رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


من يطفئ ثورة الشك في سوق الأسهم؟

<p><a href="mailto:[email protected]">Abdalaziz3000@hotmail.com</a></p>
كاتب اقتصادي

أَكَادُ أَشُكُّ في نَفْسِي لأَنِّي *** أَكَادُ أَشُكُّ فيكَ وأَنْتَ مِنِّي
هذا البيت الرائع الذي استهل به الأمير عبد الله الفيصل قصيدته الشهيرة ثورة الشك التي تغنت بها كوكب الشرق، لا أعلم لماذا قفز إلى ذهني وأنا أستعرض ذهنيا أسباب انهيار شباط (فبراير) وما تبعه من عودة سريعة لأسهم الخشاش إلى أسعار غير منطقية رغم كل التحذيرات، وفي ظني أن عقلي الباطن بعد تحليله لجميع المعلومات التي في ذهني استدعى هذا البيت ليرسله لعقلي الظاهر كشعار لما يجول في خاطري.
لماذا يكرر عقلي الباطن هذا البيت مرارا وتكرارا؟ هل هو بسبب الصعود غير المبرر والجنوني لأسهم الخسائر (الخشاش) بعد شهرين ونصف من الهبوط الحاد؟ هذا الصعود الذي أحبط المحللين والكتاب العقلانيين وأرجعهم إلى الصفوف الخلفية في مواجهة مطلقي وناقلي التوصيات والإشاعات وأمام المحللين الخضر والمطبلين، أم أن ذلك بسبب مخالفة المتعاملين بسوق الأسهم بكافة أنواعهم (هوامير، صناديق، صغار المضاربين، مستثمرين، بنوك ..إلخ ) للتوقعات التي تقول إنهم سيستفيدون من هذه التجربة المريرة التي لا بد أنها أصحت كل غافل من غفلته ليعود من عالم الأحلام الوردية إلى الواقع بمرارته، ليكونوا أكثر عقلانية في قراراتهم الاستثمارية في سوق الأسهم.
أبدا ليس ذلك على الإطلاق، خاصة إذا عرفنا أن السبب الرئيسي في ثورة الشك كما يشير مطلع القصيدة هو الشك بمن لا يجب أن نفكر بالشك فيه لأنه إذا شككنا فيه فكأنما نشك في أنفسنا، نعم فهناك من الأفراد والمؤسسات ما إذا شككنا بأنهم شاركوا أو أسهموا في انهيار شباط (فبراير) وما تبعه من ارتفاعات كبيرة في أسهم خاسرة وبعلمهم لتحقيق منافع لهم أو بتقاعسهم لسبب أو لآخر، أقول إذا شككنا فيهم بعمل ذلك فكأنما نشك في أنفسنا.
إذن أنا وغيري من العقلانيين أصبحنا نشك في أفراد ومؤسسات خاصة وعامة كنا نجزم بأنها تعمل بعقلانية تؤصل لسوق مالية ناضجة، ذلك لأننا لم ننجح في توقع مسيرة سوق الأسهم بعد الانهيار وخسرنا معركة تعزيز مستوى نضوج سوق الأسهم السعودية على أرض الواقع، رغم توقعنا بأن النجاح سيكون حليفنا بمساعدة القوى المؤثرة في السوق من متعاملين وجهات تنظيمية ورقابية، خاصة إذ أخذنا في الحسبان التجربة المريرة التي مر بها المتعاملون في السوق مما سيجعلهم أكثر قدرة على تقبل الخطاب العقلاني.
لكن ذلك لم يكن، ورأينا حليمة تعود لعادتها القديمة "إشاعات، توصيات، ارتفاعات نسب في أسهم خاسرة"، عودة حيرت المحللين وضربت التحليل العلمي في مقتل، لماذا؟ ومن الذي يدعم التحرك بهذا الاتجاه ذي الأخطار المركبة؟ من يريد أن نفقد الثقة بسوق الأسهم؟ من يريد أن يشفط آخر ريال من جيوب الضعفاء؟ ولماذا لا نستطيع منعه بما لدينا من أجهزة رقابية وتنفيذية متعددة تستطيع بكل سهولة ويسر أن تتبع حركة كل ريال بين المحافظ والحسابات البنكية؟ لماذا تقف الدولة عاجزة أمام بعض المضاربين الكبار الذين يلعبون بمقدرات البلاد واقتصاده، وهي تعلم علم اليقين أن ما يفعلونه قد يضرب الاقتصاد في مقتل، وما تقرير موديز عنا ببعيد؟!
هنا انطلقت شرارة ثورة الشك:
وَكَمْ طَافَتْ عَلَيَّ ظِلاَلُ شَكٍّ ** أَقَضَّتْ مَضْجَعِي وَاسْتَعْبَدَتْنِي"
فأصبحنا "ونحن نتجرع الإحباط" نشك في أن من يقف معنا من أجل سوق مالية ناضجة تلعب دورها الحقيقي في توسيع وتنويع قاعدة الاقتصاد الكلي، هو في حقيقة الأمر قد يقف في الصف الآخر، قد يقف بصورة أو بأخرى مع المتلاعبين ويعزز قدراتهم وإمكانياتهم ماليا وفنيا وحمائيا.
فأصبحنا نشك في هيئة السوق المالية بأنها أصبحت تتساهل مع بعض المخالفين بهدف المحافظة على تماسك سوق الأسهم التي تعاني من الهشاشة بعد انهيار شباط (فبراير) لكيلا يتعرض لأزمة مماثلة، فتهبط أسعار الأسهم بشكل حاد تجعلهم في حرج أمام الناس وأمام المسؤولين، ويا له من شك عظيم، أن نشك في الجهة التنظيمية والرقابية بأنها تتخلى عن جزء من مسؤولياتها لحماية السوق وإن كانت أسعارها غير منطقية، خاصة إذا علمنا أن أسعار الفائدة تتجه إلى الـ 6 في المائة مما يعني أن مكررات الأرباح يجب أن تراوح بين 13 و18 وحاليا هي نحو 28، وأيضا ما تم نشره من أرباح لأحد أكبر البنوك المؤثرة في المؤشر حيث إن نمو أرباح الربع الأول 2006 مقارنة بأرباح الربع الأول 2005 كانت 85 في المائة بينما كانت نسبة النمو في الربع الثاني 2006 مقارنة بـ 2005، 35 في المائة أى أن نسبة النمو تراجعت بنسبه 60 في المائة.

أصبحنا نشك في بعض الشخصيات الاقتصادية الشهيرة التي تمثل إضافة للاقتصاد السعودي ومصدر فخر واعتزاز لكل مواطن، أصبحنا نشك في أنها تشارك في هذه المذبحة الوطنية لتحقيق أرباح ولو على حساب أنات المستضعفين، ويا له من شك عظيم أن نشك في المصلح بأنه من المفسدين.
أصبحنا نشك في أن مؤسسات الدولة التنظيمية والرقابية لا تتكامل كمنظومة هدفها تنمية البلاد وحماية أمنها واستقرارها من كل مجرم أفاك في أي مساحة كان إجرامه، بل أصبحنا نشك في أن بعض هذه المؤسسات "مثل مؤسسة النقد" أصبحت تغطي على أخطاء وتساهل المخطئين، ويا له من شك عظيم أن نشك في تشرذم مؤسساتنا التنظيمية والرقابية وعجزها عن حماية اقتصادنا الوطني.
أصبحنا نشك في البنوك التي نودع فيها أموالنا ونأتمنها على ذلك بأنها استخدمت تلك الأموال استخداما سيئا أضر بنا وباقتصادنا لتحقيق مصالح آنية على حساب مصلحة البلاد والعباد وبما ينم عن نظرة قاصرة لمؤسسات كنا نظن أنها الداعم الحقيقي لمؤسساتنا الوطنية بتعزيز قدراتها التنافسية، وإذا بها تغلب الاستهلاك الداعم للمصدرين الخارجيين على حساب الإنتاج الداعم للمنتج المحلي، ويا لهذا الشك الذي يجعلنا ننظر لبنوكنا بأنها عامل هدم لاعامل بناء في مسيرتنا التنموية.
أصبحنا نشك في القائمين على الشركات المساهمة المدرجة بأنهم أحد رؤوس البلاء، باستخدامهم السلطات المخولة لهم من قبل المساهمين لتحقيق أرباح خيالية في وقت قصير على حساب مصلحة الشركة وعلى حساب الاقتصاد الوطني، وذلك من خلال تشكيل تكتلات مع كبار المضاربين لتحقيق مصالحهم المشتركة، إضافة لما نسمعه من توزيع مبكر لأرباح هذه الشركات لكبار ملاكها، وذلك بمنحهم عقودا من الباطن بالتعاقد مع شركات يمتلكونها بصورة أو بأخرى وليذهب صغار المساهمين إلى الجحيم، ويا له من شك ذي أثر مدمر لأموال المستثمرين ومحفز للمزيد من المتلاعبين لتأسيس شركات مساهمة عامة من هذا النوع السرطاني الخطير.
مَن يطفئ ثورة الشك في أنفسنا؟ سؤال يتردد في نفس كل مواطن غيور على بلده لا يجد إجابة شافية كافية، وأقول إن على كل جهة تتعرض لثورة الشك هذه أن تثبت براءتها، عليها أن تقوم بأعمال واضحة للعيان تعزز قيام سوق ناضجة وتمنع كل متلاعب أو متحايل أو غشاش من تحقيق مأربه، عليها أن تثبت ذلك بالدليل القاطع الذي لا يحتمل اللبس أو الشك أو التأويل، لنرى النتائج على أرض الواقع، سوقا مالية ناضجة لا مكان للغش واللعب بها، لكي يقبل المستثمر ويدبر النصاب، وينعم المواطن والوطن بقناة استثمارية توظف المدخرات بما هو داعم ومعزز للناتج الوطني، وبخلاف ذلك فإن ثورة الشك لا تزال قائمة والاقتصاد في خطر.
وأختتم هذه المقالة بالأبيات الخمسة الأخيرة من هذه القصيدة التي تشير بصورة أو بأخرى إلى الفقرة السابقة حيث يقول الشاعر الأمير عبد الله الفيصل:
عَلَى أَنِّي أُغَالِطُ فِيكَ سَمْعِي *** وَتُبْصِرُ فِيكَ غَيْرَ الشَّكِّ عَيْنِي
وَمَا أَنَا بِالمُصَدِّقِ فِيكَ قَوْلاً *** وَلَكِنِّي شَقِيـتُ بِحُسْنِ ظَنِّي
وَبِي مَمَّا يُسَاوِرُنِي كَثِـيرٌ *** مِنَ الشَّجَـنِ المُؤَرِّقِ لاَ تَدَعْنِي
تُعَذَّبُ فِي لَهِيبِ الشَّكِّ رُوحِي *** وَتَشْقَى بِالظُّنُـونِ وَبِالتَّمَنِّي
أَجِبْنِي إِذْ سَأَلْتُكَ هَلْ صَحِيحٌ *** حَدِيثُ النَّاسِ خُنْتَ؟ أَلَمْ تَخُنِّي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي