إجازة ثم اختبار.. كيف يتفقان؟
إن التقويم الدراسي يجب ألا يكون عصياً على التقديم والتأخير حسب المصلحة وبما يحقق التوازن والتنظيم، فالملاحظ أنه وضعت قاعدة ثابتة وهي تأخير بداية العام الدراسي سنوياً عشرة أيام وهنا أقول: وما المانع في أن تقدم أو تؤخر إذا ما دعت الحاجة والضرورة؟
لم أستطع إيجاد مبرر إيجابي أو معقول واحد يتفق مع المعطيات التربوية والتعليمية التي فرضت على صاحب الصلاحية والقرار خيارا وحيدا لا غيره بجعل اختبارات نهاية الفصل الدراسي الأول تأتي مباشرة بعد إجازة الحج لهذا العام، حيث من المقرر أن تستأنف الدراسة يوم السبت 21/12 وتبدأ الاختبارات بعد يومين أي يوم الإثنين 23/12. أيضا لم أجد هناك عائقا واحدا يصعب من اختيار وقت مناسب للانتهاء من الفصل الدراسي الأول وإجراء اختباراته قبل إجازة الحج، وهي اختبارات شبة مصيرية لأبنائنا الطلاب وبناتنا الطالبات، بدلا من هذا التوقيت الغريب وغير المتوافق مع التهيئة المطلوبة تربويا وتعليميا وحتى نفسيا لأداء اختبارات نهاية فصل دراسي كامل، فهذا التوقيت سوف يسجل ولا شك في باب غرائب وطرائف التعليم حين يعود الطلاب من إجازة مباشرة لأداء اختبارات ثم أخذ إجازة أخرى بعدها مباشرة أيضاً، وكأنهم قطعوا إجازتهم للاختبارات وبعدها يعودون لاستكمالها!
أعتقد بل أجزم بأن هذا الخطأ التعليمي والتربوي الذي وقعنا فيه يعود أساسا لسلبية في وضع جدولة العام الدراسي منذ البداية، فقد كان بالإمكان، لتلافي هذه الربكة في اختبارات الفصل الدراسي الأول، تقديم بدء العام الدراسي أسبوعين مثلا، ولا ضرر في ذلك ولا تأثير سلبياً له، فلو فعلنا ذلك مبكراً لكان في إمكاننا الانتهاء من دراسة الفصل الدراسي الأول وإجراء اختباراته قبل إجازة الحج التي كان يمكن أن تمدد أسبوعا إضافيا كإجازة ما بين الفصلين. ولا أعلم كيف فات ذلك على من وضع جدولة العام الدراسي والذي إن كان على غير دراية بسلبياته التعليمية والتربوية فتلك مصيبة، وإن كان على دراية فإن المصيبة سوف تكون أعظم.
سلبيات هذه الجدولة العجيبة والغريبة لنهاية الفصل الدراسي الأول كثيرة وعديدة، ولعل من أهمها أن الطلاب والطالبات سوف يعودون مباشرة من الإجازة لأداء الاختبارات وهم منقطعون عن أجواء الدراسة تماما، وكثير منهم إن لم يكن جميعهم قد تبخرت من رؤوسهم جل المعلومات الدراسية في أثناء إجازة الحج، ونحن أدرى بأبنائنا وبناتنا، فهم في وقت الدراسة يضيعون أغلب وقتهم في متابعة الفضائيات أو الإنترنت أو الثرثرة عبر الجّوال وقليل منهم يصرفونه في حل الواجبات المفروضة عليهم خوفا من العقاب لا رغبة في الاستزادة من العلم. أما المذاكرة والمراجعة الجدية لمن يبحث عن التفوق وليس فقط النجاح لا يأتيها إلا قلة فتح الله لها وعليها، فكيف بهم وهم في إجازة نعلم جميعا أنه لم تفتح فيها الكتب، فمن حج فكم من الوقت تبقى له للمراجعة والمذاكرة واستعادة المعلومات، ومن لم يحج ضاع وقته ما بين التفسح والاستمتاع بإجازة قررت أصلا للراحة وليس للمذاكرة. ومما زاد الطينة بلة أن من ذهب لمدرسته يوم السبت لم يجد دراسة، فالبعض أعيد فوراً لبيته، والبعض الآخر جلس حتى دون ماصات دراسية ودون معلم لكون المدرسة منشغلة بإعداد اللجان، بينما المفترض أن يستغل اليومان السابقان على الاختبارات بالمراجعة وإدخال الطلاب في أجواء الدراسة.
على أية حال لسنا الآن في وارد الشكوى التي لا تفيد، فالمهم الآن هو كيف سنواجه النتائج المتوقع لها أن تكون متردية، فالطلاب سوف يدخلون معمعة الاختبارات وهم خارج الجو الدراسي. ولهذا يُفترض أن تراعى هذه الظروف ولكن بما لا يخل بالتقييم العلمي. وأقصد بذلك أن توضع الأسئلة بطريقة خاصة تعتمد على قياس الفهم وليس الحفظ، فلو طالبناهم بالإجابة الحرفية الحفظية فالإخفاق سيكون من نصيب الكثيرين، وهو ما يجعلني أطالب بأن يعتمد التصحيح على القناعة بأن الإجابة تؤدي إلى المعنى حتى ولو لم تكن بالألفاظ الحرفية نفسها. ولتحقيق ذلك يفترض ألا يقيد المصحح بنموذج إجابة يفتقد المرونة لكي يتاح له قياس المضمون العلمي، وهذا يعتمد على أسلوب صياغة الأسئلة التي يجب أن تهدف لسبر غور فهم الطالب وليس كم حفظه.
ما أريد قوله هنا إن التقويم الدراسي يجب ألا يكون عصياً على التقديم والتأخير حسب المصلحة وبما يحقق التوازن والتنظيم، فالملاحظ أنه وضعت قاعدة ثابتة وهي تأخير بداية العام الدراسي سنوياً عشرة أيام. وهنا أقول: وما المانع في أن تقدم أو تؤخر إذا ما دعت الحاجة والضرورة؟ والملاحظة الأخرى هي أن الفصل الدراسي الأول تتخلله إجازتا عيد الفطر والحج مما يجعله مقطعاً، بينما يستمر الفصل الدراسي الثاني متواصلا بلا توقف. ومثالاً على ذلك خذوا تقويم العام الدراسي المقبل 27/28هـ كمثال على افتقاد التوازن ما بين الفصلين الدراسيين، فالعام الدراسي سوف يبدأ فصله الأول في 16/8 ويستمر حتى 18/9 لتبدأ إجازة عيد الفطر، في 29/11 بداية إجازة الحج، وبعد الاختبارات أي في 19/1 تبدأ إجازة نصف العام. أما الفصل الدراسي الثاني فسوف يستمر مشواراً واحداً متواصلاً بدءاً من 29/1 وحتى 5/6 أي أكثر من أربعة أشهر بقليل. ما أرمي إليه هنا أن العام الدراسي يجب أن يبدأ حيث تتحقق المصلحتان التعليمية والتربوية، فلا يعقل أن يحدث مثل هذا التفاوت بين الفصلين الدراسيين والذي أدى بنا إلى الوقوع في هذا التقاطع العجيب ما بين إجازتين واختبار، فكيف يتفقان؟