قاعدة النجاح الذهبية
<a href="mailto:[email protected]">nsabhan@hotmail.com</a>
القاعدة الذهبية العامة للنجاح تقول إن النجاح بمعناه الشامل والاستراتيجي لمن يفضل العبارات الجزلة، هو محصلة جهد جماعي تراكمي وليس نتاج "المعية" فردية مهما كان هذا الفرد عبقريا، فالفرد دوره يبرز في عملية التحفيز واستنهاض الهمم، وتصدق هذه القاعدة تحديدا على العمل العام، فالعمل العام يتطور مرحلة بعد مرحلة بناء على الإضافة والتطوير والتحديث والبناء على ما سبق بعد أن ينقى من السلبيات أو يحسن الأداء ويطور بعد أن يكون قد أدى أغراضه ولم يعد يتوافق مع متطلبات المرحلة الجديدة، وهو ما يستدعي دوما أفضلية تجديد القيادات فيما يسمى في علم الإدارة تجديد الدماء، والأخذ بهذه القاعدة هو الذي أسهم في تطور الدول والمجتمعات المتقدمة، لكونها أخذت طريقة البناء المتتابع وفق خطط عمل استراتيجية تحدد الأهداف العامة والأساسية التي يلتزم بها من قبل كل من يعين أو يتولى منصبا قياديا، لهذا نجد في تلك الدول أن العمل يسير على الوتيرة نفسها، ولكن المتصاعدة مهما تغيرت القيادات لكون الأساس هو خطة العمل وليس أشخاصا من يحتلون مناصب عليا الذين يكلفون بإنجاز عمل ضمن إطار الخطة العامة.
منذ سنوات طبق في المملكة نظام تحديد المدة الزمنية لشاغلي المواقع القيادية بأربع سنوات، إلا لمن يرى صاحب الصلاحية التمديد له للمصلحة العامة، وكان هذا القرار جيدا واستقبل على اعتبار أنه واحد من أبرز أوجه التطوير اللازم وإنهاء لمرحلة المناصب "المؤبدة"، حيث كان الشخص لا يترك المنصب إلا إلى القبر أو المستشفيات للعلاج من أمراض مزمنة، وكان من إيجابيات هذه الخطوة أنها أوجدت حافزا لدى شريحة كبيرة من ذوي الخبرة والمؤهلين من حملة الشهادات العليا والمبرزين في العمل أن الدور قد يأتيهم وأن جهدهم وعطاءهم يمكن أن يقودهم إلى أحد المناصب البارزة والأولى بعد أن فتحت فترة السنوات الأربع الأمل واسعا أمام الجميع وألغت احتكار المناصب، إلا أنه شاب ذلك فهم خاطئ، فظن أن التجديد يعني الركن والإبعاد نهائيا من الخدمة لمن يستبدل، لهذا كم شاهدنا قدرات فعلا تنزوي دون أن يُستفاد منها في مكان آخر، فالتجديد لا يعني الإنهاء الكامل إلا لمن ثبت فشله وعدم جدواه. أما المجد والمجيد فلا بد من الاستفادة من عطائه في مكان وموقع ثان، وأمامي مثلان يوضحان المقصود، الأول هو الدكتور غازي القصيبي الذي تنقل بين عدة وزارات وسفارات وفي كل موقع احتله قدم فيه إضافة عكست قدرات تمت الاستفادة منها في عدة مواقع مع اختلاف تخصصاتها، وإن كان الحكم عليه حاليا في وزارة العمل سابقا لأوانه، بمعنى أن قدرة إدارية مثل الدكتور غازي القصيبي، وبالمناسبة هناك عشرات أمثاله ولكن ليس لهم حظ الدكتور القصيبي، أمكن الاستفادة منها ولم يرسل كغيره للأرشيف الوظيفي. أما المثل الآخر فهو مجلس الشورى، فهذا المجلس يتكون من ذوي الخبرة والممارسة العملية في قيادات عليا إضافة إلى مؤهلاتهم العالية، وجاء تعيينهم أعضاء في مجلس الشورى للاستفادة منهم في مجال آخر لا يقل أهمية عن مواقعهم السابقة، فكسبنا بذلك خبرات ضمن عملية تجديد كاملة في موقع آخر دون أن نخسر خبرتهم والاستفادة منها ومن عطائهم في مجلس الشورى.
إلا أنه أيضا شاب هذه النظرة التجديدية في دماء القيادات العليا والوسطى فهم خاطئ لمفهوم التغيير، فهناك من اعتقد أن التغيير يستدعي ويتطلب القيام بعملية هدم كامل لما سبق والشروع في إرساء خطط وبرامج جديدة من الصفر، وكأنه لم يتسلم عملا بذلت فيه جهود وحققت فيه إنجازات سابقة، لهذا ما إن يحدث التجديد حتى يسارع المعين بإطلاق التصريحات حول أنه مع مقدمه الميمون سيغير كل شيء ويطور الأداء إلى آخر هذه المعزوفة التي تعودنا عليها بعد كل فترة تعيينات وكأنه مقبل على بناء خرب، وهذه نظرة خاطئة ندفع ثمنها أن نظل دائما محل سر، فمن تضييع الوقت وهدر المال أن يلغى عمل من سبق وكأنه لم يحقق شيئا وأن نبدأ بين فترة وأخرى من أول وجديد، وهذا وبكل أسف هو الأسلوب السائد، حيث نشاهد مع كل تعيينات جديدة حملة واسعة وتصريحات ساخنة وكأن القادم الجديد هو صاحب العصا السحرية الذي سيحدث التغيير العجيب، ونتيجة ذلك دائما تكثر الأخطاء ونفتقد العمق ويغلب على عملنا الهشاشة، وهذا يعود، للإنصاف، إلى أننا نفتقد خريطة طريق تمثل برنامج عمل عام يكون ملزما للجميع وفق تناغم متناسق ما بين كافة الجهات، وهو ما نراه في طبيعة نظام الدول المتطورة، حيث يصبح الفرد فيها مجرد ترس في آلة ضخمة، إما أن يكون قادرا على الدوران معها وإما يلفظ منها.
أخلص من هذا إلى أن النجاح الراسخ والباقي والمستمر هو الذي يُبنى بجهد جماعي وينبثق من رؤية شاملة ترتكز على أهداف مرحلية التحقيق ضمن إطار عام، أما النجاح المبني على جهد شخصي بحت فهو الوقتي وغير الدائم، لأن غيره سيسعى إلى بناء مجد شخصي له هو الآخر، وهو ما يدخلنا في حلقة مفرغة من لعبة كراسي مملة.