رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


قيادة الشركات السعودية.. "الاتصالات" والملحم

تصل الاستراتيجية بين السياسة والتخطيط. وتصل الاستراتيجية والتخطيط معا بين الغاية والأهداف. الاستراتيجية ثابتة لا تتغير، والتخطيط مرن بمرونة المكان والزمان.
حاز أخيرا الرئيس التنفيذي لشركة رينو- نيسان، اللبناني الأصل، كارلوس غصن على جائزة أفضل 25 رئيسا تنفيذيا على مستوى العالم، عطفا على إنجازاته في تولي مسؤولية الشركات التي عمل بها من خلال تطبيق استراتيجية واحدة، وخطط مرنة، تهدف في مجملها إلى تحقيق أقصى درجات الربحية.
التحق غصن بشركة ميشلان لصناعة الإطارات في 1993م للعمل نائبا للرئيس لشؤون التشغيل. كانت "ميشلان" تواجه مشكلة استمرار الخسائر التشغيلية. قام غصن بتنفيذ استراتيجية ثابتة لمواجهة هذا التحدي سعت إلى مضاعفة الربحية، وتقليص التكلفة التشغيلية. بدأت "ميشلان" بجني الثمار بعد عامين عندما حققت صافي ربح بعد عدة سنوات عجاف. ترك غصن "ميشلان" في 1996م والتحق بشركة رينو الفرنسية لصناعة السيارات نائبا للرئيس لشؤون التشغيل.
الوضع المالي لـ "رينو" قبل 1996م لم يكن بأفضل من ذلك الموجود في "ميشلان" قبل 1993م. كانت "رينو"تواجه خطر الانهيار بتراكم خسائر التشغيل. عمل غصن بنفس الاستراتيجية التي عمل بها في "ميشلان" مع استحداث خطط جديدة بما يتوافق وثقافة "رينو"، فأغلق أربعة من مصانع الشركة في أوروبا، وقلص أنواع السيارات المنتجة، وطور الأنواع المتبقية بإدخال تقنيات عديدة. صدرت قوائم "رينو" المالية في 1999م مشرقة بصافي ربح بلغ 1.8 مليار دولار أمريكي بعد أن سجلت صافي خسائر بمقدار 1.2 مليار دولار أمريكي في 1996م.
لم تقف النتائج عند هذا الحد، بل تعدتها لتبدأ "رينو" بالبحث بكل ثقة عن فرص توسعية جديدة خارج الأسواق الأوروبية. كانت الضالة في شركة نيسان اليابانية لصناعة السيارات، التي سجلت للتو رقما جديدا في سلسلة الخسائر للعام السابع على التوالي بلغ نحو 11.7 مليار دولار أمريكي.
استثمرت "رينو" 5.4 مليار دولار أمريكي لتملك 37 في المائة من أسهم "نيسان". تولى غصن مسؤولية تشغيل "نيسان"، فعمل بنفس الاستراتيجية التي عمل بها في "ميشلان"، و"رينو"، عرفت باسم استراتيجية "الاستمرار". فأغلق خمسة من مصانع الشركة في اليابان، وألغي 16 ألف وظيفة، ودمج مصانع "نيسان" مع "رينو" في أوروبا، وقلص أنواع السيارات المنتجة، وزاد الطاقة الاستيعابية وسعة المصانع القائمة بنحو 75-80 في المائة, و30 في المائة, على التوالي. بدأت "نيسان" بجني ثمار استراتيجية "الاستمرار" عام 2000 عندما أعلنت أن أرباح التشغيل بلغت 1.85 مليار دولار أمريكي، والخسائر قلصت بمقدار 18 في المائة.
رشحت هذه النتائج غصن لتولي رئاسة شركة نيسان في النصف الأول من 2001م. فبدأ بتنفيذ استراتيجيتين شبيهتين بـ استراتيجية "الاستمرار" أطلق عليها "نيسان 180"، و"ارتقاء الربحية". الهدف العام منهما إعادة "نيسان" إلى خريطة صناعة السيارات العالمية.
أداء غصن خلال ترؤسه "نيسان" كان حافلا بكثير من الإنجازات، مما حدا بـ "رينو" لإسناد مسؤولية قيادة "رينو"، إضافة إلى "نيسان" إلى غصن اعتبارا من منتصف 2005. وخلال أيامه الأولى في المركز الجديد، أعلن غصن عن استراتيجية جديدة سماها "عقد رينو 2009"، وتهدف إلى جعل مجموعة رينو- نيسان أكثر الشركات العالمية ربحية.
سمات الاستراتيجية شبيهة إلى حد كبير بسابقاتها مع تباين في الخطط التنفيذية. ومعرفة مدى نجاح غصن في تنفيذها مرهون بما ستعلنه القوائم المالية في 2009م. إلا أن المؤشرات تجعل المراقبين متفائلين بنجاح الاستراتيجية، عطفا على إنجازات غصن السابقة منذ عام 1993م.
مشوار غصن في تطوير استراتيجية واحدة، وتنفيذها في ثلاث شركات خاسرة، وانعكاساتها الإيجابية على أرباحها المستقبلية، تثير التساؤل حول دور الرئيس التنفيذي السعودي في تسيير دفة شركته، ومدى التأثير الذي يتركه بعد رحيله. فلقد تولى مسؤولية قيادة الشركات القيادية السعودية عدد ليس بالقليل من الرؤساء التنفيذيين.
فخلف عبد الله الراجحي والده سليمان "الراجحي" عام 1996م، وخلف محمد الماضي إبراهيم بن سلمة في "سابك" عام 1998م، وخلف عبد الهادي شايف عبد الله باحمدان في البنك الأهلي عام 1999 لمدة ستة أعوام قبل أن يتنحى لصالح عبد الكريم أبو النصر، وخلف عيسى العيسى مايك دي جرافنريد في "سامبا" عام 2004م، وخلف عبد العزيز الصقير سليمان القاضي في "الكهرباء"، وأخيرا وليس آخرا، خلف سعود الدويش (بالتكليف) خالد الملحم في "الاتصالات".
تشير أدبيات استراتيجيات الأعمال إلى أن سمات استراتيجية الرئيس التنفيذي تظهر بعد مرور ثلاثة أشهر من تولي المسؤولية، ثم تستثمر الفترة التي تلي ذلك من 2 - 3 سنوات في البناء الاستراتيجي لإمكانات الشركة. يعقب ذلك فترة جني الثمار التي تراوح بين 3 - 5 سنوات. يبدأ الرئيس التنفيذي بعد هذه الفترة في إعادة استراتيجيته مع إدخال بعض الجزئيات. مقدار جني الثمار في هذه الفترة يعتمد بشكل أساسي على متانة ما تم بناؤه خلال 2 - 3 الأولى. بعد مرور 7 - 8 سنوات، يصبح من الضروري على الشركة تكريم الرئيس التنفيذي، بعد هذا المشوار الطويل، بعد أن يتم اختيار خير خلف له.
عندما نقارن بين مؤشرات، ونسب الربحية من واقع قوائم شركاتنا القيادية أعلاه، قبل وبعد تولي الرئيس التنفيذي المسؤولية، نجد تباينا في الأداء، ففي الوقت الذي تحسنت هذه المؤشرات لدى بعض الشركات بعد قدوم الرئيس التنفيذي عن تلك التي قبلها، نجد أن الأمر عكس ذلك في شركات أخرى. مؤشرات النوع الثالث من الشركات لم تتغير في إشارة واضحة إلى تواضع تأثير الرئيس التنفيذي على ربحية شركته.
عندما نقارن أيضا التحديات التي واجهت قطاعات الشركات أعلاه نجد تباينا في أنواع وأحجام التحديات ففي الوقت الذي واجهت فيه بعض القطاعات تحديات تشغيلية، واجهت قطاعات أخرى تحديات تسويقية. وفي الوقت الذي حظيت فيه بعض القطاعات بعوائد غطت على الإخفاقات، شهدت قطاعات أخرى تحديات ربحية كانت كفيلة بتجاهل كل الإنجازات.
تصل الاستراتيجية بين السياسة والتخطيط. وتصل الاستراتيجية والتخطيط معا بين الغاية والأهداف. الاستراتيجية ثابتة لا تتغير، والتخطيط مرن بمرونة المكان والزمان. سؤالان يستأنسان الطرح، ما انعكاسات استراتيجية الرؤساء التنفيذيين لشركاتنا القيادية على الربحية؟ ألم يحن الوقت لتجهيز قيادات وطنية شابة تتولى مسؤولية الشركات القيادية في المستقبل؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي