رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ما الذي يحدث في سوق الأسهم السعودية؟

<a href="mailto:[email protected]">amsultan@hotmail.com</a>

في كل مرة تقوم هيئة السوق المالية بوقف مضارب متلاعب يتراجع سوق الأسهم بحدة، ما يعرض الهيئة لنقد شديد من المتعاملين في السوق، بحجة أن قرارات الهيئة دفعت المضاربين للانتقام من الهيئة بالضغط على السوق للتراجع، أو أن وقف المضاربين حد من السيولة في السوق، أو أن قرارات الهيئة أخافت المضاربين وانسحبوا من السوق، أو غير ذلك من التفسيرات غير المقنعة، التي لا تعدو كونها محاولة لتشخيص ارتباط محير واضح ومتكرر بين قرارات الهيئة وتراجع السوق.
والأمر المؤكد هو أن هناك رد فعل سلبيا حقيقيا من قبل السوق تجاه قرارات الهيئة بمعاقبة المتلاعبين، إلا أن هذا الارتباط لا يعود إلى أي من الأسباب السابق ذكرها، وإنما يرجع إلى أن الارتفاع الكبير في أسعار أسهم الشركات المدرجة ولد قناعة لدى الكثير من المتعاملين بأن السوق مرتفع أكثر مما يجب وبالتالي قد يكون عرضة لتصحيح حاد، ما جعلهم متحفزين للخروج منه عند ظهور أي بادرة تراجع. وعندما تعلن الهيئة معاقبة مضارب أو توقيفه فإن ذلك يصبح بمثابة تأكيد من الهيئة على أن ارتفاع السوق أو ارتداده مفتعل وناتج عن عمليات مضاربات غير مشروعة واحتيال، وليس بالضرورة متناسب مع حقيقة أداء الشركات المتداولة، ما يفقد المتعاملين ثقتهم في السوق ويدفعهم إلى خروج متسرع يفاقم من حدة التراجع. فوقف مضارب من بين آلاف المضاربين لا يفترض أن يؤثر مطلقا في السوق ناهيك عن أن يتسبب في تراجعه الحاد، إلا أن اعتبار السوق هذا الوقف مؤشرا على وجود عمليات مضاربة غير مشروعة وتلاعبا قد يكون أوسع وأكبر يزيد من حدة تفاعله.
ومن الخطأ الاعتقاد بأن رسالة السوق للهيئة من خلال تراجعه بعد كل مرة تعاقب فيها متلاعبا أنها مطالبة بغض الطرف عن الممارسات غير المشروعة في السوق، وإنما هي رسالة واضحة للهيئة بأن استمرار هذا التلاعب يفقد السوق مصداقيته ويشكك المتعاملين في حقيقة أدائه، وأن على الهيئة اتخاذ كل ما يلزم لإنهاء هذا التفشي في السلوكيات المشينة الذي يندر أن يوجد له مثيل في أي سوق مالي متقدم في العالم، وأنها في كل مرة تعاقب فيها متلاعبا تؤكد من جديد فشلها في القضاء على هذه المشكلة، وتثبت أن الحل لا يمكن أن يتأتى من خلال قرارات ضعيفة ضد عدد محدود من المخالفين.
لذا فمسؤولية الهيئة عن تراجع السوق ليست في اتخاذها قرارات بوقف عمليات مضاربة غير مشروعة فهذا واجبها وإحدى أبرز مهامها، وإنما في ضعف الهيئة المتمثل في عدم قدرتها على إيقاع عقوبات حاسمة قاسية بحق المتلاعبين تردع غيرهم عن حتى مجرد التفكير في التورط في عمليات تداول مشبوهة مماثلة، ما فاقم من حجم التلاعب في السوق وأضعف ثقة المتداولين فيه. ولو أن الهيئة، على سبيل المثال، عندما أوقفت المضاربات على شركة الكهرباء في أيار (مايو) 2004 أوقعت عقوبات قاسية بالمتلاعبين، بما في ذلك استصدار قرارات بالسجن والمنع المطلق من التعامل في السوق مستقبلا، لما توسعت دائرة التلاعب، ولما بلغت الجرأة بالمخالفين حد تكوين ما يسمى "المجموعات"، التي تمثل استخفافا سافرا بالهيئة وتآمرا مكشوفا بين عدد من المضاربين للاشتراك في عمليات تداول وهمي على شركة معينة، لرفع سعرها عدة مرات خلال فترة وجيزة دون أي مبرر، يذهب ضحيته غيرهم من المتداولين ممن ينساقون خلف هذا الارتفاع. وعندما تكتفي الهيئة بمنع المتلاعب مؤقتا من الشراء فقط، أو بتغريمه مبلغا قد لا يمثل حتى جزءا بسيطا من أرباحه من عمليات التلاعب التي قام بها، فإن هذه العقوبات في حقيقتها تصبح بمثابة دعوة من قبل الهيئة للآخرين إلى التلاعب في السوق، فكل ما ستخسره في حال معاقبتك هو جزء مما حققته من أرباح، أما لو كانت العقوبة رادعة تشمل سجنا وغرامة تساوي أضعاف ما كسبه من تلاعبه لما تجرأ شخص آخر على تكرار فعلته مهما كانت المغريات.
وفي ظل هذا الضعف في أداء الهيئة تجرأ المتلاعبون في السوق على تكرار عملياتهم المشبوهة دون أدنى اكتراث، واعتراف الهيئة باستمرار عمليات المضاربة غير المشروعة في السوق، من خلال إصدارها من وقت لآخر قرارات وقف جديدة، يضعف الثقة في كل مرة في حقيقة ارتداد السوق، ويخلق تصورا لدى المتداولين بأن هذا الارتداد ناتج عن عمليات مضاربة مضللة لا أكثر، وأنه لا يعدو كونه فقاعة جديدة ستنفجر في أي لحظة ويحسن الخروج فورا، ما يدفع السوق إلى التراجع بحدة. وفي ظل اكتشاف الكثيرين ممن دخلوا السوق حديثا حقيقة أن سوق الأسهم ليس سوقا مضمون الربح يتعرض لتذبذبات عنيفة مكلفة جدا، فإن السوق قد فقد القدرة على اجتذاب مستثمرين جدد، في الوقت الذي يغادره الكثير ممن سئموا وملوا مما يحدث فيه من ممارسات، ما يجعل تعافي السوق ومحافظته على قوته عملية في غاية الصعوبة بل قد تكون مستحيلة تماما.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي