الاقتصاد العالمي غير متأثر بارتفاع أسعار النفط

<a href="mailto: [email protected]"> [email protected]</a>

الأربعاء الماضي صدر التقرير نصف السنوي لصندوق النقد الدولي حول آفاق الاقتصاد العالمي 2006، الذي أظهر أنه رغم الارتفاع الكبير في أسعار النفط الخام والكوارث الطبيعية كإعصار كاترينا فإن معدل نمو الاقتصاد العالمي عام 2005 قد فاق التوقعات، فالصندوق في تقريره الصادر في أيلول (سبتمبر) الماضي توقع نمو الاقتصاد العالمي عام 2005 بنسبة 4.3 في المائة، بينما كانت نسبة النمو المحققة فعلا 4.8 في المائة. كما أن معظم مؤشرات الاقتصاد العالمي حاليا إيجابية، فالتجارة الدولية تنمو بنسبة عالية، والمؤشرات المستقبلية لقطاعات الاقتصاد الرئيسية كالصناعة والخدمات مرتفعة وثقة قطاع الأعمال عالية، لذا فالصندوق يتوقع أن يحقق الاقتصاد العالمي نموا تبلغ نسبته 4.9 في المائة خلال عام 2006، ونموا بمعدل 4.7 في المائة عام 2007. ومن منظور إقليمي فإن هناك اتساعا في نطاق النمو الاقتصادي في الاقتصادات المتقدمة بعد أن كان معظم النمو يتركز في الولايات المتحدة، كما يتمتع معظم الاقتصادات الناشئة بمعدلات نمو مرتفعة، خاصة الصين، الهند، وروسيا، التي أسهم النمو فيها بثلثي الزيادة غير المتوقعة في معدلات نمو الاقتصاد العالمي عام 2005.
وإضافة لملاءمة السياسات النقدية في الدول المستهلكة للنفط، فإن الصندوق يرى أن العولمة الاقتصادية لعبت دورا مهما في الحد من التأثير السلبي لارتفاع أسعار النفط الخام في أداء الاقتصاد العالمي، على خلاف ما كان عليه الحال في المرات السابقة التي شهد فيها العالم ارتفاعا كبيرا في أسعار النفط الخام. فالعولمة زادت من كفاءة تدوير إيرادات النفط من خلال أسواق المال العالمية ما ساعد على إبقاء معدلات الفائدة متدنية. كما أن زيادة الطلب على السلع والخدمات لا تعني بالضرورة ارتفاعا في أسعارها وإنما نمو في الواردات ما يقلل من أهمية قيود الإنتاج المحلية، وزيادة المنافسة الأجنبية تحد من ارتفاع الأجور في القطاعات المعرضة للمنافسة وتقلل من حساسية تلك الأجور لنمو الإنتاجية، ما حد من التأثير التضخمي لارتفاع أسعار النفط الخام.
إلا أنني أعتقد أن هناك أسبابا أخرى لعبت دورا مهما في الحد من التأثير السلبي للارتفاع المستمر في أسعار النفط الخام على الاقتصاد العالمي، من أهمها كون الارتفاع الحالي المستمر في أسعار النفط الخام مدفوعا بزيادة في الطلب العالمي على النفط نتيجة تسارع وتيرة نمو الاقتصاد العالمي لا بسبب معوقات في جانب العرض, كما كان يحدث سابقا، وأن النمو المستمر في كفاءة استخدام الطاقة خلال العقود القليلة الماضية أسهم في الحد من تكلفة الطاقة من إجمالي تكلفة السلع والخدمات المنتجة, وبالتالي همش من التأثير التضخمي لارتفاع أسعار النفط. لذاا يتوقع ألا يكون لأسعار النفط الخام حتى وفق معدلاتها التي وصلت إليها الأسبوع الماضي التي تجاوزت 75 دولارا للبرميل أي تأثير سلبي كبير في الاقتصاد العالمي. فالارتفاع المستمر في أسعار النفط منذ عام 2003 لم يستطع حتى الآن تحجيم قوة الدفع الهائلة في الاقتصاد العالمي ولم يعقه عن تحقيق معدلات أداء متميزة تاريخيا، فمعدل نموه في عام 2004 البالغ 5.3 في المائة يعد الأعلى على مدى ثلاثة عقود. ووفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي فإن زيادة نسبتها 10 في المائة في أسعار النفط الخام تخفض معدلات نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 0.1 إلى 0.15 في المائة فقط، ما يعني أن ارتفاع أسعار النفط الخام إلى 80 دولارا للبرميل، أي بزيادة 20 في المائة عن معدلاته عند إعداد تقرير الصندوق، لن تخفض توقعات الصندوق لمعدل نمو الاقتصاد العالمي عام 2006 إلا بنسبة 0.3 على الأكثر، وصولا إلى معدل نمو قدره 4.6 في المائة عام 2006, و4.4 في المائة عام 2007، وهي معدلات نمو مرتفعة بكل المقاييس.
الارتفاعات الأخيرة في أسعار النفط الخام، وإن كانت مدفوعة أساسا بتداعيات ملف إيران النووي، ستكون على الأرجح دائمة حتى لو حدث انفراج في هذا الملف، أهم إيجابياتها يتمثل في الحد من معدلات النمو في الطلب على النفط في الدول المستهلكة ما يخفف من الضغوط على الدول المنتجة لزيادة طاقاتها الإنتاجية، وأنه فقط في حال حدوث ارتفاع حاد في أسعار النفط نتيجة صدام مسلح بين إيران والولايات المتحدة سيكون هناك تأثير سلبي واضح في أداء الاقتصاد العالمي, وأن الطفرة الحالية في الموارد المالية للدول المنتجة أكثر ثباتا واستمرارية من الطفرات السابقة، وأن أفضل مساهمة يمكن أن تبذلها للحد من آثار ارتفاع أسعار النفط الخام على الاقتصاد العالمي هو في توسعها في توظيف فوائضها المالية في أسواق المال في الدول المستهلكة، خاصة في الدول التي تعاني من عجز في حساباتها الجارية، ما يحد من ارتفاع أسعار الفائدة عالميا ويسهم في استمرار قوة نمو الاقتصاد العالمي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي