عود إلى ساحة الأسعار

عود إلى ساحة الأسعار

<a href="mailto:[email protected]">asidahmed@hotmail.com</a>

عاد موضوع أسعار النفط إلى الظهور مرة أخرى من خلال التوقعات التي بدأت تترى بشأن الانخفاض المتوقع من ناحية أو بسبب ظهور التأثيرات للأسعار المرتفعة على معدلات الطلب وانعكاسات ذلك على انبعاث التضخم من ناحية ومن ثم احتمال رفع معدلات الفائدة. وبغض النظر عن مدى الدقة في هذه التوقعات إلا أنها تشير إلى اتجاه عام ينبغي وضعه في الاعتبار والاستعداد له.
يلفت النظر كذلك تفاوت التقديرات بالنسبة لحجم التأثير الذي تلحقه العوامل الجيوسياسية والأمنية على معدلات الأسعار، إذ يضعها البعض في حدود 15 دولارا من سعر البرميل الحالي، بينما يرى آخرون أن الرقم يراوح بين خمسة وسبعة دولارات. وفي غياب أي معيار محدد فإن مثل هذه التباينات تضاف إلى حالتي عدم الوضوح والقلق اللتين تلفان السوق.
لكن من الواضح أن السوق تهيأت إلى استمرار مثل هذه التوترات مثلما هو الأمر عليه من حالة تعايش مع عدم قدرة الصادرات النفطية العراقية على الوصول حتى إلى المعدل الذي كانت عليه قبل الإطاحة بنظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
لكن إلى جانب هذه العوامل هناك القضايا المؤجلة، وأدمنت منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" ترحيلها من اجتماع إلى آخر، وعلى رأسها موضوع السعر وكيفية تحديد السعر العادل الذي يفترض أن تسعى المنظمة إلى الحصول عليه وتثبيته وربما الدفاع عنه من خلال تفعيل آلية الإنتاج.
آخر محاولة جرت في هذا الجانب هي إعمال فكرة النطاق السعري، التي خصصت أساسا لتجاوز البطء في اتخاذ القرار في الوقت الذي تتحرك فيه الأسعار بسرعة شديدة. وعليه كان الترتيب أنه اذا استقرت الأسعار فوق 28 دولارا للبرميل لفترة 20 يوم تداول وعمل تجاري يتم ضخ نصف مليون برميل يوميا تلقائيا ودون الحاجة إلى اجتماع للوزراء. ويتم الإجراء فقط من خلال رئيس المنظمة. كذلك فإنه اذا انخفضت الأسعار دون 22 دولارا للبرميل ولفترة عشرة أيام عمل وتداول تسحب نصف مليون برميل من السوق كذلك تلقائيا ووفق الحصص المقررة للدول الأعضاء.
ومع أن هذا النظام لم يعمل به لفترة طويلة لتحسن الأسعار ونموها حتى تجاوزها الواقع واضطرت المنظمة للإعلان عن وفاة هذا النظام التسعيري العام الماضي، إلا أنه كما أشرنا من قبل قام على أساس التسريع بالتحرك واتخاذ إجراءات تتعامل مع تحركات الأسعار صعودا وهبوطا، لكن الأساس السعري كان موجودا، وهو الغائب الرئيسي في الوقت الحالي.
"أوبك" أعدت لها استراتيجية بعيدة الأمد تناولت فيها العديد من القضايا، كما أن تصريحات الكثير من مسؤولي المنظمة تتحدث عن ضرورة الحوار بين المنتجين والمستهلكين، وأنها تحتاج إلى خريطة طريق فيما يتعلق بوضع الإمدادات المستقبلي، إذ لا تود التورط في استثمارات لمشاريع ضخمة لزيادة طاقتها الإنتاجية في الوقت الذي تبرز فيه مؤشرات على ضعف في الطلب، ناهيك عن التصريحات المتتالية من المستهلكين بضرورة تقليل الاعتماد على النفط.
وهذه كلها مخاوف حقيقية، لكنها لا تغني عن عمل أساسي يواجه المنظمة يبدأ بالإجابة عن السؤال المحوري: ما السعر الذي تستهدفه المنظمة تحديدا واضعة في الاعتبار كل العوامل من الحفاظ على سعر برميل النفط منافسا لمصادر الطاقة الأخرى، إلى جانب تلبية احتياجاتها المالية المتزايدة، وتوفير قدر من الفائض يسمح بالاستثمار في مشاريع لرفع الطاقة الإنتاجية ومقابلة الطلب المتنامي إلى غير ذلك من قضايا عديدة ومتشابكة ظلت على طاولة البحث لسنين عديدة؟
سجل المنظمة السابق في البحث عن توافق سعري لا يبدو مشجعا. فلأسباب هيكلية تتعلق بتطورات السوق تمتعت "أوبك" في عقد السبعينيات ولفترة ثماني سنوات تقريبا بالقدرة على التأثير في الأسعار من باب النمو في الطلب، لكن منذ مطلع الثمانينيات وبروز حالة التخمة التي ضغطت على الأسعار، فإن قدرتها على إدارة ذلك الوقت تميزت بالكثير من البطء، فقدان الاتجاه والتقلب بين سياسات الدفاع عن هيكل الأسعار، إلى تبني استراتيجية زيادة الحصة في السوق وتجاهل وضع الأسعار التي ظلت إما أقل من السعر المستهدف لفترة طويلة وإما في حالة تدهور كامل.
عنصر الطلب خاصة من السوق الآسيوية يبدو عامل توازن يقف حاجزا أمام تدهور الأسعار بالطريقة التي شهدتها أعوام 1986 إلى 1998، لكن ذلك لا يبدو خيارا نهائيا. فهناك فرق بين الاستمتاع بالأسعار العالية الناجمة عن أسباب ليس للمنظمة صلة بها، وبين التأثير في وضع الأسعار من خلال برامج وآليات محددة والاستفادة من فترة الهدوء النسبي الحالية استعدادا للأنواء التي عرفتها السوق من قبل، وهو ما يحتاج إلى رؤية مستقبلية تطول فيما تطول دور "أوبك" تفسها في عالم متغير ومسنو بإرادة سياسية تتجنب الكثير من دروس الماضي المؤلمة والمكلفة التي لا يشكل العودة إليها خيارا بأي صورة من الصور.

الأكثر قراءة