اتهام "الأموال الساخنة" بزيادة هبوط الأسواق الخليجية
تباينت آراء الاقتصاديين والمحللين حول الدور الذي تلعبه الاستثمارات الأجنبية أو ما يسمي بـ "الأموال الساخنة" في البورصات الخليجية، فهناك من يتهمها بأنها السبب في الفقاعة التي طالت سوقي الإمارات وقطر بالتحديد.
وعلى النقيض هناك رأي آخر يرى أن الأسواق بحاجة إلى استثمار أجنبي مؤسساتي يمتلك الخبرة التي تسهم في تطوير الأسواق المالية الخليجية وكفاءتها، خصوصا إذا ما تدفقت الاستثمارات الأجنبية في شكل صناديق استثمار تديرها شركات مالية أجنبية معروفة.
وكان سلطان بن ناصر السويدي محافظ المصرف المركزي الإماراتي قد كشف أخيرا عن تبني "المركزي" مقترحا لسن تشريع يحدد ملكية الأجانب الأسهم الإماراتية بعد أن قال إن "الأموال الساخنة" التي تدفقت على الأسواق عامي 2004 و2005 تسببت في زيادة هبوط السوق ولا يعرف ما إذا كان ذلك مؤشرا على حدوث "ردة" على التعديلات التي كانت قد أقرها مجلس الوزراء قبل عامين التي تجيز للأجانب تملك حصص في رساميل الشركات الإماراتية، حيث كانت الإمارات في مقدمة الدول الخليجية التي سمحت لغير الإماراتيين بالتعامل في أسهم الشركات الوطنية وبناء على هذه التعديلات سمحت غالبية الشركات بما في ذلك البنوك بتملك حصص تراوح بين 15 و49 في المائة من أسهمها بل إن شركة سلامة للتأمين سمحت للخليجيين بتملك 100 في المائة من أسهمها.
وحسب إحصائيات سوق دبي المالية فإن استثمارات الأجانب تجاوزت 100 مليار درهم في الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي, ويشكل الأجانب نحو 25 في المائة من إجمالي عدد المستثمرين في السوق البالغ 520 ألف مستثمر كما تشكل تداولاتهم نحو 30 في المائة من إجمالي تداولات السوق يوميا. ويتصدر المستثمرون السعوديون قائمة المستثمرين الأجانب من حيث العدد وحجم الاستثمارات في السوق، حيث بلغ عددهم 37.727 ألف مستثمر تقدر استثماراتهم بنحو 32.1 مليار درهم منذ بداية العام الحالي, وتشكل استثمارات السعوديين نحو 86.2 في المائة من إجمالي تداولات الخليجيين البالغة 37.2 مليار درهم و8 في المائة من تداولات سوق دبي البالغة 399 مليار درهم بيعا وشراء.
وكثيرا ما وجهت الاتهامات بالتحديد إلى الاستثمارات السعودية بأنها السبب في تراجع سوق دبي عندما بدأت بالخروج فور بدء موجة التصحيح في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، حيث سيّل العديد من المستثمرين السعوديين جزءا من محافظهم الاستثمارية.
لكن السؤال هو هل لعبت "الأموال الساخنة" دورا في الهبوط الحاد الذي طال الأسواق؟ وهل تدخل الاستثمارات الأجنبية الأسواق بهدف المضاربة فعلا كما يقول عدد كبير من الوسطاء والمحللين الماليين؟
يقول محللون ماليون إن استثمارات الأجانب في الأسواق المالية تهدف إلى المضاربة ولا تسهم في إيجاد طاقة إنتاجية جديدة باعتبار أن الاستثمار في الأسهم ما هو إلا نقل ملكية من مساهم إلى آخر. وأضاف أن اللافت هو أن فترة احتفاظ الأجانب بالأسهم التي تم شراؤها خلال الفترة الماضية كانت قصيرة وبالتالي أثرت سلبا في استقرار الأسواق المالية وهو ما أشار إليه محافظ المصرف المركزي الذي حذر من حركة "الأموال الساخنة" وتأثيراتها السلبية، خصوصا إذا خرجت بسرعة وبكميات هائلة وفي أوقات غير متوقعة وبالتالي يفترض في الجهات الرقابية اتخاذ إجراءات ووضع المحفزات التي من شأنها إطالة فترة الاحتفاظ.
ويرون أن تشجيع الاستثمار المؤسساتي وليس الفردي هو الأهم والمطلوب باعتبار أن الاستثمار المؤسساتي طويل الأجل وليس مضاربا ويستهدف الاستفادة من الطفرة الاقتصادية التي تعيشها الإمارات التي لها انعكاسات مباشرة على أداء شركات المساهمة العامة وبالتالي نمو ربحيتها.
ويؤكدون أن المستثمرين غير الإماراتيين كان لهم دور ملحوظ العام الماضي في إشعال نار المضاربة وآخر سلبي في تعميق حدة التراجع والتصحيح, ولدى البنك المركزي معلومات وافية عن حجم الأموال التي دخلت وخرجت سواء العام الماضي أو الحالي. وبيّن أن عددا من شركات سوق دبي المالية لا يسمح للأجانب بتملك أسهمها وفي مقدمتها البنوك وهذا يعكس ارتفاع مضاربات الأجانب في السوق، حيث بلغت قيمة تداولاتهم في الربع الأول من العام الحالي 64.5 مليار درهم من 215 مليار درهم إجمالي تعاملات السوق وتتركز معظم تداولات الأجانب على أسهم شركة إعمار.
لكن في المقابل هناك من يرى أن الأموال الأجنبية هي التي حركت الأسواق التي ظلت ثلاث سنوات منذ تأسيسها في 2000 تعاني من ركود وخمول.
وكان عيسي كاظم مدير سوق دبي المالية قد ذكر في وقت سابق أنه لا توجد "أموال ساخنة", وأخرى باردة بل هناك قرار استثماري يتخذه المستثمر بالاستثمار سواء لفترة قصيرة، متوسطة، أو طويلة الأجل. كما أنه يستثمر جزءا من أمواله بهدف المضاربة التي تعتبر "ملح السوق". وتابع أن المستثمر يحدد قراره بناء على معطيات محددة ويصعب القول إن هذه الأموال تدخل فقط للمضاربة فلدينا استثمارات خليجية متزايدة تتطلع إلى الاستثمار.
ويطالب علي الشهابي الرئيس التنفيذي لشركة رسملة للاستثمار الجهات الرقابية في أسواق المنطقة بالتفكير بشكل جدي بفتح الأسواق بشكل كامل دون قيود للاستثمار المؤسساتي الأجنبي، موضحا أن المؤسسات الأجنبية لديها الرغبة والسيولة لدخول أسواق المنطقة بشكل كبير، وهنا يمكن للحكومات مراقبة هذه التدفقات المالية لتجنب حصول فقاعة أخرى جديدة وذلك من خلال التحكم في بيع أسهمها في الشركات القيادية. فعندما يزداد الطلب تبيع الحكومات جزءا من الأسهم لتتحكم في نسبة الارتفاع، فيمكن على سبيل المثال أن تبيع الحكومات أسهمها عندما ترتفع قيمة الأسواق إلى أكثر من 20 في المائة سنويا لتمتص السيولة.
وأكد أن فتح الأسواق للاستثمار المؤسساتي الأجنبي وتخصيص الشركات سينتجان أسواقا واعدة، مستقرة، وعميقة، ما سيدعم عملية تطور الاقتصادات الخليجية بشكل صحي وسليم.