سلاح النفط الإيراني: انتحار ينتظره الأمريكيون!
<a href="mailto:[email protected]">a@aalhajji.com</a>
يرى بعض الخبراء أن حكومة محمود أحمدي نجاد قد تقرر وقف صادرات النفط الإيراني تماماً أو تخفيضها رداً على عقوبات مجلس الأمن أو على غارة جوية أمريكية على منشآتها النووية. ويستشهد هؤلاء الخبراء بتصريحات المسؤولين الإيرانيين خلال الأشهر الخمسة الماضية, التي تضمنت تهديدات صريحة بوقف الإمدادات النفطية، كما يستشهدون بأن الحكومة الحالية تحاول العودة بإيران إلى الحقبة الخمينية عندما قرر الإمام آية الله خميني تخفيض الإنتاج الإيراني من ستة ملايين برميل يومياً قبل الثورة الإسلامية إلى 3.5 مليون برميل يومياً في فترة ما بعد الثورة حتى لا تؤدي زيادة الأموال إلى إفساد المجتمع. الواقع يشير إلى أنه ليس من صالح الحكومة الإيرانية، تحت أي ظروف، استخدام سلاح النفط. إن استخدام سلاح النفط سيكبد إيران خسائر فادحة وسيسبب لها مشاكل متعددة منها:
1- احتمال انهيار الحكومة بسبب توقف أو انخفاض إيرادات النفط.
إيران هي البلد الوحيد ضمن أكبر الدول المنتجة للنفط التي ما زالت تعاني عجزا كبيرا في موازنتها, الذي قد يصل إلى 12 مليار دولار. ويعود ذلك إلى برامج الإعانات التي تستهلك جزءاً كبيراً من الموازنة، خاصة إعانات المشتقات النفطية والمواد الرئيسة والإسكان. أجبر ارتفاع أسعار النفط الحكومة الإيرانية على سحب مبلغ 2.6 مليار دولار من صندق التوازن، وذلك لأنها رفضت رفع أسعار المحروقات لاقتناعها بأن ذلك سيؤدي إلى مظاهرات وقلاقل سياسية في جميع أنحاء البلاد. إن استخدام الحكومة الإيرانية أموال الصندوق في فترة الأسعار المرتفعة يشير إلى عمق المشاكل الاقتصادية في إيران ومدى الصعوبات التي تواجهها الحكومة في الوفاء بمتطلبات الشعب الإيراني، خاصة أن مستوى البطالة وصل إلى 14 في المائة، وتجاوز أكثر من 20 في المائة ضمن الشباب. فإذا كانت الحكومة تخاف من مظاهرات بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، فما الذي سيحدث لو توقفت صادرات النفط التي تمول 90 في المائة من الإنفاق الحكومي؟ لذلك فإنه ليس من صالح الحكومة الإيرانية وقف صادرات النفط حتى لساعة واحدة.
2- انخفاض إنتاج النفط الإيراني بسبب انسحاب رأس المال الأجنبي.
إذا قامت إيران بتخفيض صادراتها النفطية فإن إنتاجها المستقبلي سينخفض بسبب تخفيض شركات النفط العالمية العاملة في إيران استثماراتها من جهة، وعزوف الشركات الأخرى عن الاستثمار في المشاريع الإيرانية الجديدة. فكيف يمكن للشركات الأجنبية العاملة في إيران أن تسترجع رأسمالها أو تحقق أرباحاً إذا منعت من الإنتاج والتصدير؟ الواقع الإيراني صعب للغاية: الحكومة موجودة بسبب الدعم الشعبي، الشعب يعتمد على الإعانات الحكومية، الإعانات الحكومية تمولها عوائد صادرات النفط، استمرار العوائد يتطلب استمرار إنتاج النفط، لكن معدلات النضوب في الحقول الإيرانية عالية، الأمر الذي يخفض الإنتاج باستمرار. لذلك فإن إيران بحاجة ماسة إلى الاستثمار الأجنبي، ليس لزيادة الطاقة الإنتاجية فحسب، وإنما لمنع الإنتاج الإيراني من الانخفاض. إن هذه المشكلة هي التي دفعت الحكومة الإيرانية إلى توقيع عقود نفطية بمليارات الدولارات مع عدة شركات عالمية.
تشير بعض التقارير إلى أن إيران بحاجة إلى استثمار مليار دولار سنوياً لمنع إنتاج إيران من الانخفاض، وأكثر من 1.5 مليار سنوياً لزيادة طاقتها الإنتاجية. إن الاستثمار الأجنبي في إيران هو أحد الأسباب الرئيسة لاستقرار الحكم في إيران. من هذا المنطلق قررت الحكومة الإيرانية في خطتها الخمسية استثمار 70 مليار دولار في القطاع النفطي على أن يغطي الاستثمار الأجنبي 60 في المائة منها. كيف يمكن لإيران أن تجذب هذه الأموال الهائلة إذا قررت تخفيض الإنتاج أو وقفه؟ إذا قامت إيران بتخفيض الإنتاج، ما الشركات الأكثر تضرراً في هذه الحالة؟ هل ترغب إيران فعلاً في إيذاء الشركات الصينية والروسية، والصين وروسيا عضوتان في مجلس الأمن؟
3- خسارة زبائنها المخلصين
تعلمت إيران درساً قاسياً في الخمسينيات بعد تأميم محمد مصدق صناعة النفط في إيران وطرد البريطانيين منها. فقد تم التأميم دون تجهيز كادر إيراني ليحل محل العمال البريطانيين، ودون تملك إيران ناقلات النفط اللازمة لنقل النفط الإيراني إلى الأسواق. نتج عن ذلك وقف صادرات النفط الإيرانية تماماً وخسارة إيران زبائنها. ولما عاودت إيران التصدير، وجدت أن زبائنها قد وقعوا عقوداً طويلة الأجل مع دول أخرى. حاولت حكومات الثورة الإسلامية المتعاقبة خلال الـ 27 سنة الماضية إقناع الدول الأوروبية والآسيوية بأنها شريك نفطي آمن ومستقر يمكنهم الاعتماد عليه، فهل تقوم الحكومة الحالية بالتضحية بكل هذه الجهود وبمستقبل النفط الإيراني عن طريق استخدام النفط سلاحا؟
4- تحسن وضع الدول العربية المجاورة على حسابها
رغم تحسن العلاقات الدبلوماسية بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي في السنوات الأخيرة، إلا أن الواقع يشير إلى أن آخر ما ترغبه إيران هو تحسن الأوضاع الاقتصادية والسياسية والعسكرية في هذه الدول على حسابها. فإذا قامت إيران بتخفيض الإنتاج أو وقفه فإن دول الخليج ستستفيد بشكل كبير من ارتفاع الأسعار وزيادة الإنتاج. في الوقت نفسه ستظهر هذه الدول بأنه يمكن الاعتماد عليها وقت الأزمات كمصدر مهم للنفط. إضافة إلى ذلك فإن الزيادة الكبيرة في إيرادات هذه الدول من جراء تخفيض إيران صادراتها ستمكن هذه الدول من شراء أسلحة متقدمة، الأمر الذي يتنافى مع المصالح الإيرانية.
5- خسارة دعم الدول النامية
تحظى إيران، بشكل مباشر أو غير مباشر، بدعم الدول النامية بشأن برنامحها النووي، خاصة أنها تظهر بمظهر الضحية، مثلها مثل بقية الدول النامية. فإذا قامت إيران بتخفيض صادرات النفط فإن هذا سيرفع أسعار النفط بشكل يؤثر سلبياً في اقتصادات هذه الدول، الأمر الذي سيجعل هذه الدول تقف ضد إيران، خاصة أن إيران ليس لديها الموارد المالية لتعويض هذه الدول عن خسائرها من جراء ارتفاع أسعار النفط. إذا أضفنا إلى ذلك أثر الإعلام الأمريكي والمعونات الأمريكية لبعض هذه الدول فإننا سنجد أن إيران ستظهر بمظهر العدو بسبب استخدام سلاح النفط، مع أنها كانت تحظى بعطف هذه الدول قبل استخدامه.
6 ـ المعاناة من أزمة طاقة خانقة
على الرغم من أن إيران من أكبر مصدري النفط الخام في العالم إلا أنها تعاني شحا كبيرا في المشتقات النفطية. نظرا لخطورة الأمر فإن بعض الخبراء الإيرانيين يطلقون على مشكلة البنزين "القنبلة الموقوتة". لتغطية هذا العجز تقوم الحكومة الإيرانية باستيراد كميات لا بأس بها من المنتجات النفطية، بما في ذلك خمسة ملايين برميل من البنزين شهرياً، إضافة إلى كميات من الغاز الطبيعي من دول وسط آسيا، خاصة تركمانستان، وتدفع ثمنها وفقاً للسعر العالمي ثم تبيعها للإيرانيين بأسعار مخفضة. إذا قامت إيران بتخفيض صادراتها النفطية انتقاماً لفرض مجلس الأمن عقوبات عليها، أو رداً على غارة جوية، فإن الدول الأخرى ستعاملها بالمثل وستتوقف عن تصدير المشتقات النفطية والغاز إلى إيران، الأمر الذي سيؤدي إلى أزمة طاقة لا تحمد عقباها. حتى لو لم تقم الدول الأخرى بوقف صادرات المشتقات النفطية إلى إيران، فإن الحكومة الإيرانية قد تعجز عن شراء هذه المشتقات بسبب انخفاض الإيرادات الحكومية في الوقت الذي سترتفع فيه أسعار هذه المشتقات بشكل كبير.
7 ـ انهيار سوق النفط المستقبلية في إيران
قررت إيران افتتاح سوق نفط مستقبلية باليورو. إن نجاح هذه السوق يعتمد اعتماداً كلياً على استمرار الصادرات الإيرانية من جهة، واستمرار هذه الصادرات في النمو من جهة أخرى. إن أي تخفيض أو وقف للإنتاج سينهيان التعامل في هذه السوق، الأمر الذي سيكبد إيران خسائر مالية كبيرة، كما أنه يعتبر هزيمة سياسية للحكومة الحالية. لذلك فإن أي تخفيض للإنتاج ليس في صالح الحكومة الحالية.
8 ـ انهيار مشروع أنبوب الغاز إلى الباكستان والهند
قامت الحكومة الإيرانية الحالية بتسريع عمليات المفاوضات بينها وبين الهند وباكستان بشأن أنبوب الغاز الممتد من إيران إلى هاتين الدولتين لما لهذا المشروع من منافع اقتصادية وسياسية للحكم الحالي. فالمشروع سيضمن سوقاً متنامية للغاز الإيراني، وسيضمن مليارات الدولارات سنوياً للحكومة، وسيعزز قدرة إيران التفاوضية، سواء في المجالات السياسية أو الاقتصادية. حاولت الولايات المتحدة الضغط على الهند لوقف المشروع لكن محاولاتها باءت بالفشل بسبب حاجة الهند الماسة إلى الغاز. أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش خلال زيارته الأخيرة للهند، وبشكل مفاجئ، أن الولايات المتحدة لن تعارض هذا المشروع. المشكلة الحقيقية التي تواجه المشروع لا تتمثل في المعارضة الأمريكية، ولكن في مدى مصداقية الحكومة الإيرانية في التعامل مع شركائها. إن تخفيض الصادرات النفطية أو وقفها سيجعل كلا من الباكستان والهند تصرفان النظر عن المشروع، كما أن انخفاض الإيرادات النفطية لن يمكن الحكومة الإيرانية من تمويل الجزء الخاص بها من هذا المشروع.
9 ـ أثر التخفيض بسيط ولكن يغير من مواقف الدول الأخرى
لن يؤثر تخفيض صادرات النفط الإيرانية في أسواق النفط بشكل كبير (وهو ما ستتم مناقشته بالتفصيل في المقال المقبل). فإذا أوقفت إيران كل صادراتها البالغة 2.5 مليون برميل يومياً، فإن الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية تستطيع استخراج مليوني برميل يومياً من احتياطيها الاستراتيجي ولعدة أشهر، كما أن المخزونات التجارية وحدها كافية لتغطية العجز في أسواق النفط العالمية لفترة تتجاوز ثلاثة أشهر. وفي الفترة نفسها ستتمكن دول "أوبك" من إضافة نحو مليون برميل يومياً، هذا يعني إضافة أكثر من ثلاثة ملايين برميل يومياً في الوقت الذي يبلغ فيه الانخفاض 2.5 مليون برميل يومياً فقط. الولايات المتحدة لن تتأثر مباشرة لأنها لا تستورد أي نفط إيراني. كل ما في الأمر أنها ستعاني ارتفاعا في أسعار النفط. لكن الولايات المتحدة قد تستخدم الاحتياطي الاستراتيجي لتخفيض الأسعار. هذا الاحتياطي يغطي وحده كل الصادرات الإيرانية لمدة تسعة أشهر. اعتماد إيران على صادرات النفط أكبر بكثير من اعتماد أي دولة في العالم على واردات النفط الإيرانية، لذلك فإن الدول الأوروبية والولايات المتحدة تستطيع العيش دون النفط الإيراني، ولكن هل تستطيع الحكومة الإيرانية البقاء أسبوعاً واحداً دون صادرات نفطية؟
إن المسوغات السابقة لعدم استخدام النفط سلاحا لا يعني أن إيران لن تستخدمه. فاحتمال استخدامه وارد، خاصة إذا كان القرار عاطفياً أو يهدف إلى تحقيق أهداف قصيرة المدى. في كثير من الأحيان، المنطق آخر ما يفكر به السياسيون. فتخفيض الإمام الخميني الإنتاج الإيراني في فترة ما بعد الثورة لم يكن منطقيا من الناحية السياسية والاقتصادية، ومع ذلك تم تخفيض الإنتاج. احتلال الولايات المتحدة العراق لا يدعمه أي منطق، ومع ذلك قامت الولايات المتحدة باحتلال العراق. خلاصة الأمر أن استخدام إيران سلاح النفط سيرتد عليها، وقد يؤدي إلى سقوط الحكومة في النهاية. لذلك فإن استخدام إيران سلاح النفط عملية انتحارية سيرحب بها الأمريكيون!