"الأونكتاد": 61 % من الأسر الفلسطينية تحت خط الفقر وعجز الميزانية يتفاقم

"الأونكتاد": 61 % من الأسر الفلسطينية تحت خط الفقر وعجز الميزانية يتفاقم

بعد قرابة أربعة عقود من الاحتلال لا يزال الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة يخضع لتدابير إسرائيلية تقييدية وتعسفية، وقد عانى، على مدى السنوات الخمس الماضية بشكل خاص، من المواجهات العنيفة والأوضاع الشبيهة بالحرب. وقد كانت لهذه العوامل انعكاسات خطيرة على نمو الاقتصاد وهيكله وأدائه.
وفي تقرير حديث صدر خلال الأيام الماضية عن منظمة الأونكتاد حول "الاقتصاد الفلسطيني الذي مزقته الحرب" أن هذا الاقتصاد شهد انكماشا كبيرا خلال الفترة من عام 1999 إلى عام 2004، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 15 في المائة. وقد كان تأثير ذلك على رفاه السكن أشد وطأة، إذ انخفض نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي الحقيقي بنسبة تزيد على 33 في المائة، بدولارات عام 1997، من 1860 دولاراً في عام 1999 إلى 1237 دولاراً في عام 2004. ونتيجة لذلك، سجلت مستويات الفقر ارتفاعا كبيراً، حيث أصبح ما نسبته 63 في المائة من السكان يعيشون دون خط الفقر (الدخل) البالغ 2.3 دولار للشخص في اليوم، بما في ذلك ما نسبته 16 في المائة من السكان الذين أصبحوا يعيشون في حالة فقر مدقع، أي بدخل يقل عن 1.6 دولار للشخص في اليوم في عام 2004، وبالتالي فإنهم لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الأساسية.
وفيما يتصل بتدهور مستويات دخل الأسر، تشير التقديرات إلى أن ما نسبته 61 في المائة من الأسر كانت تعيش دون خط الفقر البالغ 350 دولاراً للأسرة الواحدة (المكونة من أربعة أفراد) في الشهر بحلول نهاية عام 2004. وقد انخفض متوسط الدخل الشهري للأسر بنسبة 45 في المائة من 610 دولارات في عام 2000 إلى 330 دولاراً.
ويضيف التقرير أنه كان من الصعب عكس اتجاه هذه الانخفاضات الحادة في مستويات دخل الأسر والدخل الوطني في ظل السياسة الإسرائيلية المتمثلة في عمليات الإغلاق الداخلي والخارجي والنظام المعقد للقيود المفروضة على الحركة التي تم تشديد صرامتها منذ شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2000. وأدى هذا النظام فعلياً إلى تحويل الضفة الغربية إلى جزر معزولة، فقد اشتمل نظام عمليات الإغلاق هذه، في ذروة تطبيقه، على 600 حاجز مادي في شكل نقاط تفتيش دائمة، وبوابات معدنية، وسواتر ترابية، وجدران، وحواجز طرق وخنادق. وبحلول عام 2005، كانت هناك 300 من هذه الحواجز لا تزال قائمة، حيث إن حاجز الفصل الإسرائيلي قد أدى إلى فرض قيود مادية واقتصادية جديدة. ويضاف إلى ذلك أن الفلسطينيين يخضعون لقيود في استخدام 41 طريقاً تغطي ما يزيد على 700 كيلو متر من الطرق البرية، مما في ذلك عدة طرق رئيسية، أو أنهم ممنوعون تماماً من استخدام هذه الطرق.
ولم تكن الحالة في غزة أفضل منها في الضفة الغربية، حيث أدى تطبيق نظام نقاط التفتيش الثابتة، (حتى تنفيذ عملية فك الارتباط في عام 2005) إلى تقسيم غزة إلى أربعة "جيوب" معزولة. وقد أصبح تدفق البضائع عن طريق معبر كارني مع إسرائيل ينطوي على قدر كبير من المشاكل بسبب التدابير الأمنية المشددة وترتيبات النقل من شاحنة إلى أخرى التي أصبحت تطبق بصورة منهجية. وحتى نهاية 2005، كان معبر رفح مع مصر يفتح خلال ساعات محدودة، كما كان يخضع لتدابير أمنية صارمة.
وفي أعقاب الاتفاقات التي عقدت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2005 بشأن إعادة فتح معبر رفح، سجلت أوضاع عبور المسافرين تحسناً ملحوظاً.
