صعوبة عمل الهيئات الشرعية في البنوك التقليدية ومقترحات لتطويرها

صعوبة عمل الهيئات الشرعية في البنوك التقليدية ومقترحات لتطويرها

<a href="mailto:[email protected]">ssmartan@assarah.com</a>

أتاحت لي ظروف عملي السابقة فرصة العمل عن قرب مع أعضاء الهيئات الشرعية في بعض البنوك التقليدية والإسلامية، ولفترة ليست بالقصيرة. اتضحت لي خلالها الأهمية الكبيرة والدور الفاعل الذي تقوم به هذه الهيئات في تطوير المنتجات والخدمات المصرفية الإسلامية. كما تعرفت على طبيعة الصعوبات والإشكاليات التي تلازم عمل أعضاء هذه الهيئات ابتداء من القبول المبدئي للعمل في هذه الهيئات، مروراً بالممارسة الفعلية لمهامها، وحتى تقديم المقترحات وإصدار الفتاوى. إلا أن التقدير والاحترام لهذا الدور وتفهم ما يعانيه أعضاء هذه الهيئات من إشكاليات وصعوبات، لا يمنع من إبداء بعض الملاحظات على عملها بهدف مؤازرتها في جهودها نحو المزيد من العطاء والتطوير ورفع مستوى الأداء حتى تتمكن من مواكبة التوسع والتطور الذي تعيشه المؤسسات المالية والمصرفية والإسلامية منها بصفة خاصة.
ويمكن أن نوجز صعوبة وإشكاليات هذه الهيئات في عملها مع المصارف التقليدية في الآتي:
1. قبول العضوية في هذه الهيئات: يعتبر قبول العضوية في حد ذاته إشكالية، إذ أن ذلك يعني قبول العضوية في هيئات تقدم خدمة لمؤسسات مالية جل تعاملها ومصدر دخلها يقوم على أسعار الفائدة، المحرمة شرعا. وهي بذلك تسهم في نمو أرباح هذه المؤسسات، مقابل أجر أو مكافأة. ومما يزيد في تفاقم هذه الإشكالية ما يثار من وقت إلى آخر من انتقادات لأعضاء هذه الهيئات مثل التساهل في الفتاوي والمراقبة الشرعية ومحاباة البنوك وغيرها.
هذه هي الإشكالية الأولى التي يعيشها أعضاء الهيئات الشرعية ليل نهار، سمعتها تتردد في معظم اجتماعاتي معهم، وقرأتها بين السطور في معظم قراراتهم، شعرت بها في تصرفاتهم. كل ذلك على الرغم من التأكيدات المتكررة من إدارات هذه المصارف على صدق النيات والرغبة الصادقة في تطوير المصرفية الإسلامية وإحلالها تدريجيا محل المصرفية التقليدية.
ولا تبدأ الغمة في الانجلاء والإشكالية في التلاشي إلا عندما تنجح هذه الهيئات مع البنوك التي تعمل معها في التطوير والبدء في تقديم منتجات وخدمات مصرفية إسلامية وتحويل بعض الخدمات التقليدية إلي إسلامية. هنا فقط تهدأ النفوس وتهب نسمة من الاطمئنان والنجاح تعقبها نشوة النصر والرغبة العارمة في تسريع الخطى لمواصلة المسيرة.
2. تطوير بدائل للمنتجات القائمة: يعتبر تطوير البدائل هو أكبر تحدٍ لأعضاء الهيئة الشرعية، إذ من السهل النقد والتحريم لبعض المنتجات لكن الأصعب هو تطوير بدائل مقبولة شرعاً، تفي بمتطلبات جميع الأطراف ذات العلاقة. وهنا تثار تساؤلات عن كيفية تطوير البدائل، هل من الضروري أن نطور لكل منتج، منتج بديل أم نركز على مقاصد وأهداف المنتجات لتطوير البدائل. على كل حال فإن تطوير البدائل يتطلب فهماً لماهية المنتجات القائمة وأهدافها ومعرفة الأطراف ذات العلاقة، العقود والقوانين التي تحكمها وأخيراً آليات وإجراءات التنفيذ. متى تم ذلك وهو ليس بالشيء اليسير، تبدأ مرحلة تطوير البدائل. وهذه المرحلة تتطلب الكثير من البحث والنقاش والدراسات، يختلف مقدارها تبعا لنوع وطبيعة المنتج.
3. مدى تعاون إدارات البنوك: أي مدى استجابة وسرعة الإدارات المعنية في البنوك في تيسيرعمل هذه الهيئات من خلال توفير المعلومات المطلوبة والعقود والاتفاقيات، وتسهيل الوصول إلى الأطراف ذات العلاقة من عملاء وموظفين وبنوك وشركات دولية. وتقديم الدعم اللازم لتطوير الآليات وإجراءات التنفيذ، تدريب الموظفين ورفع مستوى توعيتهم بالمنتجات والخدمات الجديدة: وأخيراً التطبيق السليم والاستعداد للتضحية ببعض العملاء وبعض مصادر الدخل.
4. العملاء: تختلف استجابة العملاء وتقبلهم للمنتجات الجديدة حسب متطلباتهم المصرفية وطبيعة وحجم عملهم. فمتطلبات قطاع الأفراد هي بطبيعتها متواضعة قد لا تزيد كثيراً عن طلب تمويل استهلاكي، أو فتح حساب بنكي أو استثماري أو الحصول على بطاقة ائتمان. لكن ما يميز هذه الفئة هو حرصها الشديد على التأكد من سلامة المعطيات الشرعية بما في ذلك سماع الفتوى مباشرة من بعض أعضاء الهيئة الشرعية. أما بالنسبة إلى قطاع الشركات، فبحكم طبيعة وحجم التعامل مع أطراف دولية، فتجد صعوبة في تطوير بدائل تلبي متطلباتهم بالمرونة نفسها والسرعة المعهودتين نفسيهما في المنتجات التقليدية، مما يخلق شيئا من التردد وفي بعض الأحيان عدم اقتناع بالبدائل أو ربما عدم مبالاة. مما يصعب من دور ومسؤولية الهيئات الشرعية في توفير البدائل الملائمة وإقناع المتعاملين في هذا القطاع.
5. الأجهزة الحكومية ذات العلاقة:
من الطبيعي أن تخضع البنوك لإشراف ورقابة البنوك المركزية وتخضع للتشريعات والقوانين المحلية.إلا أن الهيئات الشرعية كثيراً ما تصطدم ببعض الأنظمة والقوانين التي تتعارض مع أساسيات المصرفية الإسلامية. مثل في حالة أدوات السياسة النقدية في البنوك المركزية وأدوات إدارة السيولة في البنوك، فهي جميعها تقليدية لا تقبل بها المصرفية الإسلامية، وهذا يحتاج إلى تفهم البنوك المركزية وتطوير أدوات وأوعية بديلة. وفي أحيان أخرى، قد لا نجد البنى التنظيمية لتنفيذ بعض آليات المصرفية الإسلامية، مثل في حالة الرهون والتقاضي أمام المحاكم الشرعية بالنسبة إلى البنوك، وأعني الإسلامية هنا.
كل هذه الإشكاليات التي تواجه الهيئات الشرعية لا تعفينا، وكما أشرت سابقاً من السعي إلى رفع مستوى الهيئات الشرعية من حيث النوع والكم لتفي بمتطلبات اليوم والغد لمسيرتنا الاقتصادية والمعاشية. وهذا ينطبق على جميع الهيئات الشرعية، سواء في البنوك التقليدية أو الإسلامية. وقبل استعراض بعض المقترحات لتفعيل دور وزيادة الاستفادة من الهيئات الشرعية، ينبغي الإشارة إلى نقطتين مهمتين:
أولاً: بدء هذه الإشكاليات في التقلص والانحسار بسبب توسع المصارف التقليدية وجديتها في تقديم المنتجات المصرفية الإسلامية لتلبية حاجة السوق في جو من المنافسة المحمودة.
ثانياً: قطع المصرفية الإسلامية شوطاً طيباً في هذا المجال، بحيث أصبح هناك كم جيد من المنتجات والفتاوي والمعرفة التي يمكن الرجوع إليها. كما زادت وتنوعت روافد المعرفة والدعم للمصرفية الإسلامية من خلال تزايد أعداد المؤتمرات، الندوات، الأقسام الأكاديمية، مراكز البحث، مراكز التدريب، المنظمات الدولية، والمجامع الفقهية التي تعنى بالمصرفية الإسلامية.

