الضواحي السكنية المتكاملة هي الحل لمشاكل الازدحامات المرورية والأمن

الضواحي السكنية هي عبارة عن أحياء سكنية مفصولة ومعزولة عن محاور الحركة الرئيسية للمدينة ويتم ربطها فقط عن طريق مدخل أو اثنين وتكون عادة خارج المدينة وعلى الأطراف وتفصلها ويتخللها حدائق أو ظواهر طبيعية. وهي أحياء سكنية متكاملة الخدمات الترفيهية والتجارية والخدمية الضرورية. وهي بذلك تكون متناسبة مع حجم الضاحية ولاستعمال أهل الضاحية دون الغرباء مما يعطي سكانها الراحة الأمنية والنفسية. كما أنها تعمل على احتواء الحركة المرورية لأحياء الضاحية داخلها وبذلك تقلل من خروج هذه الحركة على بقية المدينة، إضافة إلى أنها سهلة الاحتواء أو إقفال الحي ومراقبته في الحالات الإرهابية. والهدف هو توفير المناخ الذي يساعد على خلق الجو العائلي أو العملي الخالي من المشاكل والمنغصات ويؤدي إلى راحة البال وتخفيف الضغوط النفسية لخلق الجو العائلي الودي الخالي من النزاعات والمشاكل العائلية وكذلك إزالة الهموم ليعود الموظف في اليوم التالي للمساهمة في بناء الوطن بكل حيوية و نشاط. من منا لا يحلم بمتعة التجول مع أبنائه أو أصدقائه على أرصفة شوارع الضاحية ويسعد برؤية تنسيق الحدائق والأشجار من خلال شوارع نظيفة ومنسقة لتكون متعة للناظرين. وهي أشبه ما تكون بفكرة الحي الدبلوماسي في مدينة الرياض.
وتعود فكرة الضواحي السكنية المتكاملة إلى فترة بداية تطوير مهنة التخطيط والاعتراف بها دولياَ في بداية تخطيط المدن في أمريكا حيث يعتبر ترشيح الكونجرس الأمريكي لمدينة شيكاغو في عام 1890م لتكون مقر المعرض الدولي هو البداية القوية للتخطيط الحديث للمدن الأمريكية وبمجهود مجموعة من المخططين والمعماريين برئاسة المخطط برنهام، الذي يعتبر أب تخطيط المدن في أمريكا وأول من قام بعمل مخطط عام لمدينة بتفاصيل دقيقة. وسمي هذا المخطط بالمدينة البيضاء وكان نموذجاً حضرياً احتذى به كنموذج لتخطيط المدن الأمريكية. وتبع ذلك مخططات حدائق هوارد في لندن والأحياء المعزولة حولها ثم المدن الثانوية حول مدينة باريس وغيرها. وترتكز فكرة الضواحي على مبدأ تكوين حي سكني متكامل الخدمات التحتية والعلوية الضرورية وكذلك الترفيهية.
ولكن من الناحية التخطيطية فإن فكرة تطبيق وتطوير مثل هذه الضواحي عادة تخضع إلى عملية تخطيط شاملة للمدينة مع مراعاة تميز كل ضاحية بشخصية اعتبارية ونمط متميز ومختلف عن غيره. فهي نقلة سريعة وحديثة ومتميزة كجزء من التطوير المتكامل للمشاريع بدءا من تخطيط الأرض الخام إلى مدينة مكتملة الضواحي ومتكاملة الخدمات التحتية والعلوية يكون محدد فيها الاستعمالات ومواقع المساكن والمباني المكتبية والمراكز التجارية والترفيهية ومحطات الوقود والمستوصفات والفنادق. ليكون المواطن على علم مسبق بما سيجاوره من مبان واستعمالات. ويتم تنفيذ أهم مكوناتها السكنية والتجارية والمكتبية وما يساندها من مبان ترفيهية. ويتم التنسيق قبلها مع الجهات الخدمية مثل الكهرباء والماء والصرف والهاتف، حيث يتم إشعارها أتوماتيكياَ (حاسوبياَ) بعد حصول المواطن على رخصة البناء مباشرةََ للإسراع في التجهيز لإيصال الخدمة له. وبحيث يتم الطرق على باب المواطن لتقديم الخدمة له بدلاَ من إرهاقه بالمراجعات المملة. وكذلك التنسيق مع وزارة النقل والمرور وكود البناء.
وأهم الأساسيات التي يجب على المستثمرين أو المسؤولين التقيد بها لإنجاح هذه الفكرة هي:
* إعداد دراسة تنفيذية للمخطط الحالي بعد وضع تخيل عام للمظهر المستقبلي للمدينة. وإعداد تصاميم تفصيلية للطرق والأرصفة والبنية التحتية.
* محاولة الاستفادة من تنفيذ بعض المدن والأحياء الصناعية العالمية الحديثة في تنفيذ البنية التحتية لشبكة المياه والكهرباء والهاتف والصرف الصحي والأمطار. وهذه التكلفة سترفع من سعر المتر للبيع ولكنها ستكون لشريحة من المواطنين الذين يعانون من التخطيط الحالي وليس لديهم مانع من دفع زيادة لشراء راحتهم.
* يتم عادة الاستفادة من مياه الصرف أو حفر بئر عميقة والاستفادة منها في ري الأشجار والحدائق وعمل بحيرات صغيرة وجداول مياه عبر قنوات وأنابيب. وأن يتم ذلك بالاستفادة أيضا من مياه محطة التنقية للمخطط.
* تصميم فرش حديث للطرق Street Furniture واختيار سجية متميزة للحي Theme تكون هي المسيطرة على طراز اللوحات والألوان وأعمدة الإنارة والمرور. ويشمل ذلك اختيار مواد حديثة للأرصفة وطريقة الإنارة والتشجير والترتيب مع المرور لوضع اللوحات المرورية والإشارات وغيرها.
* إلزام السكان بكتيب أنظمة لطريقة التنفيذ واختيار المواد والألوان (إذا أمكن) يتم اعتماده من الأمانة. بحيث يتم تقيدهم بواجهات أنيقة وفخمة وفق تصميم راق للحصول على حي صناعي نموذجي جيد. وكذلك تقيدهم بفتحات في الأسوار لجمع النفايات وتحديد مواقع لنفايات المصانع والمستودعات والمحلات التجارية على الشوارع الخارجية. وغير ذلك من التنظيمات التي ستوضع بطريقة مستساغة لمستعملي وسكان الضاحية والمدينة وتوعيتهم إلى ذلك.
* تصميم الهوية الاعتبارية للمشروع والطابع والبروشورات وتصميم الشعار واختيار الألوان Corporate Identity.
* تحديد وقت وبرنامج جدولة التسويق للأرضMarket Analysis Phasing.
* حصر عدد الأراضي Parcel Inventory وكل نوع حسب موقعه وسعره.
* تحديد أسعار البيع أو التأجير لكل نوع من الأراضي حسب أهميته ومميزاته وجدولتها حسب خطة مدروسة للرفع التدريجي للأسعار Leasing Plan. وهي دراسة تبنى على التحليل الحساس لتغير أسعار البيع Sensitivity Analysis ويستعمل لذلك برنامج حاسوبي حديث.
* دراسة الأرض بطريقة استثمارية بحيث تحقق عائدا جيدا للمستثمرين.
* إعداد النموذج المالي المتوقع والمستقبلي Financial Model لبيع المخطط على مدى السنوات المتوقعة لجدولة البيع وبحيث يتم تعديل النموذج دورياً وفقاَ لسياسات القروض المالية إن وجدت.
وهذا العمل المتكامل يحتاج إلى تغير الأنظمة والقوانين البلدية الحالية والتي أكل الزمان عليها وشرب للوصول إلى نوع من المرونة التي تكفل النجاح لهذه النهضة. وإلى سرعة تبني الهيئة العليا لمدينة الرياض وبقية المدن لتفعيل المخططات الاستراتيجية والهيكلية للمدن والدخول في التفاصيل والمخططات التنفيذية للأحياء المتكاملة وتفعيل كود البناء وبإعطاء المواطن بعض المرونة في الحصول على تميز للارتفاعات مقابل تخليه عن جزء من أرضه. وهو لن ينجح إلا عن طريق عمل الفريق الجماعي الديناميكي الذي ينظر إلى المدينة ككل ومدى تناسق وترابط الأحياء مع بعضها وإلغاء فكرة تخصيص المرافق والتي تترك لسنوات دون الاستفادة منها أو تفعيلها عن طريق طرحها للقطاع الخاص لاستثمارها.
إن المشاريع العملاقة والمبتكرة والجريئة في منطقة الخليج ستؤثر فينا حتماَ للانطلاق إلى نهضة أكبر منها للمدن والضواحي السكنية المتكاملة. وهي ستمحي ما قبلها من التخبط العقاري. وهي نقلة ستضاهي وقد تتخطى ما يدور في الدول المتقدمة. كما أنها معدية حيث سينتقل أثرها لترفع من مستوى بقية الشرق الأوسط من سوريا والأردن إلى مصر والمغرب العربي. وستتغير نوعية التركيز الحالي من الاستثمار في المشاريع السكنية إلى الصناعية والمكتبية ومشاريع الطاقة النووية والإليكترونية.
وهي فكرة تهتم بالبعد الإنساني والمشاة في التخطيط ووضع مواصفات قياسية للارتفاعات والارتدادات الصحية ولتصميم المباني. واختيار مواد تنفيذ مناسبة للمشي في البيئة الصحراوية وبألوان فاتحة تعكس الحرارة مع تظليلها. وحوائط ساندة ودرابزينات لحماية المشاة. ومواصفات لأغطية فتحات الخدمات الأرضية (مانهول) وبحيث لا تعرقل حركة المشاة. مواصفات قياسية لتأثيث الطرق ونوع الإنارة وبطريقة جذابة. ووضع مسافات قياسية لعزل مسارات كل نوع من الحركة سواءَ المشاة أو الدراجات أو السيارات. وتوفير الساحات العامة والحدائق على مسافات مريحة للمشاة و لممارسة رياضة المشي والجري. والاهتمام بمواصفات وتنسيق لوحات الدعاية والإعلانات ولوحات المحلات التجارية وفق تصاميم موحدة وبارتفاعات وأبعاد متساوية واختيار ألوان مريحة للنفس. وإعادة تصميم بعض الشوارع الكبيرة داخل الأحياء السكنية سواء القديمة أو الحديثة أو المستقبلية وذلك بإلغاء بعض المسارات من كل جهة لتوسعة الأرصفة الجانبية وتقليص الجزيرة الوسطية.
فالمطلوب هو رفع مستوى تخطيط المخططات الحالية إلى فكرة الضواحي وعمل دراسة تنفيذية للمخططات بعد وضع تخيل عام للمظهر المستقبلي للمدينة وخط السماء وفكرة وشخصية اعتبارية متميزة لكل حي وإعداد تصاميم تفصيلية للطرق والأرصفة والبنية التحتية ومحاولة الاستفادة من تنفيذ بعض المدن والأحياء الصناعية العالمية الحديثة في تنفيذ البنية التحتية لشبكة المياه والكهرباء والهاتف والصرف الصحي والأمطار.
ويبقى بعد ذلك موضوع إدارة تلك الأحياء ووضع قوانين وأنظمة للبناء وما بعد البناء لطريقة التنفيذ واختيار المواد والألوان وتقيدهم بواجهات أنيقة وفخمة وفق تصميم راق. وغير ذلك من التنظيمات التي ستوضع بطريقة مستساغة لمستعملي وسكان المدينة وتوعيتهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي