مراكز للإسعاف السريع داخل المدن وعلى الطرق السريعة
من المعروف مدى تأثير الدقائق الحرجة التي تفصل بين الحياة والموت نتيجة تأخر وصول المريض وخاصة حالات السكتة القلبية أو الدماغية أو الحوادث الدرامية للإسعاف ومدى تأثيرها في إنقاذ حياة المصاب أو تجنبه السكتة الدماغية والموت. لذلك فإن قرب وسهولة الوصول إلى مراكز الإسعاف والمستشفيات من أهم المواضيع التي يجب أن نخطط ونهتم بها حرصاَ على حياة مواطنيها. ومواقع هذه المراكز يعتبر أهم مسببات نجاحها في توصيل الخدمة المرجوة منها للمجتمع. وهو تخصص معروف وله نظرياته وأسسه العلمية والتي يتم على أساسها بناء قاعدة معلومات وأنظمة تطبيقية ونماذج حاسوبية تربط بنظام المعلومات الجغرافية GIS وGPS ومسارات وأطوال الطرق والأنظمة المساعدة لاتخاذ القرارات التخطيطية. وهو عادة يكون مبنياً على أساس دراسة لنوعية السكان وأعمارهم وأجناسهم بالتناسب مع أسرع وأقرب الطرق للمستشفيات. وبالنظر إلى توزيع مواقع المستشفيات ومراكز الإسعاف السريعTRUMA CENTERS على الطرق السريعة وداخل المدن نجد أن المسؤولين عن توزيعها وتوقيعها لا يعبأون بهذه الأساسيات ولا يحترمون دور التخطيط للمواقع وبذلك فإن مواقع المستشفيات لا تخدم إلا وسط المدينة الشمالي وهو منطقة العليا ويضطر بقية سكان الأحياء الأخرى إلى القيادة مسافات طويلة ومزعجة خاصة عند الحالات الإسعافية للوصول إلى الخدمة. ولذلك يبقى اختيار مواقع هذه المراكز أهم عوامل تحديد كفاءة وضمان توزيع الخدمات الطبية بالتساوي بين السكان لضمان القرب وسرعة الوصول إلى هذه المراكز من السكان المجاورين. كما أن اختيار مواقع الخدمات يجب أن يتم على أساس تقليل المسافات التي يقوم بها السكان إلى مناطق الخدمات وخاصة المستشفيات. والمقصود بذلك هو عملية تقريب الخدمة من المستهلك. فالدراسات السكانية قد تحدد مواقع الكثافات السكانية في المدينة لكل شريحة من الأعمار وتحاول أن توفر الخدمات المناسبة لها بحيث تكون في منطقة أو مناطق قريبة من تمركز مستخدميها.
عندما ننظر إلى مواقع مستشفيات النساء والولادة التي يمكن أن تخدم أعدادا جيدة على سبيل المثال داخل مدينة الرياض فإننا نجدها تتركز في الوسط الشمالي للمدينة وخاصة منطقة العليا وتبقى بقية أجزاء المدينة خالية تماماً من مثل هذه المستشفيات. وحيث إن حالات الولادة هي من الحالات الإسعافية التي تشغل حال رب العائلة وتجعله دائماً في حالة استنفار وخاصة خلال الأشهر الأخيرة للحمل وذلك حرصاً على سرعة الوصول إلى المستشفى القريب وهو عادة ما يكون في موقع بعيد عن معظم سكان المدينة.
لذلك فإن هناك عاملين مهمين لاختيار أنسب المواقع:
* الأول: يهتم بتحديد مساحة أو نطاق وصول الخدمة وهو تحديد المسافة أو المساحة النموذجية التي يمكن تغطيتها بواسطة خدمة واحدة Service or Catchment Area وتوزيع المراكز بالتناسب مع الكثافات السكانية بحيث لا يكون هناك تضارب واضح في المواقع.
* الثاني: يهتم بعملية تجميع وتوفير المصادر المالية والعلمية لبناء هذه المراكز Economic Efficiency ومحاولة تقليص المصاريف التشغيلية والإدارية الزائدة أو المهدرة لاحتياجات غير ضرورية وتسخيرها للحصول على مراكز أكثر وأقل تكلفة بحيث يشمل نفعها الجميع. وهو عملية الاستفادة المثالية من الموارد الصحية للحصول على أقصى استفادة للمجتمع بأقل تكلفة ممكنة.
ومن المسلم به أن اختيار الموقع للخدمات وغيرها هو علم مهم وقائم بذاته وله نظرياته ويتم عقد مؤتمرات علمية سنوية ودورية لتطويره. وهو علم يقوم أساساً على عمليات أنظمة ونماذج حاسوبية Simulation Models وباستخدام نظريات الجاذبية والمسافات البينية وعلاقتها بالمسافات التي يمكن توفيرها على الأغلبية من السكان. وأخيرا تم ربط هذه النظريات بنظام المعلومات الجغرافي GIS والذي يعطي أفضل الطرق لاختيار أنسب المواقع المثالية للخدمات التي تلبي حاجة الجميع دون إضرار.
وتحديد مساحة الخدمة Service Area يتطلب معرفة عدة عوامل معقدة ومتداخلة لتحليل المواقع واختيار أنسبها. وتتفق النظريات العلمية تقليدياً على أن أهم عامل هو أن تكون الخدمة قريبة من المستخدمين أو سوقها. وتعتمد هذه الدراسات على"نظرية الموقع المركزي" لصاحبها العالم الألماني كريستالر التي تعتمد على عدة فرضيات تتعلق بالتوزيع السكاني علي أحياء المدينة والتوزيع الهرمي للخدمات الصحية وسلوكيات الناس ومدى ما تستطيع الخدمة الوصول إليه. وتواصل البحث العلمي بعد ذلك حتى برزت في الآونة الأخيرة نظريات متقدمة وباستعمال نماذج ومعادلات حاسوبية دقيقة Simulation Models لاختيار أفضل وأنسب المواقع لأي نوع من الخدمات سواء كانت صحية أو تعليمية أو اجتماعية وحتى التجارية والاستثمارية كالأسواق والبنوك. وهذه المعادلات الحاسوبية تعتمد على قاعدة معلومات جيدة مبنية على معايير دقيقة عن التكوين السكاني لكل حي بالمدينة وكثافة السكان ومعدل أعمارهم وتعداد الذكور والإناث والأطفال وقوتهم الشرائية ومستواهم التعليمي والاقتصادي. وتعتمد أهم العوامل التي تدخل في تركيب أي معادلة لاختيار المواقع على ما يلي:
1- المسافة وتوافر المواصلات. كلما قصرت المسافة بين الموقع والكثافات السكانية أو الأحياء التي تكثر بها العائلات كلما كان الموقع مشجعا للاستعمال.
2- سلوكيات المستعملين.
3- الكثافة والتوزيع السكاني: قرب الموقع من الكثافات السكانية.
4- الخصائص السكانية (الديموقرافية). والقوة الشرائية.