شركات النفط الروسية تفرد أجنحتها للتوسع عالميا

شركات النفط الروسية تفرد أجنحتها للتوسع عالميا

تسعى شركة غازبروم الروسية إلى بناء شبكة توزيع في القارة الأوروبية وتمتد إلى الولايات المتحدة والصين، كما تسعى إلى استغلال احتياطياتها للحصول على مرافق للغاز الطبيعي في الدول المستهلكة. وتخطط "روسنفط" من جانبها أيضا لبناء شبكة توزيع للغاز في الصين. ويرى المحللون أن روسيا تعمل على أن تصبح اللاعب الرئيسي فيما يتعلق بالغاز الذي يفرض شروطه في سوق الطاقة على الشركات الأخرى مثل "شيفرون"، و"بي. بي" والبيع مباشرة إلى المستهلكين.
وفيما يتعلق بالنفط، فإن الاحتياطي الروسي هو الأكبر خارج "أوبك"، خاصة مع استبعاد نفط الرمال الكندي. ومع الارتفاع الذي تشهده السوق النفطية وتصاعد الإنتاج رغم تباطئه خلال العام الماضي، فإن هناك أحساسا أن روسيا تستقبل صباحا جديدا بعد الانهيار الذي قادها إليه جورباتشوف.
روسيا الآن لديها موارد وموقع استراتيجي، فهناك مثلا حقل شتوكمان، الذي يقع على بعد 550 كيلومترا إلى الشمال من مورمانسك في بحر بارينتس، الأمر الذي سيمكن من التصدير إلى شرق الولايات المتحدة. وقد يشكل هذا محور صفقة كبيرة بين روسيا والولايات المتحدة هذا العام. وتخطط "غازبروم" إلى إبرام الصفقة التي قد يبلغ حجم الاستثمار فيها عشرة مليارات دولار، واختيار الشركاء، الذين سيتملكون حصة أصغر من تلك الخاصة بـ "غازبروم" وفي الحقل الذي يبلغ حجم الاحتياطي فيه 3.6 تريليون قدم مكعب، وهو ما يعادل سبعة أضعاف الاستهلاك السنوي لدول الاتحاد الأوروبي.
وفي أيلول (سبتمبر) الماضي أعلنت "غازبروم" قائمة شركاء محتملين تضم "شيفرون تكساكو"، "كونوكو فيليبس"، "نورسك هايدرو"، "شتات أويل"، و"توتال"، وذلك بهدف استخدام الاحتياطي الخاص بالشركة لبناء صورتها الدولية وتحقيق أهداف سياسية وتجارية. فالقيادة الروسية أوضحت بجلاء أنه لا مانع لديها في المقايضة، أي أن تحصل الشركات الأجنبية على حصص مقابل السماح لـ "غازبروم" بالوجود في بلدانها.
وتركز "غازبروم" على البيع بالتجزئة الذي يعود عليها بعائد أكبر. والفرق بين الاثنين يراوح من 1.9 مرة مقارنة بسعر الجملة في فرنسا إلى 6.7 مرة في الدنمارك، وذلك وفق دراسة لـ "جولدن ساكس". وبلغت مبيعات "غازبروم" إلى أوروبا العام الماضي 25 مليار دولار. كما تنظر بجدية إلى إمكانية دخول "روسنفط" إلى السوق الصينية.
وتسعى "غازبروم" إلى تحقيق أهداف بعيدة المدى، فإلى جانب الإغراء الذي يمثله دخول السوق الأوروبية للبيع بالتجزئة، فإنها تعمل بجد كي توجد حقائق على الأرض تجعل من الحديث عن مد خط أنابيب من تركمانستان إلى أوروبا عبر تركيا مجرد حديث لا يجد له سندا واقعيا. وبرزت الفكرة بصورة جدية بعد قيام روسيا مطلع نيسان (أبريل) بوقف صادرات الغاز إلى أوكرانيا لخلاف حول الأسعار، الأمر الذي دعا الأوروبيين إلى التساؤل عن مدى الاعتماد على روسيا مصدرا مأمونا للطاقة.
لكن "غازبروم" مضت قدما في إبرام الاتفاقيات لتمتين شراكتها مع الأوروبيين. وبدا البعد السياسي واضحا في الاتفاق الذي أبرم مع شركة ونترشال الألمانية في نيسان (أبريل) الماضي في مدينة تومسك السيبيرية، وهو الاتفاق الذي حضر حفل توقيعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل. والاتفاق يعطي "ونترشال"، وهي فرع من الشركة الألمانية العملاقة "باسف"، حصة 35 في المائة في حقل يزهنو روسكوي للغاز، الذي يعتقد أنه يحتوي على 600 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي، مقابل حصة 35 في المائة في المشروع المشترك بين "غازبروم" و"باسف" يمكن أن ترتفع إلى 50 في المائة. كما تخطط "غازبروم" لتوقيع اتفاق مماثل مع شركة أخرى هي "أي. أون".
وأدت هذه الخطوات إلى قيام الشركة الأمريكية مونسريف بالتحرك لرفع قضايا ضد "غازبروم" وذلك على أساس أنها أخلت بالعقد الموقع بينهما لاستغلال ذات الحقل منذ عام 1997. وكانت الشركة الأمريكية قد دخلت في التعهد الذي يتطلب استثمار ما بين 800 مليون إلى مليار دولار لتطوير الحقل مقابل حصة 40 في المائة من ملكيته. وتقول الشركة إن تعاقدات "غازبروم" الأخيرة فيها افتئات على حصتها تلك. وتسعى الشركة إلى الحصول على إفادات قانونية من المحاكم الألمانية بوقف نشاط الشركات الألمانية، وهو ما يعتقد محامو هذه الشركات ألا سند قانونيا له. وهذا مسعى لاستغلال موارد الغاز خدمة لأهداف سياسية واقتصادية تتماشى مع سياسات بوتين، الذي يريد استعادة دور روسيا لاعبا مرموقا على الساحة الدولية.
وبالقدر نفسه ينظر بعض المحللين بعين متفحصة إلى عدم قيام روسيا بزيادة إنتاجها النفطي خلال الفترة الأخيرة رغم ظروف السوق المواتية والأسعار القياسية التي تحققها مبيعات النفط. فهناك من يرى أن بوتين يتصرف عن قصد لعدم زيادة الإنتاج وذلك لضمان إبقاء الأسعار مرتفعة، كما يقول بعض قدامى من زاملوه في العمل مثل أندريه أليانوفو الذي عمل مستشارا اقتصاديا لبوتين لكن اختلف معه بعد ذلك. لكن البعض الآخر يرى أن إحكام القبضة الحكومية عاد على الصناعة النفطية بنفس الأمراض من قلة فاعلية في إدارتها، ويدللون على ذلك بالقول إن الإنتاج النفطي الروسي ارتفع من 6.2 مليون برميل يوميا عام 1998 إلى 9.2 مليون في 2004، أي بزيادة 50 في المائة في غضون ست سنوات، وكانت البداية بوقف التدهور في إنتاج الحقول من خلال اللجوء إلى تقنيات حديثة مجربة في تكساس، من بينها اللجوء إلى الضغط بالبخار بما يسمح للنفط بالتدفق بعد تشقيق الحواجز الصخرية التي يوجد بينها أو خلفها، وشكل استخدام هذه التقنية في روسيا 10 في المائة من جملة استخداماتها حول العالم.
وجاءت هذه الزيادة في الوقت الذي زاد فيه استهلاك العالم من النفط من 74 مليونا إلى 82.5 مليون خلال الفترة نفسها، لكن خلال العامين الماضيين لم يحدث ارتفاع يذكر في الإنتاج النفطي الروسي، ولو أن الوكالة الدولية للطاقة تتوقع أن يحقق الإنتاج النفطي الروسي زيادة 265 ألف برميل فقط، أو 2.8 في المائة، بينما تضع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية رقما أكثر تشاؤما وهو أن تبلغ نسبة الزيادة هذا العام 1.5 في المائة تتقلص العام المقبل إلى 1.2 في المائة فقط.
وللاستمرار في تلبية الاحتياجات المتصاعدة تحتاج روسيا إلى الاستثمار كثيرا في التقنية الغربية خاصة مجالات المسح السيزمي ثلاثي الأبعاد والحفر الأفقي، الأمر الذي يكلف مليارات الدولارات حتى لرفع الطاقة الإنتاجية بمقدار مليون برميل فقط، كما يقدر فاتح بيرول كبير الاقتصاديين في الوكالة الدولية للطاقة، وهو ما لعب دورا كبيرا في تنشيط الإنتاج في العقد السابق مع انطلاق موجة التحرير الاقتصادي والترحيب بالشركات الأجنبية.
وتنظر روسيا بجدية إلى إبرام اتفاقات مع الشركات الغربية التي تقدم خدمات الصناعة النفطية مثل "هاليبرتون"، "شلومبيرجر"، و"بيكر هيوز" التي تكتفي بالحصول على استحقاقاتها المالية وتوفر بذلك التقنية المطلوبة بدلا من الدخول في شراكات مع شركات أمثال "شيفرون" و"إكسون" تبحث عن حقوق ملكية في الحقول.
ويعتقد كريس ويفر المستشار السابق لدى "أوبك"، أن 50 في المائة من حجم النمو في الطلب خلال السنوات الخمس الماضية تمت تلبيته بواسطة النمو في الإنتاج النفطي الروسي، وأن سعر البرميل كان يمكن أن يكون قد بلغ 100 دولار لو لم تتدفق تلك الإمدادات الروسية إلى السواق خلال هذه السنوات.
وأخيرا حذر تقرير صادر عن المنظمة الدولية للتنمية والتعاون الاقتصادي، من أن تدخل الدولة في قطاع النفط سيقلل من فرصها لرفع طاقتها الإنتاجية وبالتالي سيدفع المستهلكين إلى اللجوء أكثر إلى أحضان "أوبك" لتلبية طلباتهم، كما أن الفشل في عدم زيادة الاستثمارات في سيبيريا يهدد بحدوث تراجع في معدلات الإنتاج الحالية البالغة عشرة ملايين برميل يوميا خاصة بعد عام 2010. و لاحظ التقرير أن النمو العالي الذي أسهم في تلبية الطلب العالمي تراجع بصورة واضحة، وهو ما تزامن مع إحكام السيطرة على القطاع النفطي إثر تفكيك شركة يوكوس وسجن مؤسسها فيكتور خودروكفسكي وتحويل جزئها العامل إلى شركة روسنفط.

الأكثر قراءة