وبالإضافة إلى تأثير التدابير المذكورة أعلاه، يقدر أن يكون تدمير البنى التحتية المادية والممتلكات الخاصة والعامة قد كبد الاقتصاد الفلسطيني خسائر تبلغ قرابة 3.5 مليار دولار، أي ما يعادل نسبة 30 في المائة من الرصيد الرأسمالي لما قبل عام 2000. ويدل تحليل أجراه الأونكتاد لتأثير العنف والاحتلال الذي طال أمده على آفاق التنمية الاقتصادية الفلسطينية، إلى جانب الخسائر الكبيرة المتكبدة في الدخل ورأس المال، على وجود حالة مشتركة بين الاقتصادات التي مزقتها الحروب وحالات الطوارئ الإنسانية المعقدة، حيث تتفاقم حالة ضعف وهشاشة الاقتصاد من جراء استنفاد قدرة العرض، ما يؤدي إلى دورة نكوص في التنمية وتقويض منجزاتها. وقد تمثل التأثير المباشر لهذه التدابير في تعطل الأنشطة الاقتصادية الداخلية واختلال التجارة الخارجية، مما أسفر عن تكبد خسائر في الدخل وفرص العمل داخل الأرض الفلسطينية المحتلة وفي إسرائيل.
وبالإضافة إلى الخسائر المتكبدة في الرصيد الرأسمالي، تشير تقديرات الأونكتاد إلى أن الكلفة التراكمية للدخل المحتمل للفرص الاقتصادية الضائعة (الناتج المحلي الإجمالي) على مدى الفترة 2000 ـ 2004 وحدها بلغت نحو 6.4 مليار دولار بدولارات عام 1997. وهذا يعادل ما نسبته 140 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني المسجل قبل نشوء الأزمة. وخلال الفترة نفسها، سجل معدل البطالة ارتفاعا قويا من أقل من 12 في المائة في عام 1999 إلى قرابة 32 في المائة بحلول نهاية آذار (مارس) 2005 وبالتالي فقد أصبح 272 ألف شخص من الفلسطينيين عاطلين عن العمل.
وعلاوة على ذلك، فإن الأزمة التي نشبت أخيرا قد أدت إلى تفاقم جوانب الضعف الهيكلي المترسخة وتزايد التأثر بالصدمات الخارجية نتيجة الاحتلال الذي طال أمده، حسبما يتجلى في تقلب النمو الاقتصادي، واستمرار وارتفاع معدلات البطالة، والاختلالات الداخلية والخارجية المزمنة. وكما هو مبين في تقارير سابقة أصدرتها الأمانة العامة للأونكتاد، فقد زاد عجز ميزانية السلطة الفلسطينية كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي من 6 في المائة في عام 1999 إلى 8.6 في المائة في عام 2004. أي أن هذا العجز، محسوباً بالدولار، قد ارتفع من 250 مليون دولار إلى 345 مليون دولار في عام 2004. وخلال هذه الفترة، ظل العجز التجاري عند مستوى يبلغ نحو 64 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، حيث سجل انخفاضا طفيفا من 2.7 مليار دولار ليصل إلى 2.6 مليار دولار في عام 2004.
وقد أدى تزايد حدة جوانب الضعف الهيكلي إلى فرض تحديات إضافية على القطاع الخاص سيحتاج للتغلب عليها إلى سنوات من الجهود المكثفة. فبحلول عام 2004، اضطر ما نسبته 16 في المائة من مؤسسات قطاع الخدمات والقطاع الصناعي التي كانت قائمة قبل عام 2000 إلى التوقف عن العمل بصورة دائمة. وفي قطاعي البناء والتجارة الداخلية، بلغت هذه النسبة 14 في المائة. وقد انخفضت مستويات العمالة في قطاعي الصناعة التحويلية والبناء خلال الفترة الممتدة بين عامي 1999 و2004، وبالتالي فقد هذان القطاعان أهميتهما كمصدرين رئيسيبن للعمالة والدخل. فقد انخفضت مساهماتهما في العمالة من 16 و22 في المائة إلى ما يقل عن 13 و12 في المائة، على التوالي، من قوة العمل.
وفي غضون ذلك، أصبح قطاعا الزراعة والخدمات، بما في ذلك مؤسسات السلطة الفلسطينية، مصدرين رئيسيين للعمالة. فقد استخدم الأول قرابة 16 في المائة من قوة العمل الفلسطينية عام 2004 مقارنة بما نسبته 13 في المائة عام 1999، بينما استوعب القطاع الأخير نحو 35 في المائة من قوة العمل بعد أن كانت هذه النسبة قد بلغت 28 في المائة عام 1999.
ومما يبرز هذه التغيرات حدوث تحول في القاعدة الصناعية في اتجاه الأنشطة منخفضة الإنتاجية ومتدنية الأجور. وإضافة إلى استنفاد القاعدة الرأسمالية للاقتصاد والانخفاض في الاستثمار الخاص، شهدت الفترة منذ عام 2000 تقلصاً إجمالياً في متوسط حجم المؤسسات وتوسعاُ في المؤسسات بالغة الصغر التي تستخدم أقل من خمسة عمال. ومع ذلك، كانت المؤسسات الصغيرة ( التي تستخدم ما يراوح بين خمسة أشخاص و19 شخصاً) والمؤسسات المتوسطة (التي تستخدم ما يراوح بين 20 و50 شخصاً) بمثابة أداة لامتصاص الصدمات التي يواجهها الاقتصاد المضطرب. ويعزى هذا أساسا ً إلى التوسع الملحوظ في أنشطة مؤسسات الصناعة التحويلية، أي تلك التي تزاول أنشطة إنتاج الأغذية والمشروبات، وأنشطة التعدين والحاجز وصناعة الأثاث، التي سجلت زيادة ملحوظة في حجم قوتها العاملة بأجر وفي إجمالي القيمة المضافة ومستويات التعويضات.
وفي الوقت نفسه، أدت المصادرة المستمرة للأراضي الفلسطينية من قبل إسرائيل إلى تقويض القدرة الإنتاجية للقطاع الزراعي. وبحلول تموز (يوليو) 2004، شكلت الأراضي الزراعية ما نسبته 86 في المائة من الأراضي التي صودرت من أجل بناء حاجز الفصل الإسرائيلي في الضفة الغربية (القسم دال)، مما أفضى إلى فقدان بعض أخصب الأراضي في المنطقة (المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، 2004). وكنتيجة رئيسية لذلك، انخفضت النسبة المئوية لقوة العمل الفلسطينية المستخدمة في القطاع الزراعي في الضفة الغربية من قرابة 23 في المائة عام 2004 إلى ما يزيد قليلاً على 14 في المائة بحلول نهاية آذار (مارس) 2005. وفي قطاع غزة، أدت عمليات تجريف الأراضي من قبل القوات الإسرائيلية إلى حرمان الفلسطينيين فعلياً، حتى عام 2005، من استخدام ما نسبته 15 في المائة من الأراضي الزراعية في القطاع. ويضاف إلى ذلك تدمير 357 شبكة من شبكات الري، و102 من الآبار، و65 من " الدفيئات"، و46 مضخة مياه على مدى الفترة من نسيان (أبريل) 2003 إلى نيسان (أبريل) 2004 وحدها. وبالتالي فإن القطاع الزراعي لم يستوعب سوى ما نسبته 13.2 في المائة من قوة العمل في غزة بحلول نهاية آذار (مارس) 2005، مقارنة بما نسبته 14.1 في المائة في الربع الأول من عام 2004.
ورغم كل هذه الظروف المناوئة، لا يزال الاقتصاد الفلسطيني يعمل متحدياً الأوضاع المدمرة التي شهدتها السنوات الخمس الماضية. والواقع أن الأرقام الحديثة للعمالة تظهر مرونة الاقتصاد وقدرته على التكيف والتماسك الاجتماعي للشعب الفلسطيني، مما حال دون حدوث انهيار كامل. فخلال الفترة 1999- 2004، زاد مجموع العمالة بنحو 20 ألف شخص ليصل إلى 607 آلاف، بينما انخفضت العمالة الفلسطينية في إسرائيل إلى نحو 80 ألف شخص (62 في المائة) لتصل إلى 48 ألفا. وهذا يعني أن الاقتصاد المحلي قد استطاع استيعاب الصدمة وتوفير قرابة 100 ألف فرصة عمل إضافية من خلال توظيف أولئك الذين توقفوا عن العمل في إسرائيل وعددهم 80 ألفا، إضافة إلى توفير 20 ألف فرصة عمل جديدة (الأونكتاد، 2005). وهذا يشكل تكيفاً إيجابياً في اتجاه إعادة توزيع الدخل الوطني المتقلص. إلا أن ثمن ذلك قد تمثل في حدوث انخفاض رئيسي في إنتاجية العمل – وهي نتيجة أخرى من نتائج مسار التنمية المتعثرة للاقتصاد الفلسطيني.

الأكثر قراءة