البنك الدولي: السعودية تقود طفرة النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط
أكد البنك الدولي أن دول مجلس التعاون شهدت نمواً استثنائيا على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، حيث إن متوسط معدلات النمو الاقتصادي في هذه المنطقة خلال الفترة من 2003 إلى 2005 تجاوز 5.6 في المائة سنويا، وهو الأعلى في السنوات العشر الأخيرة، متخطياً بقوة متوسط النمو السنوي البالغ 3.6 في المائة، والذي استمر طيلة تسعينيات القرن العشرين.
وصاحب هذا الأداء القوي في معدلات النمو انخفاض في معدلات البطالة التي تعد تحدياً خطيراً يواجه عملية التنمية في كل اقتصاد في هذه المنطقة. وتشير التقديرات إلى أن معدل البطالة انخفض من نحو 14.9 في المائة من قوة العمل في 2000 إلى 13.4 في المائة حالياً، ويعزى ذلك إلى الزيادة البالغة 37 في المائة في معدل خلق فرص العمل مقارنة بمعدل تسعينيات القرن الماضي. وتعتبر منطقة الخليج والشرق الأوسط منطقة ازدهار اقتصادي في الوقت الحاضر. وأبان تقرير للبنك الدولي حول التحديات التي تواجه الإدارة الاقتصادية للعائدات النفطية أن هناك مجموعة من المحاذير تهدد تسارع خطى النمو في منطقة الخليج والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، موضحا أحد هذه المحاذير يكمن في أن النمو لم يكن عريض القاعدة، وأنه بمقارنة النمو على مدار فترة تسعينيات القرن العشرين بالنمو المتحقق على مدار العامين الماضيين، نجد أن 97 في المائة من طفرة النمو في هذه المنطقة تأتي من أربع دول فقط، هي: السعودية، إيران، الجزائر، والإمارات. وفي واقع الأمر، شهد نحو نصف دول هذه المنطقة بالفعل انخفاضا في معدلات النمو مقارنة بفترة التسعينيات.
أما الطفرة الكبيرة في أسعار النفط، والتراكم السريع للأصول المالية للدول المنتجة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فتستحضر من جوانب عديدة ذكريات الفترات التي ازدهرت فيها أسعار النفط في السبعينيات والثمانينيات. ومع هذه الذكريات تلوح في الأفق تساؤلات حول طبيعة تداعيات الطفرة الحالية في أسعار النفط ولا سيما فيما يتعلق بما إذا كانت الطريقة التي أديرت بها هذه الإيرادات قد تغيرت عن فترات الازدهار السابقة، أو إذا ما كانت الإيرادات الحالية غير المتوقعة ستؤدي إلى إبطاء عملية الإصلاح.
ورغم أن إنفاق المالية العام ارتفع بشكل واضح مع ارتفاع عائدات النفط داعماً بذلك طفرة النمو غير العادية، فإن هناك شواهد في ضوء تحقيق فوائض كبيرة في المالية العامة والحساب الخارجي على اعتماد الدول المصدرة للنفط موقفاً متحفظاً فيما يخص الإنفاق، مقارنة بفترات ازدهار أخرى.
ووفقا للتقرير، تشير مقارنة صافي التغيرات في إيرادات صادرات النفط بصافي التغيرات في ميزان الحساب الجاري بشكل أوضح إلى ما تم ادخاره من هذه الإيرادات غير المتوقعة وما تم إنفاقه. وخلال فترة الازدهار الحالية، لم يزد حجم الإنفاق من إيرادات الصادرات الإضافية على 25 في المائة، مقابل نحو 60 في المائة مما تم إنفاقه في فترة الازدهار التي بدأت عام 1973.
وإضافة إلى وجود تقدم أضعف نسبياً في الإنفاق، كان هناك انخفاض في التزامات الديون الخارجية بشكل عام خلال فترة ازدهار إيرادات النفط الحالية، كذلك حدوث تراكم ملحوظ في احتياطيات النقد الأجنبي الذي يمكن أن يشكل حماية للحساب الخارجي، إذا ما انخفضت إيرادات النفط بشكل سريع وغير متوقع. ويمكن أيضاً أن يساعد المخزون الاحتياطي في تحصين الدول المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا جزئياً ضد الاضطرابات التي يمكن أن تنجم عن اعتماد الاقتصاد على سلعة واحدة. وحتى الآن، يعتبر نمو الصادرات غير النفطية مزدهراً، حتى أنه تجاوز نمو الصادرات النفطية خلال السنوات الثلاث الأخيرة. كما أن الآثار المفيدة الناتجة عن انخفاض قيمة الدولار الذي ترتبط به أسعار صرف عملات العديد من الدول المصدرة للنفط ساعدت في تحسين القدرة التنافسية لقطاع الصادرات غير النفطية.
ويعكس الموقف الأكثر متحفظاً تجاه الإنفاق بشكل جزئي حقيقة أن المواقف الأولى للدول المنتجة للنفط تغيرت تغيراً جوهرياً، إذ استرشدت هذه الدول بعدة طرق بتجاربها المتعلقة بالأعباء التي نجمت عن الإنفاق في فترات الازدهار السابقة، وذلك في توجيه الإنفاق الجاري حالياً. وتعكس درجة التحفظ الكبيرة إلى حد ما تغيراً في طريقة التفكير مقارنة بالعقود الماضية من السنين فيما يتعلق بتوجيه الاقتصاد. ففي كل اقتصاد منتج للنفط في هذه المنطقة تقريباً، ظهرت تحديات مهمة تخص خلق فرص عمل جديدة، ومع هذه التحديات ظهر إدراك واسع الانتشار بأن مصدري النفط يحتاجون إلى اعتماد مصادر بديلة لتحقيق النمو وإيجاد فرص عمل جديدة. وعلى الأقل من الناحية النظرية، تساند جميع اقتصادات الدول المنتجة للنفط عملية الإصلاح. وفي الوقت نفسه، مازال النفط يشكل حاجزاً قويا أمام الشروع في إصلاحات اقتصادية جوهرية، ويتبين ذلك جزئيا من خلال الزيادة الحالية في برامج التوظيف المؤقتة في القطاع العام.
ورغم تعزيز آفاق النمو بالنسبة للعقد الماضي من السنين، فإن معدلات النمو المتوقعة حالياً لا تزال غير كافية للتعامل مع التحديات الكبرى للتنمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بطريقة جذرية، وذلك فيما يتعلق بإيجاد فرص عمل جديدة. وستكون هناك حاجة إلى ما يقرب من 100 مليون فرصة عمل جديدة خلال الـ 20 عاماً المقبلة، لمواكبة حركة الداخلين الجدد إلى قوة العمل واستيعاب أعداد العاطلين عن العمل في الوقت الحاضر. ويعني هذا أن عدد فرص العمل الجديدة في هذه المنطقة يجب أن يضاعف خلال هذه الفترة، وهذا سيتطلب معدلات نمو اقتصادي حقيقية تراوح في المتوسط بين 6 و7 في المائة سنوياً على مدى فترة زمنية متصلة وهو ما يقارب ضعف معدل النمو الاقتصادي الذي شهدته المنطقة خلال التسعينيات، ويمثل أيضاً زيادة بنسبة 25 في المائة عن معدل النمو الاستثنائي الذي تحقق العام الماضي.
ويخلص التقرير إلى أنه حتى يتسنى للمنطقة مواجهة هذا التحدي الخطير، فإن الدول بحاجة إلى التحول إلى نموذج اقتصادي يمكنها من تنمية إمكانياتها المتعلقة بتحقيق نمو يوجد فرص عمل جديدة بشكل ملموس. وستتطلب أسس هذا التحول الهيكلي ثلاثة تغيرات تنظيمية جذرية ومرتبطة ببعضها، هي: أولا التحول من اقتصادات منغلقة إلى أخرى أكثر انفتاحا، لتوفير صناعات أكثر قدرة على المنافسة، نشر أفضل ممارسات العمل الدولية، والحصول على التكنولوجيا الجديدة، وثانيا التحول من اقتصادات يهيمن عليها القطاع العام إلى اقتصادات يقودها القطاع الخاص، ما يمهد لوضع أسس لتحسين الكفاءة وتوسيع نطاق العمالة، وثالثا التحول من اقتصادات يسيطر عليها النفط إلى أخرى أكثر تنوعاً، من أجل تقليل اعتماد هذه المنطقة على مصادر النمو المتقلبة، والحفاظ على استقرار أوضاع المالية العامة، وعدم المساس بالإنفاق الاجتماعي. ويتطلب تحقيق هذا التصويب اتخاذ إجراءات مترابطة تتعلق بالسياسات على عدة جبهات، بحيث تشمل تحسين نظام الإدارة العامة، وبالتحديد فيما يخص تدعيم الاشتمال والمساءلة، كذلك تعزيز مشاركة النساء في العمل في القطاع الخاص، من أجل زيادة مرونة قوة العمل واستغلال الكوادر الموهوبة في هذه المنطقة على النحو الأمثل.
ويربط التقرير تأثير هذه الإصلاحات على إنتاجية العامل، حيث تبلغ التقديرات المتحفظة للزيادة في نمو الإنتاج لكل عامل، نتيجة للإجراءات التي يتم اتخاذها على جميع الجبهات، ما بين 2.5 في المائة و 3.5 في المائة سنوياً. ويعد ذلك تعزيزاً كبيراً بالنسبة إلى معدل إنتاجية العامل، خصوصا عند الأخذ في الاعتبار أنه وعلى مدار التسعينيات من القرن الماضي، بلغ متوسط نمو معدل إنتاجية العامل في هذه المنطقة أقل من 1 في المائة سنوياً.