رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


حوكمة الشركات بين الطواعية والنظام..

كاتب اقتصادي
<p><a href="mailto:[email protected]">Abdalaziz3000@hotmail.com</a></p>

اكتسبت قضية الحوكمة أهمية كبيرة منذ انفجار الأزمة المالية الآسيوية، فضلاً عن سلسلة اكتشافات تلاعب الشركات في قوائمها المالية مثل فضيحة شركة انرون، وشركة بارملات، وشركة ورلد كوم، مما جعلها تمثل إحدى أهم القضايا التي استحوذت علي اهتمام المؤسسات التنظيمية العامة والمهنية والخاصة إضافة للأكاديميين والممارسين للأعمال التجارية بكافة أنواعها، ورغم التباين الكبير في درجة الاهتمام بين الدول المتقدمة والنامية، إلا أنه يمكننا القول إن بعض الدول النامية أبدت اهتماما مناسبا بهذا المفهوم الجديد، ونحن في المملكة بدأنا نعطي هذا الموضوع اهتماما بالغا خاصة بعد انضمامنا لمنظمة التجارة العالمية.
والحوكمة كمفهوم تعني ببساطة وضع مجموعة من التنظيمات والتطبيقات التي تهدف في النهاية إلى فرض نظام رقابي على الشركات من أجل الإفصاح السليم "وليس الإفصاح المبالغ فيه" والشفافية العالية بما يخدم مساهمي الشركة والمتعاملين معها وأصحاب المصالح منعا لتفرد أو تلاعب أعضاء مجلس الإدارة بالشركة، وباختصار فإن الحوكمة تهدف أن تكون الشركة من الوضوح والشفافية بالنسبة للمساهمين والمتعاملين معها كما هي بالنسبة لأعضاء مجلس الإدارة، لكي يستطيعوا بناء قراراتهم على بينة.
وكما أن الحوكمة تمنع أعضاء مجلس الإدارة من التفرد والتلاعب، وهذا ما يرفضه الكثير منهم لسبب أو لآخر، فإنها على الجانب الآخر تقدم لهم طبقا من النتائج الإيجابية المباشرة وغير المباشرة، ومن الآثار المباشرة على الشركة للحوكمة الجيدة تمكنها من أن تعلب دوراً فعالاً في مجالات الإصلاح المالي والإداري للشركة، وزيادة ثقة المستثمرين والممولين في قوائمها المالية وما يترتب على ذلك من الحصول على تمويل أرخص، ومن الآثار غير المباشرة للحوكمة الجيدة تنشيط الاستثمار الوطني وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية والمساعدة على الحد من هروب رؤوس الأموال الذي نعاني منه حاليا، كما تدعم الجهاز المصرفي وتزيد قدراته، وتفعل سوق الأوراق المالية، وتدفع عجلة التنمية الاقتصادية بقوة.
وإذا كان النظام يجبر الشركات على تحقيق شروط ومتطلبات الحوكمة الجيدة، فإن النتائج الإيجابية تحفز الشركات على اللجوء للحوكمة الجيدة طواعية وليس خوفا أو امتثالا للنظام، وهذا بطبيعة الحال أفضل بكثير فمن يعمل بقناعاته كمؤثر داخلي يحقق نتائج إيجابية أكثر ممن يعمل تحت تأثير الخوف من النظام كمؤثر خارجي، وشتان بين المؤثر الداخلي الذي يشكل قوة دافعة، والمؤثر الخارجي الذي يشكل قوة رادعة.
والوضع الطبيعي في تطبيق أي نظام يقول إن الغالبية تحترم وتطبق النظام طواعية ليقينها بنتائجه الإيجابية، وأن القلة القليلة هي من تخالف النظام لحاجة في نفسها، وأن النظام لها بالمرصاد، ولكي أؤكد لكم هذه الحقيقة تخيلوا معي حركة المرور فنحن نلتزم باحترام نظام المرور طواعية لمعرفتنا بالنتائج الإيجابية لذلك، والقليل القليل هو من يخالف فيرصده النظام ويوقفه عند حده، ولو أن العكس هو الصحيح لما استطاع النظام ضبط الحركة ولأصبح الخطر يدهمنا من كل مكان.
إذن الوضع الصحي والمطلوب هو أن تطبق الشركات نظام الحوكمة طواعية لما ستنعم به من نتائج إيجابية، ونعني بالشركات هنا أعضاء مجالس الإدارات وهم من يسيطرون عمليا على هذه الشركات، ويخشى الجميع أن يوظفوها لتحقيق مصالحهم على حساب مصالح المساهمين والاقتصاد الوطني، ومن لا يعمل طواعية لطمع في نفسه ونقص في عقله فإن النظام به كفيل ليردعه ويردع أمثاله من أن يظلم نفسه ويظلم الآخرين معه.
وإذا كانت النتائج الإيجابية دافعا لأعضاء مجالس الإدارات لتطبيق نظام الحوكمة في الدول الغربية، فإن ما وعدنا به رب العزة والجلالة بالنعيم الذي لا ينفد في الآخرة وبطيب العيش في الدنيا إذا تعاملنا مع الآخرين بالأخلاق الإسلامية السامية ( الأمانة، الصدق، الإخلاص، العدل، المساواة، الوفاء بالوعود والعهود.. إلخ) لهو حافز إضافي إن لم يكن رئيسيا لدينا معاشر المسلمين لتطبيق مفاهيم وقيم الإدارة الأخلاقية التي ينادي بها الغرب اليوم بعد أن نضج فكريا نتيجة التجربة والخطأ.
وختاما أوجه خطابي لأعضاء مجالس إدارات الشركات المدرجة والمرتقب إدراجها لأقول لهم لم يخلد التاريخ صاحب مال دون أخلاق إلا قارون، وأظنكم لا ترغبون بهذا النوع من التخليد، لكنه بالتأكيد خلد الكثير من الأثرياء أصحاب القيم الأخلاقية وبلادنا ولله الحمد تغص بهم ولا مجال لذكرهم حتى لا نذكر أحدا ونسى الآخر، لكنني سأذكر شخصية عالمية أخلاقية سيخلدها التاريخ وهو بيل جيتس الذي غطى صيته الأخلاقي - بدعمه للمناشط الخيرية ذات الطابع الإنساني - على صيته التجاري، وكلي أمل بأن تطغى الإدارة الأخلاقية في بلادنا على حساب اللا أخلاقية وأبناء بلدي جدراء بذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي