رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الخطط التنموية والطموحات النووية

بناء على إعلان مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، فالحمد لله الذي حمانا من كارثة التلوث الإشعاعي الذي كان العالم كله يترقب بخوف وهلع ما إذا كان الانفجار الذي حدث قرب محطة توليد الطاقة النووية في مدينة ليننجراد الروسية سوف يؤثر في المفاعل النووي ويسبب كارثة نووية أخرى. لم يسفر الانفجار عن أي تسرب إشعاعي لعدم تأثر المفاعل النووي أصلا بالانفجار، ولكن اللافت للنظر هو أن إشارة المدينة بتعاونها مع مراكز الطوارئ الإشعاعية في الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعني أهمية أن يتوفر لدينا أيضا مركز متخصص بعدة فروع يعنى بهذا الشأن في المملكة بعد التطورات الأخيرة في المنطقة. نحن نعلم أن مصادر الإشعاعات كانت محدودة في الأشعة الكونية ومصادر طبيعية أخرى في الأرض، ولكن بتدخل يد البشر لتعبث وتغير توازن الكون بإضافة كميات إشعاعية أصبح الجو ملوثا وبدأ الخطر البيئي يحدق بجميع سكانه، ولا بد لنا في هذه المرحلة من الاستعداد البشري والتقني لمواجهة السحب النووية.
تاريخياً، في آب (أغسطس) عام 1945 دخلت هيروشيما وناجازاكي في اليابان نفقا مظلما تعاني منه صحيا حتى وقتنا الحاضر بعد الهجوم الحربي النووي عليهما، مما تسبب في ظهور طفرات وراثية وانتشار أمراض سرطانية في اليابان، إضافة إلى تغيير ملامح الخريطة السياسية في العالم منذ ذلك الوقت. وفي آذار (مارس) 1979م وقع أكبر حادث تسرب إشعاعي نتيجة خطأ بشري في مفاعل جزيرة هاريسبيرج في بنسيلفانيا في أمريكا، وكانت نتائجه الإصابة بسرطان غدة الثيرويد، وعلى الصعيد البيئي ظهور طفرات مختلفة للغطاء النباتي والمحاصيل الزراعية. وقد أدت كارثة شيرنوبيل في نيسان (أبريل) عام 1986م إلى فزع عالمي لم يقتصر على المدينة أو الدولة أو القارة، حيث سجلت 78 ألف حالة وفاة، وبلغ قطر دائرة التأثير المباشر للإشعاع نحو 500 كم، الأمر الذي جعل التأثيرات المتتابعة المزمنة تظهر تباعا إلى وقتنا الحاضر. فقد اكتشفت حالات سرطانية وتغيرات وراثية مطفرة في العام الماضي في أوروبا الشرقية، واتفق على أنها من تأثيرات الكارثة التي مضى عليها ما يقارب العشرين عاما. وفي أحد التقارير ذكر أن 12 حالة سرطان مرضية تشخص سنويا في الأطفال منذ ذلك الوقت جرّاء تأثير الإشعاع. من ناحية أخرى فقد أجمعت المنظمات والهيئات العالمية على أن المشكلات الحقيقية لتأثير الإشعاع ستظهر تباعا على مستوى العالم، سواء على الغطاء النباتي أو التربة أو المياه وجميع الكائنات البشرية والحيوانية الدقيقة. وسيتم ملاحظة الاختلافات والتغيرات في أساليب الحياة وأنشطتها والسلوكيات العامة، كما هي في التغيرات الوراثية في تركيب الخلايا الحيوانية أو النباتية التي تظهر نتائجها في وقت قياسي. وقد أكد العالم هيلز من جامعة تكساس عام 1996م ذلك في بحث طويل نشره عن تأثيرات الأنشطة النووية في العالم.
حاليا يوجد في عالمنا أكثر من 440 مفاعلا نوويا سلميا و24 تحت التأسيس أو الإنشاء. وتعتبر فرنسا أكثر الدول اعتمادا على الطاقة النووية في توليد الطاقة الكهربائية، حيث تنتج مفاعلاتها النووية أكثر من 75 في المائة من احتياجها من الطاقة الكهربائية. وتعاني الدول المتقدمة المستخدمة لهذه الطاقة مشكلة مركبة من شقين تتمثل في: وجود المفاعل النووي كمصدر إشعاعي، وأسلوب التخلص من مخلفاته والنفايات النووية ومخلفات مصانع التخصيب، حيث لا يوجد حتى الآن نظام آمن لتخزين أو دفن المخلفات النووية. وقد قدر أن المفاعل البسيط (حسب تقرير لمنظمة الطاقة) يطلق ما بين 20 و30 طنا من المخلفات النووية سنويا ويبقى العنصر مشعا لآلاف السنين قبل أن تخبو وتضعف تأثيراته الإشعاعية. ولذلك مازال النقاش محتدا وغير منته حول كيفية حماية مخزون من المياه الجوفية، ووضع اشتراطات أكثر دقة وصرامة في استخدامات الطاقة النووية..
وسواء كان الهدف سلميا أو حربيا فوجود دول في منطقتنا العربية والإسلامية لديها كميات من مستصغر الشرر كبديل للطاقة وعامل مؤثر في مراحل خططنا التنموية جميعا، يحتم علينا اتخاذ أو طرح بعض الخطوات الإنسانية، لعلنا نعكس بمبادراتنا حسن النوايا في التوجه نحو بيئة خالية من تأثيرات عبث البشر. قد يكون التوجه سلميا بالاستفادة من بدائل الطاقة للدول التي لا تجد النفط طاقة دائمة أو مصدرا مضمونا للأجيال القادمة، ولكن هل التوجه محكوم بقواعده العامة والخاصة؟ أم هو مفتوح على علاته؟ بحيث إن كل من استشعر توفر علماء أمكنهم التعاطي معها دخل مضمار السباق ليجر الجميع معه فيتسابقون إلى حتفهم.
ننتظر بفارغ الصبر اتخاذ إجراء له تأثير إيجابي على معظم الدول التي تمتلك أسلحة نووية بأن تبادر إحداها بالتخلي عن الأسلحة النووية, ولو تدريجيا، بالبدء في تفكيك العسكرية والحربية منها والبحث عن بدائل لها كمصادر للطاقة، وسيقدر لها ذلك على مستوى العالم دون أدنى شك. وإلى أن يتم ما يمكن أن يكون حلما ندعو الله أن يتحقق، فلا بد أن تجتمع الجهات المختصة لدينا من القطاعين العام والخاص، لتتخذ التدابير اللازمة حيال هذه الأزمة إذا ما استمرت الدول في سباقها المحموم على حساب الآخرين. كما نحتاج إلى إثراء هذا المجال بالبحث والدراسة ودعم إدارات الأزمات أو الكوارث المشكلة في بعض الوزارات والمؤسسات الخاصة بالمعلومات اللازمة في هذا المجال، فلدينا خطط ومشاريع تنموية ضخمة ومتعددة ننتظر, بانتهائها, عموم فوائدها على المجتمع ككل ولا يمكن تعديل هذه الأولويات. وفي تصوري مبدئيا يمكن اقتراح التالي:
1 – شمول الاحتياطات والاحترازات من مخاطر الإشعاعات في تعليمات الإنقاذ وإرشادات الدفاع المدني ودورات الطوارئ المتخصصة للعامة ومنسوبي القطاعات الصحية والصناعية والزراعية.
2 - تكثيف التوعية الإعلامية بجميع وسائلها ومحاولة تسليط الضوء بشكل جديد وغير تقليدي لجذب اهتمام أكبر شريحة ممكنة وتوعيتها وقائيا من أخطار التلوث البيئي النووي.
3 - تكثيف وتطوير التحاليل الكيميائية والإشعاعية للعينات الجيولوجية والبيولوجية والصناعية والزراعية والغذائية، سواء المحلية أو المستوردة.
4 - الرقابة على استخدام المصادر والمواد والمعدات ذات الطبيعة الإشعاعية وتنظيم إصدار التراخيص اللازمة لاستعمالها وتخزينها.
5 - تكاتف الجهود في القطاعات الصحية والمستشفيات الجامعية لتوفير أدوية علاج سرطان الغدد الصماء.
6 - تكثيف المعلومات العلمية الخاصة بتأثير الإشعاعات وعلاجها في مقررات كليات الطب والعلوم الصحية لما له من أهمية في التمكن العلمي للخريجين وليكن ابتداء من العام القادم.
ونسأل الله السلامة للجميع، إنه سميع مجيب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي