المكتبات الجامعية وبدائل التمويل
<a href="mailto:[email protected]">fah_arab@yahoo.co.uk</a>
الثقافة هي الغذاء الحقيقي للعقل والوجدان, كما أنها تنمي الأحاسيس، فترتقي بالذوق العام وترسخ القيم النبيلة في المجتمع. وإذا ما ظل المجتمع منهمكا في غذاء العقل بغذاء البدن فإن السأم سيطول الفكر وسيسير المجتمع بدون هدى. على مدى العشرين عاما الماضية انهمك المجتمع في تحسين وضعه الأسري وتربية الأبناء وإعدادهم لمستقبل مشرق, ولم يعر القراءة وقتا كافيا, إلى أن بدأت الصحف في جذب المجتمع للقراءة اليومية, ثم حفزت بعض الفضائيات وسيلة البحث عن المعلومة, إلى أن أطلت الإنترنت بعولمتها الصاخبة وانفتاحها العشوائي على العالم، فزادت المجتمع رغبة في تنمية ثقافته بكل وسيلة متاحة. ولقد كان لمعرض الكتاب الدولي الأخير الأثر البالغ في المجتمع السعودي بأكمله, فلقد شوهدت الأسر من كل مناطق المملكة وقد انبهروا بأسلوب العرض ونوع المعروض ومحتواه وكَمه ومصادره المتعددة والمستوى العلمي والثقافي لما يعرض. إضافة إلى ذلك ما صاحبه من محاضرات متخصصة وثقافية مكّنت الزائر وعائلته من قضاء وقت طويل من غير أن يشعر بالملل أو الضجر. كلمة إعجاب وتقدير نسجلها لوزارة التعليم العالي وللقائمين على أنشطة المعرض المختلفة ونقول: حقاً "بالثقافة تدوم التنمية".
الآن وقد قامت الوزارة بهذا العمل الجبار، فماذا لدى الجامعات لتكمل المسيرة من خلال المكتبات الجامعية وتوافر المصادر العلمية للمجتمع بكافة فئاته ومستوياته. إن تراجع مقتنيات المكتبات الجامعية، وبالتالي ضعف قدرة المكتبة الجامعية على قيادة التثقيف العام والمنهجي لمجتمعنا, زاد من حنين المجتمع للكتب والمؤلفات المتخصصة والعامة التي افتقدها عقودا مضت. لقد ثبت بما لا يقبل الشك فقدان المكتبات الجامعية لهيبتها لاعتمادها على المخصص السنوي المعتمد في ميزانية الجامعة وعدم الاهتمام بالكتاب ورفعه إلى مكانته الطبيعية. إن باستمرار تحديد كيفية توزيع البنود قيد آراء أشخاص وليست بناء على دراسات وإحصاءات ومؤشرات, وبعدم تغيير مفهوم الدعم للمكتبة وللكتاب الجامعي ونشره, واستمرار النظرة المتحفظة على المعلومات سيؤدي إلى تدهور ثقافة الأستاذ الأكاديمي نفسه عندما يتخلف في علمه ومعرفته عن الطالب المثقف أو العامي المطلع، الذي أصبح يقضي جل وقته متصفحا الإنترنت.
إن وجوب نشر المعلومات واتساع قاعدة المشاركة فيها جعلا الموازنات السنوية للمكتبات الجامعية في معظم دول العالم, تعد وتنشر في تقارير مفصلة توضح كيفية توزيع البنود للصرف منها على مختلف المقتنيات, مع إحصائيات دقيقة عن عدد الزوار والمستفيدين وماهية التخصصات الأكثر إيثارا, وكيفية ترشيد الإنفاق مقابل زيادة الاشتراكات. فعلى سبيل المثال, ذكر في موقع إحدى الجامعات أنه قد خصص للمكتبة الرئيسة وفروعها مبلغ 3.5 مليون دولار للدوريات المطبوعة, ومبلغ 1.2 مليون دولار لتطوير مقتنياتها من الدوريات الرقمية. في المقابل نجد أن مواقع مكتباتنا الجامعية على الإنترنت إما أنها تحت التأسيس, وإما لا نجد في الصفحة سوى سنة التأسيس واسم المسؤول وأرقام هواتفه وعنوانه البريدي. أم حضوريا، فالسؤال عن غير المعلومات المنشورة يعتبر تجاوزا للخط البرتقالي المائل للاحمرار. وسؤالي هو: متى نتمكن من إتاحة معلومات المكتبات الجامعية على الإنترنت؟.
إن تأخر الأتمتة, واستمرار معوقات توفير الكتاب, وعدم توظيف أو تفعيل دور المختصين, أدلة على قصور المخصصات ولا بد من التفكير في بدائل للتمويل مع ضرورة زيادة المخصصات الحالية. إن تنامي أسعار المؤلفات بأنواعها والاشتراك في الدوريات بنوعيها جعل الناشرين يفرضون عمولات ورسوما وضرائب تضاف للأرباح بحجة تكاليف سرعة التوريد, وتحويل بعض الورقيات إلى هيئة رقمية وتعديل النشر من الطباعة إلى الرقمنة, بالإضافة إلى دفع أجور الخدمات والشحن وفرق سعر نوعية الطباعة وندرة التخصص, ثم بعد ذلك فرق سعر العملة... إلخ. كما وأن تنظيم الحقوق بين الناشر والمؤلف والمكتبة بعد رقمنة المؤلفات وإخضاعها لنظام "قانون العقود" من بعد "حقوق الطبع أو النسخ" حتم استمرار عملية التحديث الدورية لقوانين العقود الرقمية التي أصبح المستفيد مؤلفا كان أم مكتبة هو الخاسر في هذه القضية. لذلك لا بد لنا من التعامل الإيجابي مع مثل هذه الظروف. وأول ما يمكن التفكير فيه هو ضرورة زيادة دعم مخصصات المكتبات الجامعية من قبل وزارة التعليم العالي إلى ثلاثة أضعاف على الأقل لتوفير الأساسيات للطالب في المقام الأول. وعلى الجامعات الاعتماد على الدراسات والأبحاث الجامعية والعلمية في الاهتمام بوضع المكتبات وخدماتها في كيفية الاستفادة من هذه المخصصات. تنفيذياً, لا بد من تخصيص الجزء الأكبر من المخصصات للتزويد وبناء المجموعات وبالذات قسم الدوريات وقواعد البيانات. أما خدمات المكتبة، فيجب أن تبدأ في الاعتماد على بدائل للتمويل مثل: الإفادة من صندوق الطلاب الذي تتنامى فيه المبالغ سنويا من دون أن يعود على الطالب أو المنسوب بفائدة حقيقية. كما يمكن انتهاج التعاون البيني بين الجامعات المحلية (حكومية وأهلية) والخليجية أو العربية أو حتى العالمية في تبادل المصادر وتخفيف عبء الاشتراكات حسب التخصصات في كل جامعة. ويمكن اللجوء إلى اتحادات مكتبية وتكتلات معلوماتية مخطط لها بعناية تحافظ على القارئ سواء الحضوري أو المتصل عبر الخط المباشر أو المشترك حتى وإن تم اللجوء إلى وضع بعض الرسوم الرمزية (المقبولة) لغير المنسوبين لقاء بعض الخدمات مثل الإحاطة الجارية أو الإعارة بين المكتبات... إلخ. أما الجامعات والجهات التي تتبنى برنامج التعليم الموازي أو التعليم المدفوع فيمكن أن تستفيد من الدخل في تحديث الأنظمة والأجهزة دوريا ضمن خطة تعد لذلك, والاشتراك في قواعد بيانات وعقد اتفاقات مع بعض الناشرين تسهل للأساتذة وللباحثين والطلاب الاطلاع المتواصل على كل ما هو جديد في الإنتاج الفكري سواء مطبوعا أو رقميا, وتعزيز الأمن المعلوماتي وأمن الممتلكات بكافة أنواعها. قد يكون من المفيد أيضا تخصيص بعض مساحات المكتبة أو موقعها الإلكتروني أو الخدمات المكتبية للإفادة من عائدها في تطوير معلومات ومهارات القوى العاملة المتخصصة إداريا وفنيا. إذا ما تحقق ذلك، وكل ما يمكن أن يدعم الكتاب ونشره فستغنينا المكتبات الجامعية عن السباحة خارج شواطئنا, وسنجد في باحات الجامعات معارض دائمة للكتاب.