رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ليس اتجاها للشرق وإنما واقع يفرض نفسه

اهتمام القيادة السعودية بفتح آفاق جديدة أمام الاقتصاد السعودي ليست جديدة، فخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله عندما كان وليا للعهد قام في عام 2003 بزيارة تاريخية لروسيا الاتحادية استهدفت إحداث نقلة نوعية في مستوى العلاقات والتعاون الاقتصادي بين البلدين المرتبطين بعلاقات دبلوماسية حديثة نسبيا. ومثلت تلك الزيارة فرصة نادرة لروسيا لتبوء بدور أكبر في منطقة الشرق الأوسط وتوثق علاقاتها الاقتصادية مع دول المنطقة العربية، إلا أن استغراق روسيا الكامل في مشكلاتها الاقتصادية الداخلية وتراجعها عن معظم خطوات تحرير اقتصادها وغياب الشفافية وتفشي الفساد المالي والإداري جعلها غير قادرة على اقتناص تلك الفرصة السانحة وحد كثيرا من جاذبية اقتصادها للاستثمارات السعودية.الأمر مختلف تماما بالنسبة للصين والهند، فكلتاهما مرتا بعملية إصلاح اقتصادي جذري أُطلقت معه قوى كامنة هائلة في اقتصادهما زادت من سرعة معدل نموها وجعلها مرشحة لأن تكون محرك النمو الاقتصادي العالمي خلال العقود المقبلة بعد أن كان الاقتصاد الأمريكي متربعا على هذا العرش لعقود طويلة. فاقتصاد الصين تجاوز من حيث الحجم اقتصادات مهمة جداً كالبريطاني والفرنسي وأصبح رابع اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة واليابان وألمانيا، والهندي قفز بسرعة كبيرة إلى مصاف اقتصادات العالم الأكبر حجما فهو العاشر على مستوى العالم. ما يجعل جولة خادم الحرمين الشريفين الآسيوية لا تمثل تحولاً في بوصلة الاهتمامات السياسية والاقتصادية السعودية من الغرب إلى الشرق فقط، وإنما امتداد لجهود سابقة متواصلة في مناطق عديدة في العالم وخطوة استراتيجية تظهر تقديرا واقعيا عميقا للتوازنات التي ستفرض نفسها في السنوات القليلة المقبلة مع تعاظم الدور السياسي والاقتصادي الذي ستلعبه كل من الصين والهند على المسرح العالمي. وفي حين تعود العلاقات السعودية مع الهند لعقود عديدة والارتباط التجاري والثقافي معها يرجع لقرون عديدة، فإن العلاقة مع الصين بكافة أشكالها حديثة نسبيا. فالعلاقات الدبلوماسية بين السعودية والصين لم تبدأ إلا في عام 1990، إلا أنها تطورت بسرعة كبيرة بفضل الزيارات المتبادلة بين قيادات البلدين في ظل اهتمام مشترك بتطوير هذه العلاقات. فحجم التبادل التجاري بين السعودية والصين والذي لا يكاد يذكر حجمه قبل عام 1990 ارتفع بسرعة كبيرة بحيث يتوقع أنه تجاوز 17 مليون دولار في عام 2005، بزيادة تبلغ نسبتها 60 في المائة عن قيمته في العام الذي سبق، وهي نسبة نمو تزيد على ضعف نسبة النمو في إجمالي التبادل التجاري الصيني مع دول العالم في ذلك العام والبالغة 23 في المائة، بحيث أصبحت السعودية الآن أكبر شريك تجاري للصين في منطقة الشرق الأوسط.من جانب آخر فإن كلا من الصين والهند بدأت تفرض نفسها بقوة على خريطة استهلاك النفط العالمي حيث أصبحت الصين أكبر مستهلك للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة باستهلاك بلغ 6.6 مليون برميل يوميا في عام 2005، استوردت منه ثلاثة ملايين برميل يوميا من بينها 450 ألف برميل يوميا من صادرات النفط السعودية. وينمو الطلب على النفط في الهند بحدة حيث وصل استهلاكها النفطي عام 2005 إلى 2.64 مليون برميل يوميا، استوردت منها 1.87 مليون برميل يوميا، 32 في المائة منها من السعودية. ويتوقع أن يشكل النمو في الطلب على النفط في الصين والهند خلال السنوات المقبلة نحو 35 في المائة من إجمالي النمو في الطلب العالمي، بحيث يتجاوز استهلاك النفط في الصين بحلول عام 2025 استهلاك الولايات المتحدة التي تستهلك حاليا ربع إنتاج النفط العالمي.
وحيث تشير تقديرات وكالة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أن الطلب العالمي على النفط بحلول عام 2025 سيرتفع مقارنة بمعدلاته في عام 2005 بنسبة قدرها 54 في المائة ليصل إلى نحو 130 مليون برميل يوميا، فإن الدول المنتجة للنفط ستحتاج إلى زيادة إنتاجها بما يزيد على 44 مليون برميل يوميا إن كان لها أن تلبي النمو في الطلب على النفط، وهي مهمة مستحيلة تجعل من المستبعد تماما أن تواجه الدول المنتجة أي صعوبة في تسويق منتجاتها، بينما ستكون الدول المستهلكة قلقة جدا بشأن قدرتها على تأمين احتياجاتها النفطية، ما يجعل لدى الصين والهند الكثير لتكسبه من إقامة شراكة استراتيجية مع بلد يملك ربع احتياطيات النفط العالمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي