العالم العربي يركز على الغاز وزيادة صادراته
تتجه أنظار الباحثين ومتابعي سوق الطاقة إلى قطر لمتابعة تطورات الجهود المبذولة في معمل مشترك بين شركتي قطر للبترول وساسول الجنوب إفريقية لاستخدام تقنية تحويل الغاز الطبيعي إلى سائل. وهذه التقنية ليست جديدة فقد خبرتها ألمانيا النازية، وكذلك جنوب إفريقيا في فترة عزلتها إبان مرحلة الفصل العنصري، لكن الجديد في التجربة الذي يستلزم المتابعة هو إمكانية تحويلها للعمل بصورة تجارية.
وإذا حدث اختراق بصورة ناجحة وملحوظة، فإن استثمارات بحجم قد يصل إلى 40 مليار دولار ستكون في الطريق ووجهتها الرئيسية قطرصاحبة ثالث أكبر احتياطي معروف في العالم للغاز الطبيعي بعد روسيا وإيران. والهدف البدء في زيادة كميات منتجات الغاز المحولة إلى سائل لتصل إلى 600 ألف برميل يوميا بحلول عام 2015، ولو أن رابطة كامبريدج لأبحاث الطاقة ترى أن الكمية يمكن أن تصل إلى مليون برميل من هذه المنتجات في ذلك الوقت.
ويبدو أن السوق موجودة، إذ اليابان وحدها تخطط لامتصاص 20 في المائة من هذه المنتجات، كما أن بعض مصنعي شركات السيارات الكبرى بدأوا تجارب لتصاميم سيارات تسير بهذا النوع من الوقود.
ومع عودة قضية الطاقة إلى بؤرة الأهتمامات السياسية والاقتصادية لأسباب تتعلق بالنمو في الطلب وأزدياد حجم التوترات الأمنية والجيوبوليتكية، فإن الغاز كمصدر للإمدادات والاستخدامات أصبح يكتسب أهمية متنامية.
وفي هذا الجانب كذلك فإن الدول العربية تحتل مكانة متزايدة مثلما هو الحال مع النفط الخام، الأمر الذي يرشح الغاز ليكون مصدرا جديدا للثروة والدخل القومي. ويعبر عن هذا الاهتمام تزايد المؤتمرات واللقاءات بين الأطراف المختلفة لتحسين تدفق المعلومات والوصول إلى خطط بخصوص مكامن الغاز الموجودة، وآخر هذه اللقاءات ما شهدته العاصمة الفرنسية باريس مطلع هذا العام عندما نظم معهد العالم العربي وغرفة التجارة العربية الفرنسية ندوة تحت عنوان: "النفط والغاز.. فرصة للدول العربية".
وتشكل الاحتياطيات العربية من الغاز نسبة الثلث من الاحتياطيات العالمية، ويوجد الغاز في عدد كبير من الدول العربية، 13 منها يمكن تصنيفها في إطار منطقة الشرق الأوسط وأربع في شمال إفريقيا، لكن هذا الاحتياطي كله يعادل تقريبا ما هو موجود لدى روسيا فقط. وباستثناء عمليات التصدير الملموسة التي تقوم بها قطر والجزائر وإلى حد ما مصر، فإن البقية مثل اليمن، عمان وأبوظبي إما أنها تصدر كميات صغيرة لا يعتد بها أو أنها تخصص مواردها من الغاز للاستخدامات المحلية خاصة للاستهلاك المنزلي، بينما البعض يستخدمه لقيما في الصناعات خاصة البتروكيماوية منها.
واتجهت أوروبا مبكرا لتصبح مستهلكا رئيسيا للغاز وذلك لأسباب تتعلق بكونه مصدرا أكثر نظافة للطاقة ورخص سعره وقلة تأثره بالتقلبات السياسية كما هو الحال مع النفط. ونسبة لقلة مصادر الغاز الداخلية في أوروبا ما عدا هولندا وبحر الشمال من الجانبين النرويجي والبريطاني، فإن القارة تعتمد على الاستيراد بنسبة 40 في المائة لتلبية احتياجاتها وهي نسبة يتوقع لها أن ترتفع إلى 60 في المائة بنهاية العقد الثاني من هذا القرن. ويرى بعض الخبراء أن صادرات الدول العربية من الغاز يمكن أن تتضاعف في نهاية العقد الحالي إلى 220 مليار متر مكعب سنويا، بينما يضيف بعض العاملين في الوكالة الدولية للطاقة أن صادرات الغاز بين الآن وعام 2030 قد تتضاعف ثلاث مرات.
وتشكل قطر المحطة الأولى عربيا التي تلفت الأنظار عندما يتعلق الأمر بالغاز، وذلك بسبب احتياطياتها الكبيرة التي تبلغ 910 تريليونات قدم مكعب، وهو ما يضعها في المرتبة الثالثة عالميا. ومعظم هذه الاحتياطيات توجد في الحقل الشمالي الذي يعرف أنه أكبر حقل في العالم يحتوي على غاز غير مصاحب، وهناك أيضا حقل دخان الذي يحتوي على خمسة تريليونات قدم مكعب من الغاز المصاحب.
في إطار بحثها عن النفط كما فعلت كل الدول الخليجية، اصطدمت قطر بوجود كميات كبيرة من الغاز، وهو ما اعتبر وقتها أخبارا سيئة، لكن مع بروز التقنية الخاصة بتحويل الغاز عبر تبريده وتحويله إلى سائل فيما بعد وحل مشكلة الوصول إلى الزبائن البعيدين عبر الناقلات، أصبح من الممكن النظر إلى الغاز كمصدر للثروة، رغم ما يتطلبه من استثمارات ضخمة والحصول على تعاقدات طويلة الأمد مع المستهلكين. وقامت قطر بتأسيس مجموعتين لتصدير الغاز الطبيعي بشراكة أجنبية هما قطر غاز وراس لفان.
وإلى جانب قطر، فإن الجزائر تحتل مكانة متميزة فيما يتعلق بالغاز. فاحتياطيها منه يبلغ 160.5 تريليون قدم مكعب، الأمر الذي يضعها في المرتبة الثامنة عالميا. ومعظم الغاز الجزائري يعتبر غازا مصاحبا يتم استخراجه مع النفط الخام، ولو أنه في عام 1997 تجاوز إنتاج الغاز ما أنتجته البلاد من نفط. والجزائر تستهلك 26 في المائة من الغاز الذي تنتجه تاركة البقية إلى التصدير إما عبر الناقلات إلى الولايات المتحدة وإما عبر خطي أنابيب إلى القارة الأوروبية الأول يمر عبر تونس إلى صقلية ثم إيطاليا بامتداد 670 ميلا وبطاقة 3.4 مليار قدم مكعب في اليوم، والثاني يربط إسبانيا والبرتغال من خلال خط آخر يمر عبر المغرب بطول 800 ميل وبطاقة 820 مليون قدم مكعب في اليوم عندما بدأ العمل قبل عشر سنوات ويتوقع لطاقته أن ترتفع إلى 1.7 مليار قدم في اليوم هذا العام.
وهناك أيضا مصر التي تعمل بشدة على مضاعفة احتياطاتها من الغاز إلى ثلاثة أضعاف معدلاتها الراهنة، وذلك من خلال إضافة 120 تريليون قدم مكعب معظمها يوجد في المياه العميقة. وإذا اكتمل هذا المشروع فهو سيرفع مصر إلى المرتبة السادسة عالميا من ناحية الاحتياطيات. أما فيما يتعلق بالتصدير فالسياسة المعتمدة تقوم على تخصيص ثلث الاحتياطيات المؤكدة فقط للتصدير. ويتم شحن 85 في المائة من صادرات الغاز المصرية التي تصل إلى 12 مليون طن سنويا في صورة غاز طبيعي مسال إلى الدول الأوروبية بصورة رئيسية. وتخطط مصر إلى مد خط الغاز الذي يصل سورية إلى تركيا ثم بلغاريا ورومانيا كمرحلة أولى لإيصاله إلى دول أوروبية أخرى.
وحتى العراق الذي يعاني من عدم الاستقرار الأمني والسياسي يخطط لتنمية موارده من الغاز الطبيعي. فالاحتياطيات المؤكدة تبلغ 3.15 تريليون متر مكعب، بينما الإنتاج في حدود 1.1 مليار قدم مكعب يتم حرق 60 في المائة منه بسبب عدم الاستفادة. ونقل عن صباح الجوهر رئيس دائرة الغاز في وزارة النفط أمام مؤتمر لصناعة النفط استضافته الدوحة أخيرا، أن هناك سبعة حقول وقع الاختيار عليها للبدء في أعمال التطوير، وأن 12 شركة أجنبية قدمت عروضا لتطوير مشروعات الغاز يجري دراستها، لكن أي انطلاقة في ميدان الغاز تنتظر تكوين الحكومة وصدور قانون جديد للاستثمار قادر على جذب الشركات الأجنبية، إذ لا يستطيع العراق القيام بتنمية هذا المصدر بمفرده.
السعودية من الناحية الأخرى تمثل النموذج غير المشغول بأمر التصدير، حتى الآن على الأقل. ومع أنه اعتمدت منذ منتصف العقد الماضي ما أطلق عليه مبادرة الغاز الهادفة إلى جذب الشركات الأجنبية والأمريكية تحديدا إلى الاستثمار في قطاع العمليات المامية المرتبطة بالغاز تحديدا. ورغم التوصل إلى اتفاقيات مبدئية مع الشركات الأمريكية، لكن الخلاف على تقديرات حجم الاحتياطيات الموجودة من الغاز ودور شركة أرامكو إضافة إلى ما اعتبرته تلك الشركات ضعفا في نسبة العائد الاستثماري أدى كل ذلك إلى الإعلان رسميا عن وفاة تلك المبادرة في حزيران (يونيو) من عام 2003.
ومن ثم تم فتح الباب مرة أخرى للتفاوض مع الشركات الأجنبية لكن بعد تعديل المبادرة وطرح مشروعات أصغر وأكثر تركيزا على جانب استخراج الغاز مع وضع عائدات استثمارية أفضل. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2003 تم توقيع عقد مع "شل" و"توتال" بحصة 40 في المائة و30 في المائة مع حلول "أرامكو" محل "كونوكو/فيليبس" الأمريكية بالنسبة الباقية في مشروع بقيمة ملياري دولار والعمل على مساحة 81 ألف ميل مربع في الربع الخالي. وبعد شهرين تم توقيع عقد ثان مع "لوك أويل" الروسية التي ستعمل لتطوير مكامن للغاز غير المصاحب في الربع الخالي أيضا قرب حقل الغوار الضخم وبشراكة مع "أرامكو". وجاء الاتفاق الثالث مع شركة صينوبيك الصينية التي ستعمل في مربع (بي) وكونسورتيوم إيني الإيطالية وريبسول الإسبانية في مربع(سي).