هيئة تطوير الرياض تضع برنامجا علاجيا شاملا لمشكلة ارتفاع منسوب المياه الأرضية
وضعت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض برنامجاً شاملا للسيطرة على مشكلة ارتفاع منسوب المياه الأرضية في مدينة الرياض، يتضمن أربعة محاور رئيسة تمثلت في التحكم في المصادر المغذية للمياه الأرضية، تقليل التسربات من البيارات بإقرار برنامج موحد لتوفير المرافق العامة في المدينة، ترشيد استهلاك مياه الشرب، ووضع خطة للوقاية من الآثار الناجمة عن المشكلة.
وقالت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض إن مشكلة ارتفاع منسوب المياه الأرضية في مدينة الرياض ظهرت منذ ثلاثة عقود، نتيجة النمو السكاني والعمراني السريع، الذي واكبه ارتفاع في معدل استهلاك الفرد المياه، ومن ثم زيادة كبيرة في كميات المياه المصروفة في الأرض دون وجود شبكة صرف صحي متكاملة آنذاك، حيث وصلت هذه المياه إلى سطح الأرض في بعض أجزاء المدينة مسببة مشكلات هندسية وبيئية وصحية عديدة.
تحديد الأسباب
وأوضحت الهيئة أنه استنادا إلى الدراسات التي أجرتها في وقت سابق لتحديد أسباب ارتفاع منسوب المياه الأرضية في الرياض فقد تبين أن هناك سببين رئيسيين للمشكلة هما: ضعف الخصائص الهيدروليكية لطبقات التربة والصخور التي تحدّ حركة المياه في الاتجاهين الأفقي والرأسي، إضافة إلى زيادة مصادر التغذية في المدينة (فائض مياه الري، التسربات من شبكات المياه العامة، التسربات من شبكات المياه داخل المنازل، التسربات من البيارات، التسربات من شبكات الصرف الصحي، ومياه الأمطار).
تصدعات وتشققات
وأظهرت الدراسات ذاتها أن ارتفاع منسوب المياه الأرضية في المدينة، أدَّى إلى حدوث تصدعات وتشققات في الكثير من المباني العامة والخاصة، وإلى تآكل بعض العناصر الإنشائية مثل الخرسانة وحديد التسليح، وحدوث هبوط في الأرضيات داخل بعض المباني، وطفح المياه داخل الأقبية، كما أدَّى إلى تشقق طبقات الإسفلت، وتهشم طبقات الرصف في الشوارع العامة، وتآكل شبكات المرافق العامة، ما أدَّى في المحصّلة إلى التسبب في خسائر اقتصادية كبيرة، إلى جانب الأضرار الصحية والبيئية.
وأفادت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بأنه على ضوء نتائج تلك الدراسات تم وضع حلول للسيطرة على المشكلة، وأعداد برنامج علاجي شامل لتبعاتها، يتضمن عدة محاور رئيسة من أهمها:
التحكم في المصادر المغذية للمياه الأرضية: ويهدف هذا الاتجاه إلى الحدِّ من تسرّب المياه إلى باطن الأرض من المصادر المختلفة، وتم بذل عدة جهود في هذا الجانب من بينها: ترشيد استهلاك مياه الري، التأكد من اختيار المناطق التي تتوافر فيها المياه الأرضية، أو محطات تنقية مياه الصرف الصحي لإقامة حدائق عامة، ومساحات خضراء جديدة، إلزام القائمين على المنشآت ذات الخدمات المستقلة، مثل: المستشفيات والجامعات والمجمعات السكنية، بالامتناع عن استعمال مياه الشرب لأغراض الري، واعتماد المياه الجوفية والأرضية ومياه الصرف الصحي المعالجة لأغراض الري، مع الحثّ على توفير محطات خاصة بهذه المنشآت لتنقية مياه الصرف الصحي، إضافة إلى مراعاة اختيار النباتات الملائمة للظروف المناخية وطبيعة الأرض، التي تحتاج إلى كميات قليلة من المياه في جميع المتنزهات والحدائق العامة، وذلك بشكل تدريجي.
تقليل التسربات من البيارات
وتضمن المحور الثاني: تقليل التسربات من البيارات بإقرار برنامج موحد لتوفير المرافق العامة في المدينة، والتي من ضمنها استكمال شبكات الصرف الصحي، حيث يؤدي تنفيذ شبكات الصرف الصحي إلى التقليل من كمية المياه المتسربة إلى باطن الأرض، كما سيؤدي في الوقت ذاته إلى خفض نسبة المركبات الكيميائية والعناصر البيولوجية في المياه الأرضية.
أما المحور الثالث فهو ترشيد استهلاك مياه الشرب، وذلك باتخاذ عدة إجراءات للحدِّ من كمية المياه المستهلكة، مثل: الكشف عن التسربات في شبكات مياه الشرب العامة وداخل المباني وعلاجها، إعداد ومراجعة المواصفات الفنية في صناعة جميع أنواع أنابيب المياه، والأدوات الصحية لضمان الكفاءة العالية وترشيد استهلاك المياه، تنظيم حملة إعلامية مستمرة عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، لتوعية السكان بأهمية المياه، وأساليب ترشيدها، وتحديد أقطار الأنابيب والتوصيلات المنزلية وأحجام عدادات المياه لترشيد استهلاك المياه.
وقاية المنشآت والمرافق
وحول الإجراءات الوقائية لحماية المنشآت والمرافق القائمة والمزمع إنشاؤها من آثار ارتفاع منسوب المياه الأرضية، فقد أصدرت الهيئة في هذا الإطار مجموعة من الكتب الإرشادية لتصميم وتنفيذ أساسات المباني وخزانات المياه والصرف الصحي وبرك السباحة، مثل: كتب: نحو مسكن أفضل، قواعد تصميم وتشغيل أنظمة ضخ وصرف المياه الأرضية وتصميم وتنفيذ أساسات المباني والخزانات الأرضية للمياه وبرك السباحة، وقواعد تأسيس المباني على التربة الحساسة شرقي مدينة الرياض.
