الهيئة وتفعيل دور الأوراق المالية لتوسيع فرص الاستثمار
<p><a href="mailto:[email protected]">Abdalaziz3000@hotmail.com</a></p>
كاتب اقتصادي
يسعى رجال الأعمال لتوفير التمويل اللازم لتأسيس شركاتهم أو لزيادة رأسمالها أو لتمويل مشاريعها باللجوء إلى مدخرات المواطنين public والتي تمثل مصدرا تمويليا ضخما حجم السيولة في المملكة نحو (589 مليار ريال) بطرح الأوراق المالية للاكتتاب العام، وبطبيعة الحال فإن الدولة لن تسمح لهؤلاء بالتوجه لمدخرات المواطنين إلا من خلال النظام الذي ينظم العلاقة بين الشركات والمستثمرين من أصحاب المدخرات بما يحقق مصلحة الجميع ومصلحة الوطن والمجتمع معا.
وهيئة السوق المالية هي الجهة التي أناطت بها الدولة مسؤولية وضع ومراقبة تطبيق النظام المتعلق بإصدار وتوظيف وتداول الأوراق المالية، فهي الجهة المخولة بإصدار الموافقات على طرح أوراق مالية جديدة وإدراجها في السوق المالية، وهي الجهة المسؤولة عن الإشراف المباشر على السوق وتنظيم وتطوير السوق، وتنمية وتطوير أساليب الأجهزة والجهات العاملة في تداول الأوراق المالية، وتطوير وتنظيم إصدار وتداول الأوراق المالية، إضافة إلى مسؤوليات أخرى نص عليها النظام الأساسي لهيئة السوق المالية لا يتسع المجال لحصرها.
إذن نحن أمام ثلاثة أطراف، رجال أعمال يسعون لتمويل تأسيس أو تطوير شركاتهم أو التوسع في نشاطاتهم الإنتاجية، وأصحاب مدخرات يسعون لتنميتها، وحكومة تسعى لتنظيم العلاقة بين الطرفين بما يحقق مصالحهما إضافة لتحقيق المصلحة العامة بتوسيع وتنويع قاعدة الاقتصاد الكلي، وهيئة السوق المالية كمنظم Regulator هي الجهة الممثلة للحكومة المسؤولة عن تنظيم وتفعيل هذه العملية التي تتمثل في إصدار وتداول الأوراق المالية بشكل منظم يحفظ حقوق الجميع ويحقق الأهداف المرجوة بكفاءة عالية.
الإصدار يتم في السوق الأولية "الاكتتاب العام" والتداول يتم في السوق الثانوية "سوق الأسهم مثلا "، والإصدارات الأولية تمكن رجال الأعمال من الحصول على التمويل المطلوب من مدخرات المواطنين لتأسيس الشركات أو زيادة رؤوس أموالها أو التوسع في مشاريعها، وهي القضية الأهم، إذ يساهم ذلك في توسيع وتنويع قاعدة الاقتصاد الكلي، أما السوق الثانوية فتمكن حملة الأوراق المالية ( أسهم، سندات، وحدات صناديق) من تسييلها إذا شاءوا ذلك لسبب أو لآخر.
توجه السيولة إلى السوق الأولية يعني شركات جديدة، أو شركات تتوسع، أو تمويل مشاريع جديدة، وكل ذلك ذو قيمة مضافة بشكل أو بآخر، أقلها توفير فرص وظيفية جديدة، بينما توجه السيولة إلى السوق الثانوية غالبا ما يعني مضاربات محمومة دون قيمة مضافة إذا استثنينا القلة القليلة التي تشتري الأوراق المالية "ممن يريد تسييلها" في السوق الثانوية بهدف الاستثمار لا المضاربة.
ما حصل في سوق الأسهم السعودية في السنوات الثلاث الماضية يقول إن معظم السيولة اتجهت للمضاربات في سوق الأسهم (وصلت نحو 40 مليارا يوميا) دون أي قيمة مضافة تذكر، بل على العكس من ذلك حيث أصابت السوق المالية ثقافة العمل في مقتل، إذ عزف الناس عن الأعمال وأنشطتها الخدمية والإنتاجية وتسمروا أمام شاشات التداول، وذلك بسبب الأرباح الكبيرة والسريعة التي تحققها لهم سوق الأسهم أثناء صعودها الجنوني، وللأسف الشديد اختتمت هذه الحفلة بالهبوط الحاد الذي انطلقت شرارته في شباط (فبراير) 2006م الذي أدى إلى تحويل السيولة من حسابات الصغار إلى حسابات الكبار مخلفا مأساة يكاد يكون شهدها كل بيت سعودي.
بمعنى أن السيولة الكبيرة بدل أن تكون غيثا ينبت الزرع ويسمن الضرع تحولت إلى وبال على الوطن والمواطنين، ولم يقف وبال الهبوط الحاد عند ذلك، بل أدى إلى تعطيل السوق الأولية "الأهم" لسبب أو لآخر "اعتذار شركة العجلان مثلا" بسبب الخوف من عدم التغطية وللمحافظة على استقرار سوق الأسهم وتجنيبه المزيد من الانهيار إذا وجهنا السيولة للاكتتابات في حين تحتاج السوق الثانوية المزيد منها، وتعطيل الاكتتابات تكتيك آني تلجأ له هيئات الأسواق المالية, إضافة إلى مجموعة أخرى من التكتيكات للمحافظة على استقرار أسواق الأسهم بعد تعرضها لهزات قوية برغم تثبيطه لدور الأوراق المالية في الاقتصاد الوطني، وهذا مرفوض لإثارة السلبية على المديين المتوسط والبعيد.
هيئة السوق المالية وببراعة كبيرة استطاعت أن توازن بين المحافظة على استقرار السوق وأهمية تفعيل "لا تثبيط" دور الأوراق المالية في تنويع وتوسيع قاعدة الاقتصاد الكلي، فبعد أن تعطشت السوق السعودية للاكتتابات التي توقّفت لفترة تزيد على ثلاثة أشهر لإعادة الثقة للمتعاملين بالسوق المالية السعودية، عادت الهيئة بعد أن طرحت سندات "سابك" "وهي ورقة مالية تطرحها الهيئة لأول مرة"، عادت لتُطرح الاكتتابات بثوب جديد وفترات زمنية محدّدة ومتواترة، لتلعب الأوراق المالية دورها الحقيقي في تمويل تأسيس الشركات أو توسيع وتطوير أنشطتها، وهذا ما ننشده جميعيا، ونرجو لها أن تستمر به بهذه السياسة الذكية التي تأتي في سياق السياسات القاضية بتوسيع فرص الاستثمار التي أكد مجلس الوزراء على المضي قدما بها، ومن المؤكد إننا سننعم جميعا بنتائجها الإيجابية.