رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


مكافحة الإغراق ما بين حرية المنافسة وضرورات حماية المنتجات الوطنية

يمثل الإغراق السلعي إحدى الظواهر التجارية غير المشروعة المؤدية إلى منافسة غير عادلة، التي باتت تكتنف العلاقات التجارية الدولية متزامنة مع الارتفاع المطرد في حجم التبادل التجاري بين الدول استشرافاً لمرحلة جديدة قادمة تحكمها قوانين العولمة واقتصاد السوق وحرية المنافسة طبقاً لأهداف ومبادئ منظمة التجارة العالمية. وإضافة إلى ما يعنيه الإغراق من تفوق ميزان الواردات على الصادرات فعادة ما يكون الإغراق السلعي لدوافع اقتصادية ناجمة عن الكساد العالمي الذي يؤدي عادة إلى تكدس السلع بكميات كبيرة لدى البلدان المنتجة، مما يضطرها إلى تصديرها إلى البلدان الأخرى بأسعار تقل عن سعرها في مجرى سعر التجارة الدولية. كذلك قد يكون الإغراق بسبب دوافع استراتيجية معينة ترمي إليها الشركات المنتجة بهدف ضمان البقاء في السوق المحلي للدولة المستوردة من خلال الإضرار بالصناعة المحلية المماثلة لضمان استمرار هيمنتها على السوق المحلية بصورة احتكارية قائمة على المنافسة غير العادلة.
وتعني ظاهرة الإغراق السلعي بيع أو طرح كميات كبيرة من المنتجات بأسعار متدنية لدرجة أن سعرها في البلد المستورد يكون أقل من سعرها في سوق البلد المصدر، وربما بأقل من سعر التكلفة. وللتحقق من حدوث الإغراق لا بد من اتخاذ إجراءات طويلة ومعقدة تهدف إلى إثبات تحقق ثلاثة أركان هي: إثبات تحقق وجود الإغراق من ذلك المنتج، إثبات وقوع ضرر مادي على الصناعة المحلية، وأن يكون ذلك الضرر ناجماً عن هذا الإغراق، وليس بسبب عوامل أخرى (أو ما يسمى قانوناً علاقة السببية).
ونظراً لأهمية هذا الموضوع فقد تم تناوله بموجب المادة 6 من الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (الجات) التي نصت على حق الأطراف الأعضاء في منظمة التجارة العالمية في اتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة الإغراق في حالة تسبب الواردات في الإضرار بالصناعة المحلية داخل البلد المستورد. ونتج عن دورة أورجواي مراجعة لهذه الاتفاقية حددت بمزيد من التفصيل كيفية حدوث الإغراق، إضراره بالصناعة المحلية، والإجراءات الواجب اتباعها لإجراء التحقيقات وحساب التسعيرة, إضافة إلى الدور الذي يجب أن تلعبه لجان حسم المنازعات فيما يتعلق بالنزاعات المتعلقة بالإجراءات التي تتخذها السلطات المحلية فيما يتعلق بمكافحة الإغراق.
ويتضح مما ذكر أعلاه أن سلطات الدولة في توفير الدعم والحماية للصناعة المحلية، خاصة في مواجهة خطر الإغراق السلعي، لم تعد بالبساطة المعهودة التي كانت سائدة في السابق مثل زيادة الرسوم الجمركية بصورة تلقائية أو غيرها، وإنما باتت مقتضيات الانضمام إلى عضوية منظمة التجارة العالمية تفرض على الدولة العضو قيوداً كثيرة تحد كثيراً من حريتها في التعاطي مع هذه الأخطار والمهددات. فقد أصبح يتعين عليها اتخاذ قراراتها الخاصة بمكافحة الإغراق وحماية صناعاتها المحلية طبقاً لقوانين محددة يكون قد تم إخطار المنظمة بها وتمت مراجعتها أو إبداء أي ملاحظات عليها. ويبدو من الواضح أيضاً أن هناك تناقضاً واضحاً بين الإقرار بمبدأ المنافسة ومكافحة الإغراق السلعي في الوقت ذاته. وإذا كان الأول يمثل القاعدة فإن الثاني يكون بمثابة الاستثناء. لكن إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية أن التجارة الدولية هي عملية لتبادل المصالح التجارية ما بين الدول، ربما لا تخلو من الممارسات الخاطئة من هذا الطرف أو ذاك، ينبغي علينا إدراك أنه بمثل ما نحاول حماية صناعاتنا المحلية فإن الطرف الآخر، أي الدولة المصدرة، تسعى هي الأخرى أيضاً إلى حماية مصالح رعاياها من الشركات أو الأفراد المتسببين في الإغراق. وإننا لو وضعنا أنفسنا مكانها لما توانينا عن تقديم الدعم والمساعدة لمواطنينا وشركاتنا الذين توجه لهم تهم الإغراق في بلد آخر.
أما فيما يتعلق بالإجراء الممكن اتخاذه في حالة ثبوت حدوث الإغراق السلعي فإنه يجوز للدولة المستوردة فرض رسوم لا تزيد على هامش الإغراق عند دخول المنتج المستورد من المنافذ الجمركية للبلد المستورد، يطلق عليها رسوم مكافحة الإغراق. وعادة ما يسري تطبيق هذه الرسوم لمدة خمس سنوات تجري قبل انتهائها بمدة معقولة مراجعة لمعرفة زوال الضرر من عدمه تمهيداً لإلغائها أو تجديد العمل بها لحين مراجعة أخرى. ويشترط أن يتم إجراء تحقيق يتم بموجبه تحديد وجود الضرر للصناعة المحلية يكون قائماً على أساس وجود ضرر مادي، أو تهديد بوقوع مثل هذا الضرر، أو حدوث عرقلة أو تأخير مادي لقيام صناعة محلية مماثلة. ولا بد أن يتم تحديد الضرر استناداً إلى أدلة وحقائق إيجابية وموضوعية، وألاَّ يكون مؤسساً على مجرد الادعاءات المحتملة التي لا تستند إلى الحقائق.
إن منظمة التجارة العالمية لا تصدر أحكاماً فيما يتعلق بالإغراق، بل هي جهة رقابية تنظم الإجراءات الخاصة بمكافحة الإغراق من خلال ما يسمى "اتفاقية مكافحة الإغراق".
وإدراكاً من المملكة بالمخاطر التي يشكلها الإغراق على الصناعة المحلية قامت بسن تشريع لمكافحة الإغراق، كما شكلت لجنة دائمة لمكافحة الإغراق برئاسة وزارة التجارة وعضوية ممثلين من الجهات ذات الاختصاص من وزارة الصناعة، وزارة المالية، وزارة البترول والثروة المعدنية، الهيئة العامة للاستثمار، ومجلس الغرف التجارية الصناعية. ومن مهام هذه اللجنة متابعة موضوع المكافحة والحماية والتدابير التعويضية، توجيه الصناعات المحلية حول الخيارات القانونية المتاحة لتجنب تعرضها لقضايا مماثلة، تلقي شكاوى الصناعات المحلية فيما يتعلق بالواردات الأجنبية الإغراقية ودراستها، ونشر الوعي بأهمية التعامل مع موضوع الإغراق من خلال عقد الندوات والمحاضرات وورش العمل الخاصة بهذا الموضوع. وحققت تلك اللجنة العديد من الإنجازات في مجال دعم ومساعدة الصناعات المحلية في إسقاط دعاوى الإغراق المقامة ضدها، توجيهها باتباع الوسائل القانونية، تقديم الدعم الدبلوماسي لها، إضافة إلى استكمال إعداد دراسة مشروع قانون مكافحة الإغراق والتدابير التعويضية للحد من ظاهرة الإغراق السلعي لأسواق المملكة وما يترتب عليها من أضرار للصناعة المحلية. كما أن طموحات المملكة لا تقف فقط عند حماية أسواقها ومواطنيها من مخاطر الإغراق بل هي تسعى جاهدة إلى إقرار نظام مكافحة الإغراق في شكله العربي الموحد بحيث يغطي الدول العربية كافة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي