تخليص أمريكا "الرهينة" من "الإدمان"
الولايات المتحدة الأمريكية تستورد من النفط 12.5 مليون برميل يوميا. وتنفق على شرائه نحو 174 مليار دولار سنويا. نسبة نفط الشرق الأوسط منها ليست كبيرة ومن هنا يمكن فهم رغبة بوش في الاستغناء عنه في المستقبل القريب, على اعتبار أن هذا النفط الشرق أوسطي بالذات يشكل حساسية خاصة لدى جماعات الضغط ذات الهوى اليميني المحافظ الجديد, وأن مجرد استيراده ينغص عليهم أحلامهم, نظرا لأنه يضخ جزءا من أموال هذه الدولة العظمى ليصب في إجمالي الدخول الوطنية لدول الشرق الأوسط!!
ولكيلا يحدث هذا تم اختراع التعويذة السحرية المغرية إعلاميا وشعبيا لتعزف على أوتار الشعب الأمريكي عن عظمة بلادهم "التي لا تقبل الضيم!!". جاءت التعويذة على دفعتين الأولى إيهام الشعب الأمريكي بحرص رئيسه على تجنيبه "الإدمان" على نفط الشرق الأوسط مع ما تحدثه كلمة "إدمان" من أثر نفسي يتطلع صاحبه للشفاء, وحين استهجن المحللون والخبراء ذلك واعتبروه توجها يجافي الواقع ويغالط الحقيقة, كانت الدفعة الثانية من التعويذة جاهزة تحت زعم عدم ترك أمريكا "رهينة" لنفط الشرق الأوسط.
حسنا .. لنأخذ على محمل الجد هذه التعويذة بشقيها على اعتبار أننا أمام دولة ليس من الحكمة الاستخفاف بقدراتها التقنية والمعرفية, ولا بمختبراتها ومعاملها وإخصائيي البحوث العلمية, وأن الطاقة البديلة آتية لا ريب فيها, فهي إن لم تشتق من النبات والهيدروجين والطاقات الأحفورية الأخرى, فهي موفورة حاضرة في الطاقة الذرية, التي ليس من الصعوبة جعلها اقتصادية وآمنة ومتاحة ربما لا يتطلب الأمر غير إعادة طرائق عمل ميكانيكا وكهرباء وهيدروليكا السيارات ومولدات الطاقة الأخرى.
ما يهمنا في هذا السجال عامل الوقت والظرف الراهن للعالم بشكل عام وللولايات المتحدة بشكل خاص. فإذا كان خبراء الطاقة في أمريكا قد استهجنوا كلام بوش واعتبروه كلاما جاء في غير محله ولا يستند إلى مبررات موضوعية, يبقى الدافع لما قاله هو بالفعل مجرد تعويذة سياسية تم حبكها لعلها تحدث آثارا نفسية سلبية تفت في معنويات الدول الشرق أوسطية من ناحية، وتداري في الوقت نفسه جرحا معنويا أمريكيا نازفا بسبب المهانة التي تواجهها أمريكا في العراق وفي اهتزاز الهيبة والمكانة الاقتصادية والسياسية لها عالميا.
وإذا نحن قمنا بالتسليم بأن أمريكا قادرة على امتلاك طاقة بديلة إلا أنها لا تستطيع احتكارها لها وحدها, باعتبار أن أي اكتشاف لأي طاقة على مدى التاريخ لم يبق سرا كهنوتيا وإنما سرعان ما أصبح الاكتشاف ملكا للبشرية, تأخذه بالمقايضة, أو تبحث عنه في أراضيها, أو تجند له عقول مواطنيها لإنجاز ما أنجزه الآخرون. ولن تكون أي طاقة بديلة حكرا على مكتشفها إلا لحين, وهكذا كان الفحم, ثم النفط, وتم تحطيم الذرة وتخصيبها وثبت أنها تقنية في متناول الجادين لامتلاكها, وبالتالي فلن يكون شفاء أمريكا من "الإدمان" ولا تخليصها كـ "رهينة" إلا نوعا من المغالطة بشأن عظمة تكابر في رؤية منحنى نزولها من القمة. في وقت لا تكاد دول الشرق الأوسط تلبي جميع طلبات حشد من الزبائن على الأبواب.
وحتى في حالة مجاراة السيد الرئيس بوش في تصديق تعويذته, التي يتستر بها لا شعوريا على أمنياته بأن يصبح نفط الشرق الأوسط زهيد القيمة وعديم التأثير, فسوف يظل النفط مصدرا لصناعات ريادية جدواها الاقتصادية تزداد قيمتها بمعدلات ترتفع يوما بعد يوم.. وقد تكتشف أمريكا أنها وقعت مرة أخرى رهينة لهذه الصناعات الريادية ومدمنة عليها!!