دراسة تطالب بإعادة النظر في معايير الوحدة النقدية الخليجية بسبب عائدات النفط
دعت دراسة اقتصادية دول مجلس التعاون الخليجي إلى إعادة النظر في معايير الوحدة النقدية لضمان الاستقرار طويل الأجل لها، وعدم تعرضها إلى هزات في حالة نضوب النفط في بعض هذه الدول أو في حالة تراجع إيراداته في المستقبل.
وأضافت الدراسة التي أعدها دانيل حنا مسؤول الخزانة والأسواق العالمية في بنك ستاندر شارترد، أن دول مجلس التعاون الخليجي اتفقت على تبني معايير الوحدة الأوروبية حسب اتفاقية ماسترخيت نفسه، وهي: ألا يتجاوز العجز في الميزانية إلى الناتج المحلي الإجمالي عن 3 في المائة، ألا يتجاوز الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 60 في المائة. وأيضا يجب ألا تزيد الاحتياطيات الأجنبية عن حجم الواردات لمدة أربعة أشهر، ألا تزيد أسعار الفائدة عن متوسط أقل أسعار فائدة في ثلاثة دول بأكثر من 2 في المائة، وألا يزيد معدل التضخم عن المعدل الموزون لمعدلات التضخم في الدول الست بأكثر من 2 في المائة.
وفي حين اعتبرت اتفاقية ماسترخيت هذه المعايير شرطا للانضمام للاتحاد الأوروبي، فإنه في حالة الدول الخليجية اعتبرت معايير لازمة للتوصل إلى الوحدة النقدية عام 2010. وأوضحت الدراسة أن ارتفاع أسعار النفط خلال السنوات الثلاث الماضية، مكن جميع الدول الخليجية الست من الالتزام بالمعايير الأربعة الأولى في نهاية عام 2005. بينما في عام 2004 كان المعيار الثالث بالنسبة إلى البحرين أقل من النسبة المستهدفة بقليل (الاحتياطيات تعادل 3.8 مرة من الواردات)، والمعيار الثاني لدى السعودية يتجاوز قليلا النسبة المستهدفة حيث كان نسبته 65 في المائة، إلا أنه انخفض إلى 41 في المائة عام 2005.
أما بالنسبة للمعيار الخامس والخاص بالتضخم فمثل بعض التحدي خاصة في البحرين، قطر، والإمارات، حيث زاد في البحرين معدل التضخم بنسبة بسيطة، بينما اتسم الاقتصاديان القطري والإماراتي بارتفاع معدلات التضخم فيهما طوال العقد الماضي. ومع ذلك، لم يكن لهذا الارتفاع تأثير واضح على القدرة التنافسية للصادرات من خلال التأثير على أسعار الصرف كون معظم الصادرات تتمثل في النفط (60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي).
كما تتمتع دول المجلس بمزايا إضافية يسهل توصلها إلى الوحدة النقدية بخلاف وضع الدول الأوروبية. فهذه الدول تتشابه من حيث هياكلها الإنتاجية، واستقرار أسعار الصرف طوال العقدين الماضيين، إلى جانب تشابه التحديات الاجتماعية والثقافية، ووحدة الدين واللغة، والوضع نفسه بالنسبة لأسواق العمل. كما أنها اتخذت العديد من الخطوات مثل الاتحاد الجمركي، تحرير حركة الرساميل، الاستثمارات، التجارة، والمواطنين، وهي جميعها تدفع باتجاه الوحدة النقدية مستقبلا.
وفي الوقت الذي يبدو واضحا أن معايير التوصل والدخول في وحدة نقدية خليجية عام 2010 تبدو سهلة نسبيا، فإن إضفاء الاستقرار الطويل الأجل على هذه الوحدة يتطلب إعادة النظر في بعض معايير الوحدة النقدية المشتقة من التجربة الأوروبية نظرا لاختلاف الأوضاع والهياكل الاقتصادية للبلدان في كلتا المجموعتين.
ففي حالة الدول الخليجية الست، فإن الاستقرار الطويل الأجل للوحدة النقدية سوف يعتمد على ثلاثة عوامل رئيسية أولا الانخفاض التدريجي في الإيرادات النفطية، حيث من المعروف أن ثلاث دول خليجية هي البحرين وقطر وسلطنة عمان يتوقع نضوب مواردها النفطية خلال العقدين القادمين. غير انه في حالة قطر سوف تعوض ذلك عن طريق إنتاج الغاز الذي يتوقع أن تكفي احتياطياته لمدة 300 سنة وفقا لمعدلات الاستهلاك الحالية. وثانيا عملية التنويع الاقتصادي وخفض الاعتماد الكبير على الإيرادات النفطية، حيث يلاحظ هنا أيضا تفاوت درجة نجاح الدول الست في تحقيق هذا الهدف. وثالثا، الضغوط المتعلقة بالنمو السكاني وأسواق العمل، حيث تعاني بعض الدول الخليجية من ضغوط حادة فيما يخص توفير فرص العمل للمواطنين بينما لا تزال هذه الضغوط في بدايتها في دول أخرى. وتبلغ نسبة المواطنين الخليجيين ما دون سن العشرين نحو 50 في المائة من السكان، بينما يتوقع نمو حجم القوى العاملة بنسبة 3 في المائة حتى عام 2020. لذلك، فإن معدلات البطالة في بعض هذه الدولة بدأت منذ الآن بالارتفاع إلى مستويات مقلقة.
ونظرا إلى هذه الأوضاع، فإن دول الخليج الست سوف تواجه تحدي التعويض عن الإيرادات النفطية في أزمنة متفاوتة بعضها خلال 20 عاما والبعض الأخر مثل الإمارات خلال مائة عام. كما أن زيادة مساهمة العمالة الوطنية في القوى العاملة سيكون له مردود إيجابي على الاقتصاد ككل، إلا أنه سيقلص من مرونة تكيف هذه الأسواق من حيث الأجور في حالة تراجع النشاط الاقتصادي. كما أن معدلات الصرف سوف تتأثر بدورها من هذه الفروق في الأداء الاقتصادي.
ونتيجة لهذه المعطيات، توضح الدراسة أن معايير الوحدة النقدية الأوروبية غير دقيقة في حالة الدول الخليجية الست، وخاصة معيار نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي الذي يفترض ألا يتجاوز نسبة 60 في المائة. ففي حالة الدول الأوروبية، تم وضع النسبة كمعيار حمائي كي لا ينتقل الوضع المالي المتدهور في أي بلد أوروبي إلى البلدان الأخرى، ويعرض الاستقرار النقدي الأوروبي للخطر. كما أن اختيار هذا المعيار والمعيار الأول الخاص بنسبة العجز إلى الناتج المحلي استند إلى التوقعات المستقبلية الطويلة الأجل لمعدلات التضخم (2 في المائة) والنمو الاقتصادي (3 في المائة). إلا أنه في حالة الدول الخليجية، فإنه لا يمكن الركون على مثل هذه التوقعات كونها تتجاهل حقيقة دور الإيرادات النفطية وتأثيرها على نسبة العجز إلى الناتج المحلي ونسبة الدين العام إلى الناتج المحلي (المعيارين الأول والثاني). لذلك، فإن ربط العجز في الميزانية إلى الرصيد الكلي للإيرادات قد يعطي دلالة خاطئة على مدى سلامة الوضع المالي للدولة وذلك عائد أولا إلى التقلبات المستمرة في أسعار النفط وثانيا تعرض الموارد النفطية للنضوب.
ففي الدول المعتمدة على النفط، فإن زيادة الإنفاق العام مرتبطة بزيادة الإيرادات النفطية المرتبطة بدورها بزيادة أسعار النفط في الأسواق العالمية. ولكن أظهرت التجربة السابقة في حالة عدم استمرار ارتفاع أسعار النفط العالمية، فإن دول الخليج الست لا تتمكن من خفض النفقات بنفس وتيرة انخفاض الإيرادات، وأنها تلجأ إما إلى استخدام الاحتياطيات النفطية أو الدين العام كما حصل في الثمانينات والتسعينيات حيث بلغت نسبة الدين العام 120 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، كما تجاوزت نسبة العجز 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في بعض هذه الدول. كما ينطبق الوضع نفسه على الدول التي سوف ينضب النفط لديها خلال العشرين عاما القادمة، وهذا يعني – من وجهة نظر الاتحاد النقدي – أن معايير الاتحاد سوف تخضع للاختراق من قبل هذه الدول مما يعرض مصداقية الوحدة النقدية ككل للاهتزاز. وهذا من وجهة نظر الدراسة يمثل أخطر تحد أمام الوحدة النقدية.
لذلك، تقترح الدراسة أن يتم تبني معايير مالية للوحدة النقدية تمثل بشكل أدق العوامل الأساسية المتحكمة في استقرار الأوضاع المالية في دول التعاون الست، وتساعدها في المحصلة النهائية على الاستعداد التدريجي لمرحلة نضوب النفط والإيرادات المتأتية منه. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تبني معيار العجز المالي غير النفطي.