أما أهم المقترحات لتطوير أعمال الهيئات الشرعية المحلية، فتشمل الآتي:
1. توسيع قاعدة أعضاء الهيئات الشرعية من خلال استيعاب ذوي الكفاءة والاختصاص من قطاع الشباب.
2. وضع سقف على عدد الهيئات التي يمكن للعضو الواحد المشاركة فيها بحيث لا يتجاوز العدد مثلاً خمس هيئات.
3. أن يكون من بين أعضائها ممن له خلفية مصرفية إما بالممارسة وإما بالتخصص، يسهل على الهيئة فهم ما هية وآلية المنتجات وفهم لغة المصارف فيما يعرض من مذكرات وتقارير ومنتجات وغيرها.
4. العمل على نشر الفتاوى الشرعية لمختلف البنوك حتى تعم الفائدة وتكوين قاعدة معلومات تسهل وتسرع من تطوير هذا القطاع.
5. تطوير ودعم إدارات الرقابة الشرعية الداخلية في البنوك بما يمكنها من مساندة ومراقبة الإدارات المختلفة في سلامة تنفيذ قرارات الهيئات الشرعية.
6. إنشاء مراكز متخصصة ومرخصة لتقديم الاستشارات في المصرفية الإسلامية، والقيام بالمراجعة لأعمالها.
7. إيجاد هيئة شرعية استشارية تلحق بمؤسسة النقد العربي السعودي يرجع إليها في كل ما يتعلق بالجوانب الشرعية في المصرفية الإسلامية.
وبالله التوفيق،،،

مركز السراة للاستشارات المالية

الأكثر قراءة