كيف خفت بريق الجنادرية ولماذا؟

لماذا كان لمهرجان الجنادرية في دوراته الأولى بريق ودوي في الداخل والخارج؟ ولماذا خفت البريق ولم يعد له ذلك الصدى؟ ولماذا فقد المثقفون اهتمامهم به وحفاوتهم بمقدمه؟ ولماذا لا يتقاطر الجمهور على فعالياته ولا يتهافتون على عروضه ولا يتلهفون إلى الذهاب إليه؟ حتى الصحافة وأجهزة الإعلام المرئية والمسموعة فقدت تلك الجذوة من الحماس لتغطية أنشطته أو ابتكار حوارات وندوات تستثمر المدعوين إليه والحاضرين فيه.
هل لأن الناس أصابهم السأم ولم تعد لديهم شهية للزاد الثقافي والتراثي، أم أن ما يعرضه المهرجان وما يقدمه لم يعد يشبع الفضول ولا يرقى إلى التطلعات؟! هذه أسئلة تتناثر من أفواه الكتاب والفنانين والشعراء والمثقفين بشكل عام, وأسئلة مثلها تعمر أذهان حتى أولئك الذين لا يهمهم من المهرجان إلا عروضه.
هذا الاحتباس في الرغبات وهذا الانطفاء في الحماس لا يمكن أن يكون عرضيا أو أنه اتفاق تجريدي حدث دون مبررات. ومع أننا لا نستطيع أن نرجع سبب ذلك إلى المثقفين ولا إلى عامة الجمهور, يبقى البحث عن أسباب ذلك موقوفا على اللجنة المنظمة للمهرجان, خصوصا أولئك الذين يضعون له البرنامج ويقترحون المحاور والأسماء التي ينبغي لها أن تشارك أو أن تحضر على الرحب والسعة.
وإذا كنا نحسن الظن باللجنة والعاملين فيها بأن هذه هي حصيلة اجتهادهم وجهودهم, فلا ينبغي أن نكتفي من المهرجان بمجرد انعقاده واعتبار ذلك منجزا بحد ذاته ولو كان أداؤه كيفما اتفق. كما أنه ينبغي ألا تأخذ اللجنة المنظمة هذا الرأي بحساسية, وإنما على أنه محاولة لفك الارتباط مع الاعتياد والروتين, وفك الارتباط مع القوائم الجاهزة والأنشطة الرتيبة شكلا وموضوعا.
تجارب الأمم والشعوب في إحيائها المهرجانات تؤكد أهمية التغيير والتجديد والتطوير, بدءا من اللجان المعنية إلى محتوى الأنشطة والفعاليات وأشكالها. فالدول لا تغامر بأن تذهب النفقات المخصصة لمهرجاناتها دون أن تحقق إشعاعا وإبهارا يستحوذ على اهتمام الحضور، ولا يسرها ولا تفخر بالانعقاد لمجرد الانعقاد وإنما تضع منهجا ديناميكيا يحول دون استنساخ الأشخاص والمواضيع والأنشطة والعروض، ولذلك يتم إسناد مهام إحياء المهرجانات الثقافية والتراثية والشعبية في كل مرة لنخب من أهل الاختصاص ومن أبناء الحياة الثقافية, وممن يكابدون الفكر وتجليات الإبداع, ومن هم في ثراء وتواصل مع مثقفي بلادهم وأمتهم والعالم.
ولكي نستعيد للمهرجان الوطني للتراث والثقافة بريقه ودويه, لا بد من التفكير جديا في وضع آلية مشحونة بروح العصر تسهم في تصعيد أعمال اللجنة المنظمة واللجان المساندة الأخرى, على ألا تظل هذه اللجان تكرر نفسها في كل عام وتعتبر مسؤوليتها عن المهرجان حكرا عليها وعلى رؤاها الخاصة في إبراز المنجز التراثي والثقافي ووفق خياراتها للمواضيع وللأسماء وللندوات أو الأمسيات الشعرية والقصصية.
تكليف نخب من مثقفي وفناني هذا البلد وإعطاؤهم الصلاحيات في إخراج المهرجان شكلا وموضوعا هو ما ينقذ الجنادرية مما أصابها من رتابة وملالة. وهو ما يحفظ لثقافة بلادنا وتراثها مكانة متألقة في نفوس ضيوفه, وهو بالتالي ما يوجه الأموال المخصصة له في أقنيتها الصحيحة لتكون مخرجات هذا المهرجان على النحو الذي يزيده تألقا ويعمّق ارتباط مثقفي العرب والآخرين به.
دون ذلك, فسوف يأتي مهرجان الجنادرية ويمضي كأن لا حس ولا خبر!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي