رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


"سابك" تؤسس لأسلوب تمويل إسلامي جديد

[email protected]

منذ أعلنت "سابك" عن وليدها الجديد "سابك للصكوك" والوسط المالي شغوف لمعرفة تفاصيل الدور الرائد الذي ستقدم عليه "سابك". والواقع أن المؤسسات الإنتاجية الرائدة في أي مجتمع، تأخذ زمام المبادرة في تطوير الأساليب الجديدة وتبنيها في مجال إدارة أنشطة الأعمال الخاصة وتسويقها وتمويلها, وتكون بذلك نبراسا يحتذى لغيرها، فتساعد على دفع عجلة النمو الاقتصادي في المجتمع.
ونظرا لما ينتظر شركة سابك من فرص نمو وتوسع كبيرة في المستقبل القريب بسبب نمو الطلب العالمي على منتجاتها, فقد أعلنت أخيرا عن عزمها على إنشاء شركة مالية مستقلة باسم "سابك للصكوك" ستتولى التعامل مع صكوكها الإسلامية, التي تنوي الشركة الأم إصدارها لتنويع مصادر تمويل أنشطتها الجديدة، والاستغناء عن الاقتراض الربوي من البنوك.
تمويل المشاريع الجديدة يأتي إما من داخل الشركة بدعوة الملاك المساهمين لزيادة رأس المال, وإما من خارج الشركة بالاقتراض المباشر من البنوك, وإما بإصدار سندات (صكوك ) بترتيب أيضا مع البنوك, والجديد لدى "سابك" هو الأسلوب الأخير.
كانت سوقنا المالية تفتقر إلى هذه الأداة التي تفضلها الشركات أحيانا كأداة للتمويل بدلا من زيادة رأس المال, عندما لا ترغب في توسيع دائرة الشركاء. لأن السهم يعني حصة في الملكية ويعطي مالكه الحق في التصويت والتأثير في قرارات الشركة, بعكس الحال في الصكوك التي لا يحق لحاملها التصويت ولا يعتبر حاملها مالكا في الشركة وإنما ممولا لها. كما تفضل الشركات التمويل عن طريق الصكوك لأنه يؤدي إلى تحسين العائد على الأسهم (أو حقوق ملاك الشركة) بشكل أفضل مما لو كانت عمليات تمويل الشركة ممولة جميعها تمويلا مباشرا من قبل ملاكها.
وفى مجتمعنا ظلت هذه الصكوك (السندات) أداة غير مرغوب فيها لقيامها على الفائدة المحرمة. وكثيرا ما راودت أحلام المهتمين بتطوير أدوات التمويل الإسلامي, إمكانية ابتكار صكوك إسلامية توفر لمصدريها المال اللازم, دون أن يكون لحامليها حق الملكية، لكنها توفر لهم عوائد مناسبة وبطريقة متوافقة مع أحكام فقه المعاملات الإسلامي. وهذا ما سوف تفعله "سابك" من خلال وليدها الجديد "سابك للصكوك" بالتعاون مع الهيئة الشرعية للبنك السعودي البريطاني "ساب".
لم تفصح شركة سابك بالطبع عن الطريقة الفنية لهذا الترتيب الجديد, فهو ترتيب لا يزال في طور السرية, لأن بعض الابتكارات ليس لها حقوق فكرية, كما في حالة الابتكارات المالية وابتكارات تصميم الملابس (الموضة) ونحوها. ولذلك ترغب شركة سابك الاحتفاظ بالفكرة حتى يبدأ العمل بها, ليكون لها سبق التنفيذ والاستخدام. ومن الواضح أن هذا الترتيب سيكون من نتاج هندسة مالية إسلامية متطورة Sophisticated تستنبط صيغة تمويل مبتكرة ومتوافقة مع أحكام فقه المعاملات الإسلامي, وتلبي في الوقت نفسه رغبات مستخدمي الأموال من حيث المخاطر وفترات الاستحقاق والعوائد. وهو أمر يبعث على السرور ويبشر بخير كبير, لأن حرص شركة بحجم "سابك" على تنويع طرق تمويل مشاريعها, وممارسته بأسلوب مقبول من الناحية الشرعية وبطريقة احترافية ومؤسساتية, لا بد أن يكون له أثر بالغ في السلوك الائتماني للمؤسسات الأخرى في اقتصادنا. وتكون "سابك" بذلك أول شركة تؤسس لهذا النوع من التمويل في القطاع الخاص السعودي.
من الناحية النظرية, يقوم التمويل الإسلامي على أحد أسلوبين: إما عقود المشاركات وإما عقود البيوع الآجلة. ويبدو من خلال الخطوط العريضة لما تم الإعلان عنه حتى الآن, أن الشركة تنوي اللجوء إلى الأسلوب الثاني: أسلوب التمويل القائم على البيوع الآجلة, حيث تحصل "سابك" على التمويل اللازم لها من خلال إصدار صكوك يكون غرضها:
- تمويل شراء مستلزمات (معدات, أو سلع) بثمن يدفع مؤجلا.
- تمويل شراء أشياء مؤجلة بثمن يدفع معجلا, كالحاجة إلى شراء المنتجات المستقبلية أو الدخول في تعهدات لتصنيع لوازم أو إنشاءات معينة.
فمثلا يمكن أن تقوم هذه الصكوك على أساس بيع منتجات "سابك" بالأجل. فتبيع الشركة كمية من منتجاتها للممولين بسعر أدنى من السعر المتوقع لهذه المنتجات في المستقبل, مقابل أن تستلم الشركة قيمة هذه المنتجات من الممولين حالا على أن تسلمهم البضاعة في المستقبل. فإذا حان الأجل, فإن الممولين سيكونون بالخيار, فإما أن يتولوا بيع هذه المنتجات بأنفسهم, وإما أن يوكلوا الشركة بيعها نيابة عنهم. ومن الناحية العملية ولأسباب فنية, سيفضلون غالبا الخيار الثاني.
إذاً الفكرة هي أن ما كان يمكن تمويله جملة برأسمال مدفوع دفعة واحدة, يمكن تمويله تجزئة عن طريق تقسيمه إلى حصص متساوية تطرح للاكتتاب في شكل صكوك, لكن سيتعين على مطوري هذه الصكوك أن يتصدوا لمشكلتين:
الأولى: تتعلق بكيفية معالجة خطر تغير سعر هذه المنتجات في المستقبل عن السعر المعروف أو المقدر لهذه المنتجات عند بداية العقد. وهنا تأتي براعة الهندسة المالية في ابتكار طريقة تؤدي إلى خفض مقدار هذا الخطر بطريقة مقبولة شرعا.
والمشكلة الثانية: تتمثل في كيفية جعل هذه الصكوك قابلة للتداول بطريقة مقبولة من الناحية الشرعية, لأن الممولين يفضلون الصكوك التي يمكن التصرف فيها بالبيع قبل حلول الأجل إذا دعت حاجتهم إلى السيولة إلى ذلك. وبما أن الشريعة لا تجيز بيع الديون فقد يبدو للبعض أنه لا يجوز أن تكون هذه الصكوك قابلة للتداول, ومن ثم تفقد هذه الميزة. وهذا صحيح لو كان الأمر كذلك, لكن المجمع الفقهي لمنظمة المؤتمر الإسلامي في جدة أجاز تداول الصكوك إذا كانت تمثل في أغلبها أعيانا ومنافع وليس نقودا.
ولا أريد أن أشغل نظر القارئ الكريم بتصورات أخرى لهذه الصكوك ذات تفاصيل فنية معقدة, لكني أشير فقط إلى أن ترتيب هذه الصكوك يمكن أن يجمع بين الملكية والتمويل Hybrid. كأن تبدأ العملية بعقد استصناع, تحتاج فيه الشركة إلى إنشاء معمل أو مصفاة, فيقوم الممولون باستصناع ما هو مطلوب منهم, فيملكون المشروع ابتداء بطريق الاستصناع ثم يبيعون المشروع (المصنوع) للشركة.
لكن أيا كان شكل هذا الابتكار، فلا شك أن القطاع المالي سيكون متشوقا لمعرفة تفاصيله, من أجل تبنيه والاستفادة منه كبديل إسلامي يلبي الأغراض التمويلية المتزايدة لمختلف الشركات في القطاع الخاص بأدوات متوافقة مع أحكام المعاملات الشرعية.
هذه أول مرة تطرح فيها سندات أو صكوك إسلامية من قبل شركة في القطاع الخاص السعودي. وبذلك تفوز شركة سابك بالريادة وتسهم في تطوير سوق الأوراق المالية وتوسيعها. وتفتح بذلك آفاقا جديدة لتشغيل المدخرات والفوائض المالية للأفراد والمؤسسات بمخاطر أقل من مخاطر تشغيلها في المضاربة في الأسهم, والأهم من هذا وذاك أنها ستكون متوافقة مع أحكام الفقه الإسلامي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي