رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


القرصنة .. مفهومها وآثارها في التجارة الدولية

دخل استخدام عبارة القرصنة القاموس اللغوي في أزمان سحيقة منذ أن بدأ الإنسان بركوب البحر ومزاولة التجارة عبره على متن السفن الشراعية كوسيلة نقل تجوب البحار من بلد إلى آخر. واقترن ذلك بظهور فئة من اللصوص وقطاع الطرق والمسالك البحرية الذين امتهنوا أعمال السلب والنهب من خلال اعتراض طرق السفن التجارية والاستيلاء على بضائع وأمتعة ركابها عنوة، حتى ولو اضطروا إلى إغراقها وقتل من فيها، الذين هم عبارة عن عصابات منظمة يطلق عليها اصطلاحاً عبارة "القراصنة" Pirates.
وعانت الدول الأوروبية، التي كان جل اعتمادها على التجارة البحرية، كثيراً من هذه الظاهرة مما اضطرها إلى استخدام فرق الحماية العسكرية لتأمين تجارتها، خاصة مع مستعمراتها البعيدة.
وأخيرا عاودت عبارة القرصنة الظهور ليتم استخدامها في قاموس التجارة العالمية، مقرونة بعبارات أخرى مثل تزييف السلع والمنتجات، والغش التجاري لتغطي ما يحدث من مخالفات وخروقات متصلة بحقوق الملكية الفكرية تشمل العلامات التجارية، حقوق النسخ، براءات الاختراع، وحقوق التصميم، وما يجب أن يوفر لها من حماية على نطاق السوق العالمية بموجب قوانين منظمة التجارة العالمية. وقد أصبح كل من الحكومات والأفراد، على حد سواء، معنيين بوضع حد لهذه الممارسات والخروقات بسبب ما ينتج عنها من أضرار تهدد صحة وسلامة المستهلك سواء داخل البلد المنتجة فيه أوعلى امتداد العالم. كذلك أصبح ازدهار المتاجرة في السلع المزيفة يشكل أضراراً كبيرة بالنسبة إلى نمو التجارة والاستثمارات، إضافة إلى الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تحدث للدول والشركات خاصة إذا ما لاحظنا، مع بروز ثورة المعلومات والاتصالات، أن 90 في المائة من معدلات القرصنة التجارية تتم بالنسبة إلى سلع معينة مثل الأقراص المدمجة، برامج الكمبيوتر، والأقراص الرقمية، حيث تشير تقديرات بعض المصادر الصناعية في الولايات المتحدة إلى أن خسائرها في برامج الكمبيوتر، الأفلام السينمائية، الموسيقى وألعاب الفيديو قد بلغت في السوق الصينية وحدها خلال عام 2002 نحو 1.89 مليار دولار. كما تشير تلك المصادر أيضاً إلى أن الصين تحظى بسوق واسعة للسلع المزيفة والمقلدة تراوح سنوياً ما بين 19 و24 مليار دولار حسب التقرير الصادر عام 2003 من مركز أبحاث التنمية التابع لمجلس الدولة الصيني. كذلك ظهر في الآونة الأخيرة أن عصابات الجريمة المنظمة قد بدأت، وبصورة متزايدة، في الاشتغال بتجارة السلع المقلدة التي تشكل خرقاً لحقوق الملكية الفكرية عبر الحدود على الصعيد العالمي.
وإذا كانت القرصنة بمفهومها القديم تشكل جريمة جنائية لا يختلف حولها اثنان,فإن القرصنة بمفهومها الحديث، ونتيجة لما تسببه من أضرار مادية ومعنوية للآخرين، قد أخذ التوجه يتعاظم في أوساط منظمة التجارة العالمية إلى التعامل معها كجرم جنائي، بعد أن كانت تعتبر بمثابة المخالفة التجارية العادية التي يتم التعامل معها طبقاً للقوانين التجارية. وإذا كانت القرصنة بمفهومها القديم تمثل استيلاء على حقوق الغير بالقوة والعنف فإن القرصنة بمفهومها الحديث تختلف تماماً من حيث انتفاء توافر عنصر استخدام القوة والعنف ليحل محله نية التحايل بالسطو على الحقوق الفكرية المملوكة للآخرين عن طريق تزييف منتجاتهم الأصلية من خلال وضع العلامة التجارية نفسها، مثلاً، على ما ينتجه قراصنة السلع من منتجات مقلدة شبيهة بالمنتج الأصلي، وبالتالي الدخول في منافسة غير عادلة مع المنتج الأصلي تتنافى مع مبدأ حرية التجارة والمنافسة الشريفة. فالسلعة المقرصنة أو المزيفة تبدو من حيث الشكل والمظهر الخارجي مثل السلعة الأصلية، مستفيدةً من جميع النجاحات والرواج الذي حققه المنتج الأصلي. كما أنها تحرم المخترع من جني ثمار العائدات المستحقة من اختراعه، ذلك أن البائع غير المشروع لا يدفع أي عوائد أو رسوما مستحقة للمخترع. كذلك فإنه عندما تكون جودة السلعة المزيفة رديئة فإن المشترين الذين يقتنونها، اعتقاداً منهم بأنهم يشترون المنتج الأصلي، سوف تتكون لديهم فكرة خاطئة وسيئة عن الشركة الأصلية المتمتعة بحقوق الملكية الفكرية. وأخيراً فإن بيع السلع المزيفة بصورة غير مشروعة سوف يكون من شأنه حرمان الوكلاء والموزعين الشرعيين من حقوقهم، مما يؤثر في نجاح علاقتهم بالمنتج الأصلي.لقد باتت السلع المقرصنة أو المزيفة تشكل تهديداً للصناعات المحلية مما يضيف عبئاً آخر على الدولة والقطاع الخاص نحو محاولة الكشف عن هذه السلع وتقديم من يقومون بترويجها، نقلها، تخزينها، توزيعها، أو تصنيعها للعدالة. كذلك أصبحت الأحكام المدنية البسيطة التي توقع على مرتكبي جرائم القرصنة والتزييف غير كافية ولا تشكل رادعاً قوياً يتناسب مع الأضرار الناتجة عنها، وحتى عندما تصدر تلك الأحكام فإنه يصعب تنفيذها. وبالتالي فقد بات لزاماً على الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية اتخاذ إجراءات ذات طابع جنائي منها، على سبيل المثال، تجريم تعمد تصدير أو توريد السلع المقلدة أو المزيفة، تعديل القوانين لتمتد إلى توقيع العقوبات الجنائية على كل المخالفات التي تتم بصورة تجارية، توضيح معايير المسؤولية الجنائية والتأكد من أن المخالفات يتم رفعها إلى السلطات الجنائية التنفيذية.
ومن ناحية أخرى لا بد من منح المزيد من الحرية لدخول السلع الأصلية المتضررة من عمليات التزييف والقرصنة إلى الأسواق والتقليل من القيود الاستثمارية التي تعترض سبيل دخولها إلى الأسواق العالمية.
ولحماية المستهلك من السلع المزيفة لا بد من توعيته بخطورة تلك السلع من خلال حملات رسمية منظمة يتم شنها على مثل هذه الممارسات وما يترتب عليها من أضرار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي