نظام المرور وأهمية تطبيقه في الممارسات العملية
في مناسبات عديدة نسمع من الناس توجيه النقد لنظام من الأنظمة على أساس أن به بعض العيوب من نقص أو ضعف في العقوبات (الجزاءات) على مَن يخالف الأنظمة أو لا يتقيد بالالتزام بها, وهذا النقد في بعض الأحيان قد يكون في محله عندما يكون النظام قديما ولا يتماشى مع المستجدات والتطورات المتتابعة, نظرا لعدم وجود نصوص تحكمها وهذا لا يمكن أن يؤخذ بعمومه, أو يجعل منه عذرا إذ قد يكون النقد غير صحيح وأن العيب ليس في النظام وإنما بسبب التقصير والقصور في تنفيذه, وهذه هي مشكلة المشاكل والمصيبة المؤلمة لما نشاهده من حوادث مرورية, ولذا فإن النظام في هذه الحالة يعد معطلا جزئيا لعدم تطبيق بعض نصوصه.
أقول هذا التمهيد بمناسبة ما قرأته في مقال الزميل الدكتور محمد بن عبد العزيز الصالح بعنوان "المجازر المرورية والقسوة المطلوبة يا أعضاء مجلس الشورى" المنشور في صحيفة "الجزيرة" في يوم الثلاثاء 15/1/1427هـ الموافق 14/2/2006 وقد ركز في هذا المقال على ضرورة تشديد العقوبات على المخالفات المرورية التي تتسبب في حصول حوادث ينجم عنها (مجازر) قتل وإصابات جسيمة نتيجة السرعة الجنونية التي تجاوز السرعة المحددة نظاما, أو قطع الإشارات أو السير في الشوارع بعكس المسار وغير ذلك من المخالفات الكثيرة, وما ذكره يعد صحيحا من خلال ما يلحظه أي شخص ـ يوميا ـ من حوادث مؤلمة ومزعجة تحصل بين الحين والآخر, ولعل الدكتور محمد بصفته من المختصين في القانون يدرك أن هذا بسبب عدم وجود رادع لأن العقوبات غير شديدة وبالتالي غير رادعة, فهو بهذا يوجه النداء إلى أعضاء مجلس الشورى عندما عرف أنهم بصدد مناقشة مشروع نظام المرور والتصويت على نصوصه.
ومشروع نظام المرور ما هو إلا تحديث للنظام المعمول به الآن, والذي لم يكن سيئا من حيث شدة العقوبات حتى يمكن وصفها بأنها غير رادعة وغير زاجرة, ومن ثم يعتقد بعض الغيورين أن كثرة الحوادث الحاصلة من جراء المخالفات بسبب تدني مستوى العقوبات, أي كونها عقوبات خفيفة غير رادعة وغير زاجرة وبالتالي ينادي بضرورة تشديدها, وهذا ليس صحيحا بإطلاقه ذلك لأن العقوبات لها تأثير وأثر في الردع والزجر والتقويم والاستقامة فيما لو طبقت حقيقة وفعلا على كل مخالف وبحزم وجدية, فالنظام على قدمه لصدوره منذ 36 سنة تقريبا, قد صدرت قرارات تنظيمية مكملة له مأخوذا في الاعتبار المتغيرات التي حدثت سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية وفنية مثل صدور قرار مجلس الوزراء رقم 137 وتاريخ 15/8/1418هـ, بإجراء تعديلات عديدة على النظام, وكذلك القرار الذي رتب عقوبة على عدم ربط حزام الأمان وطبق بآلية بفعالية جيدة فترة من الزمن وصار هناك التزام بربط الحزام لكن بعد فترة خفت جهود رجال المرور في الرقابة فعاد الوضع إلى ما كان عليه بشأن عدم الالتزام بربط حزام الأمان, كذلك صدر قرار مجلس الوزراء بشأن التأمين الإلزامي على رخصة القيادة وطبق ولكن بشكل غير حازم وفي حالات محدودة عندما يرغب شخص في تجديد رخصة القيادة, ولذا فإن عدم تطبيق النظام والعقوبات الموجودة فيه كان السبب في إرجاع أسباب المخالفات إلى أن العقوبات خفيفة وغير رادعة, وهذا غير صحيح ولذا أرى أن السبب الحقيقي عدم وجود آليات وانضباط وحزم في تطبيق النظام.
وما أكثر ما نشاهد من مخالفات تحصل مثل قطع الإشارات والسرعة الجنونية والتجاوزات غير النظامية من اليمين إلى الشمال أو بالعكس دون مراعاة السيارات الأخرى, وهذا يؤدي إلى حصول اصطدامات وحوادث مؤلمة جدا, وأنا شخصيا أشاهد يوميا مخالفات عديدة لعكس السير عنوة وتعمدا لضعف إرادة السائق واستهتاره فهو لا يريد أن يأخذ المسار الصحيح لبعض الأمتار ليدخل مع المدخل الصحيح, وإنما يعكس المسار ليدخل من مدخل آخر أقرب إلى مقصده مثل المسجد والمدرسة أو المحل التجاري, بل وشاهدت سيارة أمن يحصل من سائقها عكس المسار بمثل السائق المتهور المعاند المرتكب لهذه المخالفات ولهذا ينطبق قول الشاعر:
إذا كان رب البيت للدف قارعا
فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
فإذا كان رجل الأمن من سائقي المرور أو النجدة يرتكب هذه المخالفات ناهيك أنهم يشاهدون بعض المخالفات ترتكب ولا يحركون ساكنا ولا يوقفون أو يتعقبون السائق المخالف ويعدون محضر ضبط بالمخالفة الحاصلة منه حتى توقع العقوبة المناسبة عليه, ولذا نرى كثرة الحوادث وجسامتها والأضرار المسببة لها من دهس أو صدم تكون نتيجته حالات وفاة وإصابات بجروح وكسور وإتلاف.
لما تقدم أقول وبكل صراحة إنه إذا صدر النظام الجديد فإنه لن يفيد إذا كان الوضع على ما هو عليه الآن, بل لا بد من معالجة أسباب القصور والتقصير في تطبيق النظام ووضع آليات فاعلة, ومتابعة ذلك من قبل القيادات المرورية بجدية وحزم لحث أفراد المرور في بالعمل بجدية وفعالية بضبط المخالفين, فإذا كان هناك نقص في الأفراد يزاد عددهم ويؤهلون التأهيل الكافي للعمل وأن تطلب الأمر إنشاء معهد للتأهيل المروري أو زيادة التخصصات في مجال المرور مناهج كلية الملك فهد الأمنية أو برامج مكثفة لدورات تدريبية لتأهيل أفراد المرور سواء الموجودين حاليا أو الذين يتم تعيينهم مستقبلا بحيث لا يبدأ العمل إلا بعد التأهيل فأهم أمر هو تطبيق النظام بدقة وعناية فإن لم يحصل هذا فإن المخالفات ستستمر والنظام في حد ذاته لا يمكن أن يكون له دور لأنه مجرد نصوص مكتوبة فلا توضع في الأدراج أو في الرفوف, بل لا بد من تطبيق النظام بحزم وعناية تكفل القضاء أو الحد من المخالفات التي تتسبب في حصول الحوادث, والله الموفق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.