تكريم القضاة (2 – 2)
إن ما اشتكى منه معالي وزير العدل عند اجتماعه الأخير برجال الأعمال في بيت التجارة في جدة من قلة الطلبة الذين يلتحقون بدراسة القضاء مرجعها في الأساس أن الطلبة يعلمون أنه كان يميز ضدهم عرقيا، وإن قبلوا في الدراسة، فإنهم لن يعيّنوا كقضاة، لسياسة غير مكتوبة في عدم تعيين قضاة إلا من مناطق معينة أو جامعة واحدة إلا ما ندر، لذلك لم يجد معاليه اليوم من يتقدم إلى الوظائف الشاغرة. ولقد وضح معاليه أنه مستعد لتعيين أي مؤهل، فحمدا لله، ويجب أن يعلن معاليه ذلك ويضعه كسياسة مكتوبة للوزارة ليعرف الجميع ذلك ويطبق على أرض الواقع كسياسة مستديمة، لأنه إذا كنت مسؤولا في مركز يعين القضاة أو من يلتحق بدراسة القضاء وعندك تمييز أو تفضيل، فمن باب أولى ينبغي أن تعزل من الوظيفة لأنك فقدت شرط العدالة والثقة التي يجب أن تكون عند كل قاض ومسؤول. قال تعالى: "يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله، إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب". (سورة ص 26 ).
علينا أيضا تمييز القضاة والتشديد عليهم وعلى سلوكهم الخاص والعام، لأنهم يحكمون في القضايا، لذلك يجب أن يكونوا فوق عادات العامة. ونريد رفع هيبة القضاة، ومن يعمل معهم ورفع رواتب العاملين معهم بسلم مختلف عن سلم المساوين لهم في المرتبة من موظفي الدولة.
ينبغي أن يُكفى القاضي من جميع حوائجه حتى لا يحتاج إلى نزول الأسواق ومخالطة الناس فيها، فتقل هيبته بينهم أو يتزلفون إليه أو يشاركونه في أعمالهم. وعندما أقول يُكفى القاضي من جميع حوائجه أقصد أن يكون هناك سلم رواتب خاص بهم حسب درجاتهم يختلف عما في الوزارات الأخرى، ولو بلغ الضعف، وأن يخصص له من يتسوق له، وأن يعالج هو وعائلته وكل من يكفله شرعا على حساب الدولة في المستشفيات العامة والعسكرية ومستشفيات الحرس الوطني والتخصصي، وإن رغب أيضا في المستشفيات الخاصة على حساب الدولة دون أن يطلب إذنا مسبقا من أي شخص. وأن يعطى دارا حسب درجته، وإن كان أعزب فليكتسب زوجة وإن احتاج إلى خادم وسائق وخادمة فيوفر له ذلك وكل ما لا بد منه من غير إسراف، وأكرر يعطى ولا يطْلب, أي لا ينقص من هيبته وتحفظ كرامته. كيف نطلب من القاضي كذا وكذا وأن يكون نزيها وعادلا وعالما، وننسى أنه بشر لديه طموح ومسؤولية لعائلته، ينبغي أن يخصص للقاضي مكافآت محددة عند تزويج ابنه أو ابنته دون طلب، وله الحق في إلحاق أبنائه في مدارس خاصة على حساب الوزارة أيضا دون طلب. كما ينبغي ألا يسمح للقاضي بعد تقاعده بالعمل لدى الغير أو لحسابه في مكاتب الاستشارات والمحاماة حتى يحفظ هيبته وهيبة من يعملون بعده، ويزود بما يكفيه من متطلبات وخدمات طوال حياته. الحمد لله أن المجتمع يحترم القضاة وكذلك ولاة الأمر, ولكن هذا لا يكفي، بل يجب رفع هيبتهم بتحقيق رغباتهم وحاجاتهم دون التماس، ويخصص للقضاة مكاتب خاصة يوظف فيها من يقوم بأداء معاملاتهم من استقدام وبلديات وخلافه دون ذهابهم إلى أي جهة حكومية. ينبغي أيضا تهيئة الخدمات المطلوبة لكل قاض من إداريين وأجهزة ومستشارين وخلافهم. عندما تتبنى الدولة هذه الاقتراحات سريعا، فسنجد أن أفضل الشباب السعوديين سيتنافسون على الالتحاق بالسلك القضائي، ولذلك ينبغي التشديد على مَن يلتحق بهذا السلك. كذلك ينبغي تحديث معلومات القاضي بعد التخرج والممارسة، وذلك من خلال أخذ دورات متخصصة ودورية، ولا سيما في الأنظمة المعدلة ولا يعفى منها أحد مهما كان منصبه. ولا يُرقّى أي قاض إلا باجتياز اختبارات الترقية وتكون هذه الاختبارات على الأنظمة المحدثة والمعلومات الحديثة العامة وفي الاختصاص حسب الدائرة.
وأتساءل لماذا لا تفكر الوزارة في أخذ رسوم أتعاب للمحكمة تحدد حسب أنواع القضايا؟ لماذا يأخذ المدعي والمحامي الملايين دون دفع أتعاب للمحكمة؟
وفي الختام لا فائدة من حكم قضائي لا ينفذ، سواء من جهة حكومية أو فرد. ما فائدة حكم يعلق على الحائط أو (نبلّه ونشرب ماءه)؟ وكما اقترح الأستاذ محمد صلاح الدين، في صحيفة " المدينة " يجب أن تكون هناك في المحاكم دائرة متخصصة لتنفيذ الأحكام ومتابعة التنفيذ، يتقدم إليها الطرف المعني ويدفع رسوما معينة فتقوم الدائرة بإنذار المحكوم ضده بضرورة التنفيذ خلال مدة محددة، فإذا لم يتجاوب صدرت الأوامر بتجميد حساباته في البنوك وغير ذلك من الإجراءات بما في ذلك الحجز على ممتلكاته وبيعها، دون أن يكلف الشاكي بإحضار الخصم أو ملاحقته أو مراجعة الشرطة أو غيرها من أجهزة التنفيذ. كذلك أقترح تطبيق ذلك على أجهزة الدولة، لأنه لا فائدة من تعليق نفاذ أحكام ديوان المظالم دون نفاذ فوري. لذلك ينبغي أن يخصص قاضي تنفيذ لمتابعة تنفيذ أحكام الديوان.
بارك الله في قضاتنا وأعان معاليه على تحقيق ما يصبو إليه المجتمع حكاما ومحكومين.