رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


البطالة والسعودة .. لماذا العراك والحل بأيدينا؟!

أراقب من كثب ما يجري على الساحة من إجراءات ومحاولات لتوظيف المواطنين من قبل وزارة العمل، وما تواجهه وتشكو منه من مقاومة شديدة من قبل أصحاب الأعمال تصل أحيانا إلى حد العراك والتناطح، وتبادل الاتهامات والتهديد باعتزال الأعمال وتهجير الأموال، حتى غدت هذه المسألة حديث الإعلام والمجالس، وانقسم المجتمع بسببها إلى فريقين، أحدهما يمثل المواطنين ممن يعانون من مشكلة البطالة، وما ينشأ عنها وبسببها من مشكلات متعدية تطول الجميع، منها الأخلاقية والأمنية والسلوكية، ويرون أن شباب الأمة أولى بفرص العمل، فيما يحسنون من أعمال، من تلك الجحافل المتدفقة من كل حدب وصوب، مع بقاء الفرصة كبيرة لاستيعاب غيرهم، والفريق الآخر يمثل وجهة نظر أصحاب الأعمال الذين يرون أن أعمالهم ستتأثر، وربما يضطرون إلى تحويل أماكنها ومجالاتها بسبب تضييق بوابة الاستقدام، وعدم توافر الأيدي العاملة الوطنية المدربة، التي لا تماثل الوافدة طاعة وإنتاجا وصمتا!!
ومع أن نتائج مبادرات وزارة العمل بدأت تظهر في بعض القطاعات بتعاون بعض أصحاب الأعمال والشركات الوطنية، مما يدل على إمكانية نجاح الوزارة في مسعاها في توظيف كل طالب عمل، ويدحض في الوقت ذاته الادعاء بعدم قدرة المواطن على التأقلم والالتزام، ورغم أن ما تم لا يزال دون المستوى المأمول الذي تسعى إليه الوزارة ومعها كل مواطن مخلص، إلا أنه يمثل صورة من صور النجاح بعد الكفاح، ويبعث السرور والابتهاج في نفس كل مواطن وهو يرى ابن الوطن يسهم بإخلاص في خدمة وطنه ونفسه من خلال عمل شريف يؤمن مصدر معيشة كريمة له ولأسرته.
وتعد أعمال البيع من أسهل الأعمال وأيسرها وأكثرها وفرة في البلاد، إذ يضم هذا المجال ما لا يقل عن مليون فرصة عمل في مختلف القطاعات، ومعظمها لا يحتاج إلى تأهيل علمي عال، أكثر مما يحتاج إلى المهارة والتدريب على طبيعة العمل بضعة أيام، وإذا كان هناك قطاعات محدودة من الأعمال تتصف بالحرفية مثل بعض الأعمال التي تنازلت وزارة العمل أخيرا عن هدف التوطين فيها من نسبة 30 في المائة إلى نسبة 10 في المائة، وفتحت على نفسها باباً ربما يصعب إغلاقه حينما يعلم المحتجون أن إلحاحهم وصياحهم سيفضي إلى النتيجة ذاتها، فما الموقف والعذر بالنسبة لأعمال البيع، ومعظمها لا يمكن التصديق بصعوبة ممارسته من قبل المواطنين؟ لماذا لا يصدر قرار بإحلال المواطنين فيها، بالكامل، خلال مدة لا تزيد على سنة واحدة، وهي كافية لأصحاب الأعمال للتدبر والإحلال والتأقلم مع الوضع الجديد! ما الفرق بين بائع في سوق الخضار وبائع في بقالة؟ ألم ننجح في سعودة أسواق الخضار والفاكهة، والقضاء على ظاهرة التستر التي كانت متفشية فيها؟ ما الصعوبة في أن يتولى المواطن بيع الملابس وما يتعلق بها لأخيه المواطن؟ أليس هو أقدر على معرفة أنواعها ومقاساتها والمفضل منها لكونه يستعملها؟ ألم نر الشباب السعودي في بعض نقاط البيع التي تتطلب بعض المهارات والإلمام ببعض النواحي الفنية يقومون بأعمالهم بمهنية عالية؟
من عادتي حينما أذهب إلى متجر للشراء أن أتأمل وجوه البائعين لأرى ما هي الصعوبة في أن يقوم المواطن بهذا العمل؟ وأشعر بالأسى عندما ترتد نظرتي دون إجابة، وفي الوقت ذاته يغمرني السرور عندما أرى شبابا مثل من رأيت في بعض المحلات الكبيرة، ومنها متجر للمستلزمات المنزلية شرقي الرياض يقومون بأعمالهم بحرفية متناهية مصحوبة بالبشاشة وحسن الاستقبال والتوديع، رغم ما تتطلبه من إلمام بتفاصيل وقياسات ورسوم فنية!! ولولا التخوف من احتساب ما سأقول من باب الإعلان لذكرت اسم المحل واسم أولئك الشباب.
إن قرارا مثل الذي اقترحت، أي سعودة أعمال البيع، سيكون تاريخيا ومهنيا لما تواجهه الحكومة والمجتمع من مشاكل بسبب البطالة، يزداد خطرها يوما بعد آخر، وستكون فوائده مضاعفة للأسباب الآتية:
1 – إن هذا المجال سيستوعب كل طالبي العمل من المواطنين، على اختلاف مستويات تأهيلهم، من حامل الابتدائية إلى حامل الجامعية، وذلك بسبب تنوع مجالات البيع، واختلاف طبيعة المباع، فضلا عن تعدد مستويات المسؤوليات، من بائع إلى مشرف إلى مدير مبيعات، فمدير معرض، ومن مناول بضائع إلى مدير مستودع، إلى آخر ما هنالك، مما هو موجود على أرض الواقع.
2 – إن من أهم خصائص هذا النوع من الأعمال هو التدريب على طبيعة العمل، والتعرف على أنواع المبيع، والأسعار، وكيفية التعامل مع الزبون، أكثر من التأهيل الأكاديمي، وهذه أمور يمكن تغطيتها بالتدريب على العمل نفسه، ولا ينبغي الاحتجاج بالتخصص العلمي، لأن الواقع العملي ينفيه، ويقف شاهدا على أن معظم من يعملون في مهنة بائع ليسوا مؤهلين علميا في هذا المجال، وأن جزءا كبيرا منهم قدم كعامل، ثم تحول إلى بائع، ومن لا يصدق فليقم بجولة على بعض الشوارع ليجد أن معظم البائعين في قطاع التجزئة هم من العمالة العادية، ولا يوجد بينهم سعوديون لأن صاحب العمل لن يجد سعوديا يعمل من التاسعة صباحا إلى الحادية عشرة ليلا براتب لا يزيد على ألف ريال! ولن يكون السعودي مرحبا به أبدا في مثل هذه الأعمال إذا كان يمكن الحصول على غيره!
3 - سينشأ عن تطبيق مثل ذلك القرار القضاء على جزء كبير من مشكلة التستر، إذ إن تحول البائع إلى سعودي سيكشف الاتفاق المبطن بين صاحب المحل والبائع الوافد، الذي يدفع بموجبه البائع مبلغا مقطوعا لصاحب المحل مقابل تخليه عن المحل وما فيه للبائع، وسيكون من الصعوبة استمرار مثل هذا الأسلوب لعدم قبول المواطن بما كان يقبل به غيره، لأن الدخل الذي يكتفي به الوافد لن يكون كافيا للمواطن الذي يعول أسرة ولديه التزامات ليست لدى غيره، ومن ثم فإن ذلك القرار، لو صدر، سيكون كفيلا بتصحيح وضع كثير من محلات التجزئة التي يسيطر عليها الأجانب تحت مظلة التستر.
4 - سيكون من نتائج تطبيق القرار، أيضا، تصفية بعض المحلات وإغلاقها لعدم اتفاق صاحب المحل مع البائع السعودي على إدارة المحل واقتسام الدخل، وفي ذلك فائدة تتمثل في خفض عدد محلات المستلزمات الاستهلاكية التي أصبحت تزيد على عدد الأسر في المملكة، ولم يحدّ من كثرتها قيام وانتشار المجمعات الكبيرة التي تجمع كل مستلزمات الأسرة تحت سقف واحد، وذلك بسبب كثرة الوافدين وتكدسهم دون أعمال، الأمر الذي يجعلهم يلهثون في البحث عن أي فرصة عمل، وهو ما أسهم في انتشار محلات التجزئة والبقالات الصغيرة لدينا بشكل لا يوجد له مثيل في أي بلد آخر.
5 - ينبغي أن يصاحب ذلك صدور قرار تحديد وقت عمل المحلات التجارية الذي يدرس في مجلس الشورى في ضوء الحاجة والمتطلبات الأمنية والاجتماعية، وما هو عليه الحال في الدول الأخرى التي استفادت من هذه التجربة، لأن من شأن ذلك أن يسهم في إنجاح قرار السعودة.
6 - متى ما نجحنا في تطبيق قرار توطين مهنة البيع فإن ذلك سيكون كفيلا باستيعاب كافة طالبي العمل من المواطنين، ومتى ما تم ذلك فإن بالإمكان مراجعة قرارات السعودة في القطاعات الأخرى، والتخفيف من النسب المطلوبة فيها، والمفروض أصلا من أجل توظيف المواطنين، وما دام أن بالإمكان تحقيق الهدف من خلال توطين مهنة البيع، فلماذا لا يتم التركيز على هذا الحل، وقطع الطريق على المحتجين والمناوئين لقرارات التوطين.
والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي