تكريم القضاة ومضاعفة مكافأت الدارسين
لقد سعدت كثيرا باللقاء بين فضيلة الدكتور عبد الله بن محمد آل الشيخ وزير العدل، ورجال الأعمال في بيت التجارة، وهنأت نفسي على وجود وزير بهذا المستوى من الصدق والشفافية، ولم يتهرب معاليه من الرد على أي سؤال، وتقبل الشكاوى والنقد بصدر رحب وبيّن الأسباب.
وما زاد من سعادتي التعرف والسماع لوجهات نظر بعض من حضروا مثل الشيخ يوسف الفراج، الشيخ عبد الله العثيم، الشيخ الدكتور راشد الهزاع، وكذلك الشيخ عبد الله اليحيى وكيل الوزارة. ولقد كفانا عن الكلام علم فضيلتهم بالمشاكل القائمة وطرق حلها وكذلك صراحتهم، وتأكدت أن ثقتنا بالقضاة وإجلالنا لهم في محلهما.
إن وزارة العدل كما قال الوزير "تعيش مرحلة جديدة وتنتقل من طور إلى طور، وتعاني من عقبات ذهنية لدى بعض الذين يصعب أن توصل إليهم الحاجة إلى هذه النقلة. وهناك صعوبات إدارية وصعوبات مالية وصعوبات يفرضها الوضع الموجود في بعض التعاملات، ما أوجد لدى الوزارة بعض العوائق، ولكن الطريق إلى حل هذه العوائق هو نقل هذه الصورة الواضحة لولاة الأمر لاتخاذ القرار المناسب، والجانب الآخر هو بحث هذه العوائق مع أصحاب الاختصاص".
كما وقع معاليه بعد أسبوع عقودا لإنشاء مجمعات الدوائر الشرعية في مناطق متفرقة بقيمة 126 مليون ريال، وصرح "بأن وزارته على اتصال مع الجامعات السعودية لاستحداث فروع للقضاء فيها وذلك لمواجهة ضعف إقبال السعوديين على الالتحاق بالقضاء السعودي، ولحاجة الوزارة الماسة إلى القضاة".
ولقد قدمت غرفة جدة 19 سؤالا مكتوبا لمعاليه، ولم يقصِر الحضور في التعليق وإضافة نقاط عديدة. ونشرت الصحف ملخص ما دار في الاجتماع، فلا حاجة إلى تكراره، ولكن ماذا يستطيع معاليه أن يفعل في مشكلة نمت عبر السنين؟
لقد أثار أحد الحضور مسألة أن نقص القضاة الآن يرجع إلى وجود قرار سابق بعدم توظيف القضاة إلا من جامعة واحدة، وذكر معاليه أنه لا يعلم بوجود مثل هذا القرار، وأن عنده موافقة سامية لتوظيف 400 ولكن لم يتقدم لها العدد الكافي.
إن أي بلد من غير قضاء عادل يصبح غابة، والعدل كما نعلم أساس الملك، ويأتي العدل من عدالة القضاء. قال تعالى "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" الآية 58 من سورة النساء.
وإنني متأكد أن معاليه سيجد الطرق الكفيلة بحل ما تواجهه الوزارة على المدى القصير، ولكن ما نصبوا إليه، ويعلم فضيلته ذلك، هو خطة طموحة لتحسين خدمة القضاء في المملكة، وللمدى القصير اقترح معاليه الدوائر القضائية المتخصصة، ولكن ينبغي ألا تفرغ هذه الدوائر القضائية المتخصصة من المحتوى الشرعي.
وبما أن القضاء ولاية وسيادة لذلك يجب أن يكون القاضي المؤهل مواطنا ولكن هذا لا يمنع تطعيم الدوائر القضائية بقضاة وقانونيين مسلمين مؤهلين للمساعدة وتقديم الاستشارات وتدريب صغار القضاة ومساعدة القضاة في إنجاز أعمالهم، إلى أن يكون لدينا العدد الكافي منهم. كذلك علينا التوسع في بناء مباني الدوائر الشرعية في كل منطقة.
إن ما نراه اليوم من معاناة وقلة عدد القضاة هو سوء التخطيط أو انعدامه الذي واكبنا لسنوات عدة بحجة محدودية الموارد المالية، لذلك نريد أن نرى خطة مالية طموحة تخصص لوزارة العدل وما نحتاج إليه.
وإنه من المؤسف حقا أن يشتكي وزير العدل من قلة الموارد، فما فائدة كل هذا الدخل الحكومي إذا لم نلتزم ابتداء بدعم السلك القضائي والمحاكم؟ لا يمكن معاملة ميزانية وزارة العدل ومقارنتها بالوزارات الأخرى. لقد أهملنا هذه الوزارة وعلينا الصرف عليها لبسط العدالة وتحصيل الحقوق في المملكة، ولكن لن يكون ذلك ممكنا إلا باتخاذ الخطوات السليمة وتحضير القدر الكافي من القضاة من جميع أنحاء المملكة وفي جميع التخصصات مع التجهيز العصري ليكونوا على أعلى المستويات.
إن الطلبة الذين يحصلون على أعلى المستويات في الثانوية العامة يدخلون كليات الطب والهندسة وخلافه ويبقى الذي لا يقبل ليحول إلى الأقسام الشرعية بما فيها القضاء والقانون، وهنا يكمن الخطأ الأول .. يجب رفع مكانة القضاة.
إن المكانة الأولى في المجتمع لمن يدرسون في تخصصات صنع القرار مثل القضاء والقانون والسياسة، لذلك ينبغي أن يكون أفضل الطلبة وأذكاهم هم الذين يقبلون في دراسة القضاء والقانون على أن يجتازوا امتحانات دورية متخصصة. ينبغي أن توسع الجامعات دراسة القضاء والقانون وتشدده وترفع من مستواه، لا نريد تخريج قضاة وجبات سريعة لحاجتنا إليهم.
كذلك ينبغي أن تضاعف مكافآت الطلبة الدارسين للقضاء والقانون عن جميع التخصصات الأخرى، لذلك يجب التشديد في المستوى. وعلى الوزارة تعيين القضاة من جميع الجامعات والمناطق وعدم حصرها على جامعة واحدة أو مجموعة معينة، ومحاسبة من يرفض ذلك أو إبعاده من مركز القرار وعدم إسقاط الطلبة المتقدمين في المقابلة الشخصية واستبدال طلبة أقل منهم تحصيلا بهم بناء على تمييز قاصر، كذلك يتعين توظيف خريجي القانون كقضاء وتهيئتهم بما يلزم .. وللحديث بقية.