الوظائف والعمالة حيث بلغ عدد العاملين السعوديين ما يقارب الـ 50 في المائة من إجمالي أعداد العمالة. إن توجه الوسائل الإعلامية في هذا الوقت بالحديث عن التوعية الزراعية، إضافة إلى الدعوة إلى الاستثمار في صناعة المنتجات الزراعية وتنويع المنتجات والمحاصيل الزراعية خير محفز لكل المختصين أن يهبوا بوضع باقي اللبنات في اتساق يضمن ارتفاع البنيان بشموخ ويؤكد حسن سير الخطة كما ينبغي لها. كل ذلك يبشر بمستقبل أفضل على المستوى العام والخاص, فقد أصبح العامة يبحثون عن المعلومات الأساسية بشغف في وسائل الإعلام كافة وفي مناهج التعليم, وفي الكتب المنشورة وعبر منافذ الوزارة المختلفة وعلى ملصقات الحاويات أو المعلبات الغذائية لطمأنتهم على سلامة المحاصيل الزراعية الغذائية التي يتناولونها وعلاقتها بالمخاطر وتأثيرات البيئية المختلفة التي يقرأون عنها. أما المستثمرون فلديهم أمل في أن يحصلوا على معلومات تطمينية تحمي رؤوس أموالهم وتضمن لهم استثمارا بعيدا عن إثارة الجدل في سلامة ما يقدمونه, واستثمارا طويل الأجل موثوقا به لا دس فيه ولا ريبة. إلا أنه ومع ذلك فإن ما استقوه من معلومات ما هو إلا حصيلة تحتاج إلى تحديث باستمرار تستوجب تعاون الوزارات المعنية بالأمر بنقل ثقافة المواطن إلى مراحل متقدمة في معرفته بالشؤون الزراعية.
لقد تطورت الآليات والتقنيات في الشؤون الزراعية تحت مظلة "التقنية الحيوية", ما جعل البعض يتحدث عن المحاصيل العضوية أو المنتجات المعدلة وراثيا باسترسال دون العلم التام بماهية الاختلافات العلمية بين الأسلوبين وأهدافهما في الإنتاج الزراعي، بل إن البعض بدأ يخلط في حسن النيات، وبالتالي فقد تقرر سلفا أن الانخراط في الاستثمار الزراعي عملية غير مقنعة حاليا وهناك حاجة إلى خبرة كبيرة جدا فيه. مع أن هناك مقالات نشرت في "المجلة الزراعية" التابعة لوزارة الزراعة وفي صفحات الجرائد كلها على فترات طويلة مضت, إلا أن هناك حلقات فقدت في أثناء حملات الوزارة ووسائل الإعلام المختلفة أولاها التنسيق بين الجهات المعنية, ثم بعد ذلك تبسيط لغة المقال وعدم اللجوء إلى اللغة البحثية العلمية, والاهتمام بعرض الموضوعات بأسلوب يأخذ القارئ تدريجيا من مرحلة إلى أخرى بكل سلاسة, ومحاولة العرض المقارن ليكون الباحث عن المعلومة أمام شمولية عرض تمكنه من الخروج بقناعة ذاتية غير مفروضة عليه. من ناحية أخرى الأجيال الحالية تريد خطابا مركزا بل مبسطا وسريعا ولا يهتمون بسرد تاريخي مطول، لأنه يمكن لهم جمعه فيما بعد للاستزادة منه في محطات وأوقات أخرى. لذلك علينا التنسيق والتركيز على هذه الجوانب وإلا فسنستغرق وقتا طويلا لبلوغ الهدف بل قد نفقد ثقة الفئة المستهدفة لوقت طويل جدا. هناك أسلوب يتبع في بعض دول الغرب وهو أنهم يسبقون كل مشروع وطني بدراسة استفتائية عن حجم حصيلة الشعب في معلوماته عن هذا الموضوع. وعادة ما تثبت الدراسات أن 27 – 35 في المائة من الشعب فقط لديهم إجابات عن معظم الأسئلة, ما يجعلهم يضعون خطة العمل بأسلوب أكثر واقعية, بالحرص على تنويع الخطاب وتمديد فترة الحملة وتغطية أكبر شريحة ممكنة بتسويق الموضوع وبذل الجهة المختصة لجميع الجهود لبلوغ المعلومة للفئات المستهدفة، فهل يمكن لنا القيام بذلك؟ وهل يمكن استثمار وقوف المواطن أو المواطنة أمام أرفف السوبر ماركت لقراءة الملصقات على المعلبات والمنتجات المعروضة؟
إن هذه بداية تستحق منا كل اهتمام, لأن هذا أول الطريق للتنمية الثقافية وحري بنا التعامل مع هذا المواطن أو المواطنة بكل تقدير وممارسة فنون التوعية الإعلامية المختلفة لإحاطته بأهمية وحجم الموضوع أو المشكلة.
وكمثل حي حيوي ففي الشأن الزراعي لابد أن نذكر أن في وقتنا الحاضر يموت من الجوع ما يزيد على 40 مليون نسمة سنويا, ويموت من العطش أو شرب المياه الملوثة أكثر من 25 مليون نسمة, ويوجد أكثر من ملياري نسمة لا يستطيعون الحصول على ماء شرب نقي. في جانب آخر وحسب التقارير الدولية فقد أوجدت في الكون خلال العقدين الماضيين أمم أطلق عليها اسم "اللاجئين البيئيين", حيث زاد عددهم عام 2005م على أكثر من 500 مليون نسمة. هؤلاء هم من يعانون القحط وقلة الماء أو تلوثه وفساد التربة وتلوث الهواء, وفي بعض الدول تتحول منتجاتهم المحلية الزراعية إلى صادرات خارجية دون استفادة مباشرة منها. لذلك بدأت عدة دول صناعية ومتطورة في محاولة علاج هذا الخلل بالأبحاث العلمية لتفادي انتشار الكارثة على مستوى العالم. بهذا الأسلوب يتوقع تحفيز المواطن بطرح عدة أسئلة مثل: ماذا تخبئ التقنية الحيوية على المديين القريب والبعيد من ناحية الاكتفاء الغذائي والتنمية البشرية في عالمنا الحاضر؟ ومَن يحمي بقية دول العالم التي تتضور جوعا ولا تعرف مخرجا لفقرها وجوعها ولا تمتلك القدرة والوسيلة للتعامل مع مخرجات التقنية الحيوية؟ ماذا لو ثبت علميا أن لبعض الأساليب الزراعية أضرارا مستقبلية؟ وهل سنسمح بتنامي الفقر والجوع بيننا فنصبح غير قادرين على درء الأمراض الناتجة عن ذلك؟