كما قامت الهيئة بإعداد التصميمات وقوائم الشروط والمواصفات والكميات لنظم خفض المياه الأرضية للعديد من الجهات والتي من بينها: مستشفى الملك فيصل التخصصي، محطة التوليد الرابعة في الشركة الموحدة للكهرباء في المنطقة الوسطى، القاعدة الجوية في الرياض، ومستشفى الرياض المركزي، كما تقوم الهيئة بتوفير جميع المعلومات والخرائط والدراسات المتعلقة بمشكلة المياه الأرضية في المدينة للراغبين فيها من الجهات العامة والخاصة.
أم الحمام والعزيزية
وفيما يتعلق بتقييم البرنامج العلاجي لمعرفة فاعلية نظم صرف المياه الأرضية التي تم تنفيذها والبحث عن حلول بديلة مع وضع توصيات بشأن نظم الصرف المستقبلية وأماكن تنفيذها، والتعرف على ما تم تنفيذه من توجيهات الهيئة في هذا المجال، تجري الهيئة دراسات تقويمية مستمرة، تقوم على جمع معلومات عن النظم المنفذة، وتنفيذ أعمال حقلية ومعملية لمشاريع مختارة، تمثل الظروف المختلفة في المدينة، وقد كان اختيار المناطق حسب عدة عوامل من أبرزها: تربة المنطقة وجيولوجيتها، توفر الصرف الصحي، توفر نظم لخفض منسوب المياه الأرضية فيها وتاريخ تنفيذها، عمق المياه الأرضية، والكثافة السكانية في المنطقة، وكمية المياه المتوقع استهلاكها.
وباعتبار هذه العوامل فقد تمَّ اختيار عدد من الأحياء لدراستها بالتفصيل وتشمل: (أم الحمام، العزيزية، العريجاء الغربية، طويق، حي الملك فهد، المصيف، المروج، الخالدية، الفيصلية، ظهرة البديعة، الازدهار، وحي الوادي).
تنفيذ التوصيات
وتوصل فريق العمل استناداً إلى نتائج دراسة نظم صرف المياه الأرضية، إلى وضع خيارات ملائمة لخفض منسوب المياه الأرضية في المناطق المختلفة من المدينة مع بعض التوصيات اللازمة لتحسين تصميم نظم صرف المياه الأرضية وتفعيل الإجراءات الوقائية اللازمة.
وبناءً على النتائج التي تم الحصول عليها من الجهات المختلفة والإجراءات التي تم اتخاذها من قِبَل تلك الجهات فيما يختص بمشكلة ارتفاع منسوب المياه الأرضية في المدينة، فقد اتضح أن تنفيذها بفعالية قد أدَّى إلى التحكم في منسوب المياه الأرضية في عدد من أحياء المدينة، كما أن عدم تطبيق بعض هذه التوصيات قد أدَّى إلى ظهور المشكلة في عدد من الأحياء الأخرى.
الخطة المستقبلية
في ضوء توصيات الدراسة الحالية لمشاريع خفض منسوب المياه الأرضية تم تقسيم المدينة إلى ثلاث مناطق حسب تكوينها الجيولوجي، وخصائصها الجيوتقنية، كما تم تقسيم المناطق إلى أجزاء حسب طبوغرافيتها وأولويتها في توصيل الصرف الصحي كما يلي:
المنطقة الأولى
وهي التي تقع في (منكشف متكون العرب/السلي)، ومن المستبعد أن يمنع نظام الصرف الصحي المغلق في هذه المنطقة ارتفاع منسوب المياه الأرضية، لذا يُوصى فيها بالتالي:
في الأجزاء المتعرضة لأخطار السيول، يُوصى بتنفيذ نظام مشترك لصرف السيول والمياه الأرضية.
في الأجزاء الأقل عرضة لأخطار السيول، يُوصى بتنفيذ نظام لصرف المياه الأرضية فقط، أو نظام صرف صحي غير محكم، مع مواد ردم منفذة للمياه، بحيث ينقل مياه الصرف الصحي والمياه الأرضية، مع الأخذ في الاعتبار زيادة كميات المياه المصروفة للمحطة.
المنطقة الثانية
وهي التي تقع في (متكون الجبيلة)، ويوصى فيها بتنفيذ نظام مؤقت لصرف المياه الأرضية، يصرف على مشروع السيول أو الأودية، بحيث يتم استخدامه لاحقاً كنظام للصرف الصحي، ويتم تزويده ببحص ترشيح ملائم، مع تزويد المناهل بفتحات لدخول المياه الأرضية، يتم إغلاقها عند استخدام النظام للصرف الصحي.
المنطقة الثالثة
وهي مناطق شرق الرياض ذات تربة عالية الحساسية، فقد أوضحت الدراسات صعوبة تخفيض منسوب المياه الأرضية في تلك المناطق إلى مستويات آمنة (نحو خمسة أمتار من سطح الأرض) نظراً لطبيعة التربة وخصائصها، لذا فإن الحل المتاح في الوقت الراهن للسيطرة على مشكلة ارتفاع منسوب المياه الأرضية في هذه المناطق يتمثّل في:
الإسراع بتنفيذ شبكات الصرف الصحي، مع التحكم الصارم في المصادر المسببة لارتفاع منسوب المياه الأرضية، وتطبيق نظم تأسيس المباني في منطقة شرق الرياض، التي قامت الهيئة بإعدادها، وذلك لحماية المنشآت من آثار هذه المشكلة.