رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ملاحظات على الموقف الأوروبي

الصورة التي أمامنا الآن مزعجة ومقلقة, والمشهد يوحي بأن الأزمة الإسلامية - الأوروبية تتصاعد وتكبر تماما مثل كرة الثلج, والمسؤولية في ذلك تقع على هذا التراخي الأوروبي في تعامله السلبي مع حدث خطير، مثل الإساءة المباشرة لشخص نبي يؤمن به مليار ونصف مليار إنسان مسلم من ناحية, ومن ناحية أخرى, إطلاق العنان لحماقات صحف وجماعات عنصرية متطرفة لتعبث بمشاعر المسلمين عبر الإصرار على مناصرة الجريدة الدنماركية ورسامها الساقط تحت حجة حرية الرأي والتعبير والمتمثل في إقدام عدد من الصحف الأوروبية على إعادة نشر تلك الرسوم في تحد واضح يعكس روحا عنصرية مقيتة بالفعل. سلبية الموقف الأوروبي خاصة المسؤول فيه، هي التي أدت لتشجيع هذه الصحف والجماعات والأحزاب المتطرفة والعنصرية للتمادي أكثر والذهاب لأبعد مما هو محتمل, فعندما يصمت الأوروبيون عن الإساءة بداية ثم حينما تبدأ ردة الفعل الإسلامية تظهر وتؤثر بعد المقاطعة الشعبية للبضائع الدنماركية ينطق الأوروبيون ولكن جاء نطقهم كفرا عندما يصدر أول رد فعل أوروبي مسؤول عبر المفوض التجاري في الاتحاد الأوروبي تاركا الجانبين المعنوي والأخلاقي جانبا واهتم فقط بالجانب المادي حين هدد الدول الإسلامية التي تشجع على مقاطعة السلع الدنماركية برفع شكوى لمنظمة التجارة الدولية ضدها!! فهذه إشارة واضحة وضوء أخضر لتيار التطرف والعنصرية الأوروبية لكي يرفع عقيرته بالاستمرار في الإساءة للمسلمين، كما فعلت بعض الصحف الأوروبية بإعادة نشر تلك الرسوم الساقطة بدعم وتشجيع من الأحزاب العنصرية واليمينية المتطرفة. فلو كان هناك منذ البداية موقف أوروبي حازم وحاسم بتجريم مثل هذا التعدي على حرمة الأديان وأنبيائها وإدانته لما تصاعد هذا الخلاف وتفجر بصورة توحي بشكل من أشكال حروب الحضارات والأديان. وإذا كان الأوروبيون قد اعتقدوا بأن ردة الفعل الإسلامية سوف تكون وقتية يمكن احتواؤها بعبارات عابرة فهم يرتكبون أخطاء كبيرة, فهذه الإساءة وجهت للرسول، عليه أفضل الصلاة، والسلام والذي له في قلوب ومشاعر المسلمين مكانة خاصة ووضعية استثنائية لا يجهلها الأوروبيون بحكم احتكاكهم المباشر بالمسلمين.
متابعة ردة الفعل الأوروبي منذ بداية الأزمة عكست عدة ملاحظات سلبية على الموقف الأوروبي تجاه فعل الإساءة الصادر من بين ظهرانيهم لرسولنا، عليه الصلاة والسلام، من جهة, وفي هذه البرودة الباهتة فيها من جهة أخرى. وأولى هذه الملاحظات هي أن التعامل الأوروبي جاء وبكل أسف مثيرا ومحفزا لزيادة رد الفعل الإسلامي خاصة الشعبي, فحين ينطقون بعد صمت نجدهم يتعذرون ولا يعتذرون وبكلام مطاطي يأخذ صفة العمومية بقولهم إنهم يحترمون كل الأديان ويرفضون الإساءة إليها ولأنبيائها, ولكن ـ وضعوا خطوطا تحت لكن ـ لا يمكن أن يتدخلوا لأن في ذلك تعدياً على حرية الرأي والتعبير والصحافة..!! بالله عليكم أيها الأوروبيون أليس فيكم رجل رشيد ليقول لكم ما هذا الكلام السخيف..؟!! فالإساءة وجهت وأصابت دينا واحدا فقط هو الإسلام وجرحت مشاعر أمة واحدة هي الأمة الإسلامية, فلماذا لم يأت كلامهم مباشرا وواضحا ومحددا؟ أما حكاية حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة فهي حكاية مضحكة وحجة مبالغ فيها, فلو أن بعض الإساءة وجهت للدين اليهودي أو لليهود لانقلبت أوروبا ومعها الغرب رأسا على عقب ولتم الدوس على تلك الحرية التي تبجحوا بها وأعلوا التباكي على معاداة السامية التي ترتعد منها فرائصهم باعتبارها أقدس من أي حرية. ولنا في ذلك مقارنة قريبة حين صرح الرئيس الإيراني نجاد، بأنه يجب مسح إسرائيل من خريطة العالم, فهب الأوروبيون بالذات منددين مستنكرين ومتهمين الرئيس الإيراني بتهديد وجود إسرائيل, ولم يقل وقتها أحد منهم بأن الرئيس الإيراني مارس حقه في ممارسة حرية الرأي والتعبير!
الملاحظة الأخرى حول عدم فهم دوافع هذا التحدي لمشاعر مليار ونصف مليار مسلم، بالتعرض لشخص رسولهم، عليه الصلاة والسلام، من قبل أوروبيين، خاصة بقيام صحف أوروبية أخرى بتكرار نشر تلك الرسوم, وهو ما يضع علامات استفهام حول من المستفيد من خلق صراع إسلامي - أوروبي في هذا الوقت المحدد؟ الجواب الطبيعي هو أنه ليس المسلمين ولا الأوروبيين بالقطع, ثم من تكون الجهة المحتمل بأنها حركة هذه الأزمة بعد أن اختلقتها وسعت لإيقاد نيرانها ليغطي دخانها على أي جهد متعقل لمعالجتها وفق قواعد العلاقة السوية والطبيعية ما بين الأمم مهما اختلفت عقيدتهم؟
أتصور بأنه وعلى خلفية المد الإسلامي المتنامي في أوروبا ليس مستبعدا أن هناك تحالف مصالح قد قام ما بين الصهيونية والعنصرية القومية الأوروبية أدى لخلق هذا الصراع وتفجيره, ولا يأتي دعاة الواقعية الساذجة والمشبوهة ليسخروا من ذلك تحت مقولة وهم نظرية المؤامرة, فالشواهد تقود لمثل هذا الاستنتاج. كما أن الصهيونية ولدت من رحم التآمر واستمرت به وأدمنته, وهذا ما يجعلنا نستغرب غياب عقلاء وحكماء أوروبا الذين كثيرا ما صدعوا رؤوسنا بدروس الديمقراطية والإصلاح وحقوق الإنسان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي