في تحويل الشركات العائلية إلى شركات مساهمة

نقرأ كثيراً عن التوجه إلى تحويل الشركات العائلية إلى شركات مساهمة مدعمة بأسباب، منها المحافظة على كيان الشركة واستمرارها للأجيال المتعاقبة بعد المؤسسين، والسعي الجاد لرفع رأسمال الشركة لتكون شركة منافسة في خضم انضمام المملكة العربية السعودية إلى منظمة التجارة العالمية، فضلاً عن الأسباب الأخرى التي قد لا تظهر أو لا يفصح عنها.
وقد عقد عدد من الندوات حول ذلك خلال السنوات الماضية، وأذكر أنني قد حضرت إحداها وعقدت في الكويت، وكانت وجهات النظر والطرح مختلفة بين مؤيد ومعارض وهذا أمر طبيعي، ولعل آخر شركة قد تم تحويلها وطرحت للاكتتاب هي شركة الدريس التي كان الإقبال على الاكتتاب فيها كبيرا جداً رغم وجود علاوة إصدار حددت بمبلغ 135 ريالا،ً فكان التخصيص بأسهم بسيطة يمكن أن ينال الشخص في المجموعات أقل من سهم، مثل الثلاثة أشخاص أعطوا سهمين فقط، وهذا لا يعطي انطباعاً بأن العملية كانت في صالح المساهمين بالنظرة السطحية للإقبال على الاكتتاب، وهذا كان سببه توافر السيولة لدى كثير من المكتتبين وإن كان بعضهم اكتتب بدافع الرغبة في الحصول على أسهم ومن ثم البيع بمجرد بداية التداول في سهم الشركة، ومثل هذا الشخص قد يقترض من البنوك التي تشجع على ذلك مع إبرام عقد رهن يكفل حقها في استرداد مبلغ القرض.
والحديث عن وضع الاكتتابات يطول لو أردت أن أتحدث عن الإيجابيات والسلبيات، لكن ما أود تأكيده في هذا المقال أهمية التقويم لأصول الشركة العائلية الثابتة والمنقولة المراد تحويلها إلى شركة مساهمة، لأن التقويم يعد المساهمة العينية لملاك الشركة، فضلاً عن عدم وضع علاوة إصدار عالية كما حصل بالنسبة إلى شركة الدريس وغيرها من الشركات العائلية الأخرى أو من الشركات المساهمة المقفلة أو ذات المسؤولية المحدودة التي حولت إلى شركات مساهمة، فإن هذه الشركات قد ساهم فيها كثير من المواطنين وهم غير عارفين معرفة حقيقية عن وضع الشركة من حيث التقويم ومبالغ علاوة الإصدار، إذ يعد الكاسب الحقيقي أصحاب الشركة الأساسيين في الشركة العائلية والشركة ذات المسؤولية المحدودة عندما يكون التقويم مبالغا فيه، فضلاً عن مبلغ علاوة الإصدار الذي يغطي أي خلل في التقويم، ناهيك أن إدارة الشركة (مجلس الإدارة) تبقى في أيدي ملاّك الشركة، لأن المساهمين الجدد قد لا يحصلون على أسهم تمكنهم من ترشيح أنفسهم لعضوية مجلس الإدارة، وهذا ما حصل في شركة الدريس، وأخشى أن يتكرر ذلك مستقبلاً في الشركات التي يعتزم تحويلها إلى شركات مساهمة.
فإذا كان التقويم لأصول الشركة مبالغا فيه، فإن علاوة الإصدار التي فرضت على المساهمين تعد إثراء دون سبب لملاك الشركة من حساب المكتتبين، وذلك لتغطية أي خلل في تقويم أصول الشركة التي هي مساهمة الملاك الأصليين للشركة، وهذا يكون على حساب المساهمين المكتتبين، ولذا فإن من واجب الجهات المعنية بالموافقة على تحويل الشركة ورفع رأسمالها، سواء كانت وزارة الصناعة والتجارة أو هيئة السوق المالية، أن تتأكد بدقة وعناية من صحة التقويم الذي قدم، وألا تضع علاوة إصدار إلا في الحدود المقبولة شرعاً ونظاماً ووفق قواعد منضبطة ودقيقة ومراجعة ذلك من جهات ذات اختصاص من البيوت المالية المتمكنة والمشهود لها بالأمانة والخبرة، حتى لا يقع المساهمون في مغامرات ومقامرات تفقدهم أموالهم المستثمرة كما حصل في بعض المساهمات العقارية الخاسرة التي وصفت بالمتعثرة، أو ما حصل من أدعياء الاستثمارات المالية الذين كشفت ممارستهم الكاذبة عدم صحة التوجه الاستثماري بأخذ أموال الناس ومن ثم اللجوء إلى وسائل تحايلية للتهرب من إعادة الأموال إلى أصحابها، وهناك حالات كثيرة نقرأ عنها في الصحف المحلية.
لما تقدم ذكره، فإنه إزاء ما ألحظه من إقبال وسعي إلى تحويل الشركات العائلية والشركات المساهمة المقفلة أو ذات المسؤولية المحدودة إلى شركات مساهمة وهو إقبال كبير جدا، وسعي جاد وحثيث من أصحاب هذه الشركات لتقديم طلبات التحويل ومن ثم طرح جزء من رأس المال بنسب محددة قد تحدد بـ 25 أو 30 أو 40 في المائة للاكتتاب العام، فإن ما نأمله من الجهات المعنية، سواء في وزارة الصناعة والتجارة أو هيئة السوق المالية، ألا توافق على أي طلب إلا بعد التأكد بدقة وعناية من صحة تقويم أصول الشركة الثابتة والمنقولة، حقوق المساهمين، القيمة الدفترية الحقيقية، مدى الجدوى الاقتصادية لاستمرار الشركة كشركة مساهمة ناجحة، وألا يكون التحويل لمعالجة خسائرها أو إفلاسها على حساب المساهمين المكتتبين، وهذا لو حصل فإنه أمر خطير على المساهمين وفيه أبشع استغلال وتحايل على الناس يتكرر كلما تحسن الوضع الاقتصادي للمملكة وتوافرت السيولة في أيدي المواطنين، ولا يمكن أن ننسى ما سبق لكيلا تتكرر المآسي والآلام لمن يفقد ادخاره في استثمار خاسر.
وقانا الله وكل المسلمين من كل مكروه، ووفقنا لقول كلمة الحق لا نخشى فيها لومة لائم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي