إطلالة على سوق المنتجات المكررة

<a href="mailto:[email protected]">asidahmed@hotmail.com</a>

بدأ الاهتمام يتنامى في ميدان سوق المنتجات المكررة، وهو ما تعبر عنه الاستثمارات المتزايدة في هذه الصناعة. وإذا كانت السوق تبرر مثل هذه الخطوة، فاللافت للنظر أن عددا كبيرا من المشاريع وباستثمارات ضخمة يتم من قبل الدول المنتجة نفسها، خاصة تلك الأعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك)، علما أن هذا ميدان كان ويفترض أن يكون على رأس مشغولية الدول المستهلكة نفسها من باب أنها معنية أكثر بهذه الجوانب خدمة لمواطنيها، كما أنها شكلت ولفترة طويلة ميدانا للعمل والاستثمار. فتوافر التقنية والرساميل والسوق الاستهلاكية كانت ولا تزال من العوامل الرئيسية الدافعة للاستثمار في هذا المجال.
وكما يلاحظ في التقرير الرئيسي المنشور في هذه الصفحة، فإن الدول الأعضاء في "أوبك" تخطط لأن تضيف في نهاية هذا العقد قرابة ستة ملايين برميل يوميا من المنتجات المكررة من خلال مشاريع إما قائمة يتم توسعتها وإما عبر مشاريع جديدة تجاوزت مرحلة التخطيط إلى التنفيذ.
الدول الأعضاء في "أوبك" التي تقتحم هذا المجال لا تقدم خدمة مجانية للمستهلكين، وإنما هي تخدم مصالحها كذلك في الحساب النهائي. فسوق المنتجات المكررة ظلت تعاني شعورين مضادين تجاهها: فهي من ناحية توافر عائدات ضئيلة إلى حد ما رغم قيمتها المضافة، وهذه أحد أسباب عدم حماس الشركات تجاهها، إلا أنها في الوقت نفسه تمثل صمام أمان إلى حد كبير من حالة التقلبات التي تصيب أسعار النفط الخام. ولهذا سعت دولة مثل السعودية، وهي منتج رئيسي للمواد المكررة مثلما هي البنك المركزي فيما يتعلق بالخام، إلى العمل على أن يكون نصف إنتاجها مكررا من خلال شبكة تسيطر عليها من خلال أذرعها التسويقية وعبر المصافي التي تملكها أو تشارك فيها.
"أوبك" ظلت طوال تاريخها معنية بالنفط الخام فقط: إمداداته وأسعاره، والتحكم في هذين من خلال سقف معين وحصص للدول الأعضاء. أما جبهة المنتجات المكررة فظلت شأنا خاصا بكل دولة عضو تخاطر فيه على مسؤوليتها بمفردها أو من خلال ترتيبات مع شركاء آخرين.
لكن وكما اتضح من تجربة الأعوام القليلة الماضية، فإن وضع الإمدادات الخاص بالمنتجات المكررة أصبح يؤثر في سعر الخام. فبسبب الضغط الذي تشهده طاقة التكرير خاصة في الولايات المتحدة، التي لم تشهد بناء مصفاة جديدة لنحو ثلاثة عقود من الزمان لأسباب تتعلق بالهواجس البيئية، فإن أسعار المواد المكررة أصبحت تسحب معها أسعار الخام، بدليل أن الجهود التي تبذل لضخ المزيد من إمدادات النفط الخام لم تؤثر في لجم صعود الأسعار إلى أعلى، وهو ما حاولت عمله إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون من خلال ضخ كميات من النفط الخام من الاحتياطي الاستراتيجي بهدف وقف ارتفاع الأسعار، وهي محاولة لم تنجح.
النقطة الثانية أن الدول المنتجة بقيادة "أوبك" بدخولها إلى ميدان إنتاج المشتقات إنما تسهم في تخفيف حالة الاختناق التي تعيشها السوق، وبالتالي دفع الأسعار إلى الارتخاء بعد أن وصلت إلى مراحل أصبحت تثير التساؤلات المتتالية عن تأثير الأسعار المرتفعة على مستقبل الطلب. فلـ "أوبك" تجارب ثرة في هذا الميدان، أنه مثلما ترتفع الأسعار فإنها في واقع الأمر تضع الأرضية الملائمة لحدوث تراجع سعري كبير يؤثر في مداخيلها.
لكن رغم ذلك فإن الدول المنتجة إنما تسهم في مقابلة بعض المهام التي كان يفترض أن تتولاها الدول المستهلكة وتقاعست عنها لأسباب بيئية أو خلافه. ومثلما تحملت الدول المنتجة، خاصة تلك الأعضاء في "أوبك"، عبء توفير طاقة إنتاجية فائضة يمكن اللجوء إليها وقت الحاجة برغم ما تمثله هذه الطاقة الفائضة والحفاظ عليها من عبء مالي كبير تستنكف الشركات الكبرى تحمله وبعضها عائداته المالية تتجاوز موازنات بلدان منتجة للنفط بأكملها.
يمكن القول إن هذه خيارات يقوم بها البعض عن قناعة اختيارا أو اضطرارا، لكن من ناحية أخرى فإن هذه منطقة يمكن أن تتلاقى فيها المصالح المشتركة للمنتجين والمستهلكين، وإذا كان الحديث عن حوار طرفي معادلة السوق يتركز حول النفط الخام، إمداداته وأسعاره، إلا أن جوانب أخرى مثل سوق المنتجات المكررة تظل تطل برأسها بصورة أو أخرى.
من الصعب الحديث عن قيام "أوبك" مثلا بتعديل ميثاقها بما يسمح لها بتناول قضايا المنتجات المكررة وجعلها مطروحة على طاولة الاجتماعات والمفاوضات، لكن في الوقت ذاته لا يمكن استبعادها كلية لما لها من تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة في أحيان كثيرة. وربما يكون من الأوفق استصحابها في أي حوار ولو من باب توفير المعلومات التي يمكن على هديها اتخاذ القرارات.
لكن كل هذا يحتاج بداية إلى وجود آلية لحوار المنتجين والمستهلكين التي تعمل بصورة مستمرة بدلا من اللقاءات المتقطعة للوزراء، ويمكنها وبمرور الزمن من تناول مختلف القضايا التي تؤثر في السوق ومن بينها المنتجات المكررة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي