مواقف لسيارات الأجرة للتخلص من أذاها
الحل هو أن يتم تنظيم النقل العام في تخطيط الأحياء السكنية, بتخصيص مواقف معينة على أطراف الأحياء أو قرب ساحة المسجد, وتحديد مواقف معينة للمناطق التي تولد الحاجة إلى النقل العام, مثل المراكز التجارية والمستشفيات وبعض المنشآت الحكومية والمطارات.
سبق أن أشرت قبل ثلاث سنوات إلى موضوع تحديد مواقف لسيارات الأجرة, بحيث يمنع تجولها ودورانها غير المجدي الذي يسبب مشاكل التلوث والحوادث, ويشمل ذلك حافلات النقل العام. وتعد أضرار ومشاكل فوضى سيارات الأجرة إحدى الظواهر التي لم تجد من يهتم بمضاعفاتها الاجتماعية والاقتصادية على المجتمع أو من يبذل مجهودا بسيطا للتفكير في حلها لمصلحة المواطن وراحته. والحل لا يحتاج إلى ابتكار فهو مطبق في معظم مدن العالم من الشرق إلى الغرب, وذلك للتخفيف من المواصلات والاختناقات التي نعانيها في مدننا الكبرى حالياً ومستقبلياَ. وهو جزء من أهمية معالجة نمو المدينة ومحاولة التحكم فيه بالتخطيط المسبق للمواصلات وشبكات الطرق ووسائل النقل.
الجميع يرى ما تقوم به سيارات الأجرة (ليموزين) أو حافلات النقل العام (خط البلدة) من الوقوف المفاجئ وسط الطريق أو جانبه معرقلة ومسببة للحوادث دون أي اكتراث بالمواطنين. وفوق ذلك نجد سيارات الأجرة تمخر عباب الأحياء السكنية والطرق العامة بالدوران المهدر للوقود والمثير للتلوث والغبار.
مشاكل الفوضى الحالية للنقل العام كثيرة وقد لا نحس بمدى سلبياتها الاجتماعية والأمنية, ولكن أهم هذه المشاكل يمكن تلخيصها فيما يلي:
ـ إهدار الوقود بسبب كثرة الدوران في الطرق وهي تكلفة تحسب على المواطن فيما يدفعه للمشوار.
ـ مضاعفة معدلات التلوث البيئي من جراء حرق الوقود بالدوران المتكرر وإثارة الغبار الحمضي الأسود في الطرق.
ـ مضاعفة نسبة الحوادث والوفيات وما تسببه من خسائر مالية ومادية.
ـ زيادة نسبة الازدحام في الطرق وما تؤدي إليه من ضياع وقت المواطنين أو تأخير في الوصول إلى المستشفيات في الحالات الإسعافية.
ـ الإساءة إلى المستوى الحضاري للمدينة.
تؤكد الإحصائيات المنشورة أن عدد سكان مدينة الرياض سيتضاعف خلال الـ 20 سنة المقبلة, وأن حجم الرحلات اليومية هو ستة ملايين رحلة, وأن هذا الرقم سيتضاعف ثلاث مرات ليصل إلى 18 مليون رحلة يومياً عام 1445هـ. وبذلك فإن الاختناقات المرورية كابوس سيصاحبنا مدى الحياة في المدن.
والحل هو أن يتم تنظيم النقل العام في تخطيط الأحياء السكنية, بتخصيص مواقف معينة على أطراف الأحياء أو قرب ساحة المسجد. وتحديد مواقف معينة للمناطق التي تولد الحاجة للنقل العام, مثل المراكز التجارية والمستشفيات وبعض المنشآت الحكومية والمطارات, وأن تصمم هذه المواقف وفق مواصفات عالمية بحيث تكون على جانب الطريق وفي مواقع الأرصفة غير المستفاد منها, وتوضع لها إشارة ودرابزين لتنظيم الركوب وإذا أمكن مظلة للانتظار وهاتف عمومي. وحتى لو اضطر الأمر إلى نزع ملكيات بسيطة من أجل راحة المواطنين فإنها لن تختلف في الأهمية عن الخدمات الأخرى مثل الحدائق. كما أن المواطن له دوره في تشجيع هذا النظام ومحاولة التجاوب حتى لو اضطر للمشي قليلاً لهذه المواقف, فالمشي رياضة تخفف أمراض القلب والبدانة.
والخطوة الأخرى هي أن يتم التنسيق مع شركات الاتصالات لإعطاء أرقام خاصة لشركات سيارات الأجرة تمكّن المستفيدين من الاتصال بها وبتكلفة مدعومة بسعر الجملة Bulk Rate أو بطريقة الخط المجاني. وبذلك يسهل على محتاجي الخدمة الاتصال من منازلهم أو أعمالهم لطلب الخدمة, خاصة إذا كانت هناك خرائط وتسميات طرق وإحداثيات وامتيازات معينة, مثل توصيل البيتزا والهامبورجر. وبحيث يتم توجيه أقرب سيارة للموقع لتخفيف وقت الانتظار أو المسافات التي تقطعها سيارة الأجرة.
يبقى موضوع كبار السن أو العجزة الذين قد لا يستطيعون المشي إلى المواقف, وهؤلاء يمكن أن ينظر في موضوعهم بعض جمعيات البر الخيرية أو وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لدعم صندوق خاص لتوفير خط مجاني وسيارات مصممة للمعوقين.
وأخيراً فإن مثل هذه الأنظمة يجب أن تدرس بطريقة أشمل, وأن يوضع لها كيان قانوني لتنظيمها لما فيه مصلحة المواطنين, وأن تقوم الجهات المسؤولة بالتنسيق فيما بينها مثل وزارة المواصلات والبلديات والمرور بإعطاء الاهتمام اللازم لمثل هذا الموضوع. كما أن المصروفات التي ترصدها الوزارة لهذا الشأن مقرونة بالخسائر البشرية والاجتماعية والاقتصادية التي سنوفرها لا تحصى.
قد يستغرب أو يستصعب البعض هذه الفكرة ويرى أنها غير ملائمة لمجتمعنا وعاداتنا وتقاليدنا, وأن السعوديين لن يركبوا النقل العام, ولكنني أعتقد أن المستقبل سيفرض نفسه وسنجد أنفسنا يوماً أمام الأمر الواقع.
وإذا كنا نؤمن بمبدأ السعودة والتخلص من العمالة الأجنبية التي هي المستخدم الأكبر للنقل الجماعي الحالي فمن المسلم به أن جزءا كبيرا من السعوديين الذين سيحلون محلهم سيستخدمون النقل العام مستقبلاً. فلماذا لا نتحسب لذلك في المخطط الاستراتيجي لمدينة الرياض, خاصة مناطق النمو الجديدة وبحيث يتم طلب تخصيص مساحات لمواقف ومسارات السيارات والحافلات لكل مخطط عمراني أسوة بالخدمات الأخرى مثل الحدائق والمستوصفات والمساجد.
ومثل هذا التنظيم له فوائد جانبية كثيرة يصعب حصرها بما توفره للمجتمع من مزايا لا تقدر بالأموال. فالتنظيم للنقل العام يخفف من ازدحام المواقف في وسط المدينة. كما أنه يخفف من التلوث الجوي ويقلل من عدد الحوادث المرورية والإزعاج, كما أنه يوفر أوقاتا كبيرة للمواطنين يمكنهم استغلالها للإسهام في دفع عملية التنمية.
ولماذا لا يتم التفكير في وضع خطط لرفع مستوى خدمات النقل العام وتشجيع المواطنين على استعماله, أو استحداث وسائل حديثة من خلال برامج تتولاها الوزارات والشركات الخاصة الكبيرة لإعطاء محفزات ومكافآت وبرامج تشجيعية لتشجيع موظفيها على استعمال سيارة واحدة لمجموعة من الموظفين يمرون على بعض Car pool أو استحداث سيارات نقل بها نوع من التميز حتى لو كانت تذكرة الركوب أعلى قليلاً من بقية وسائل النقل العام أو أن تتكفل الجهات الحكومية والخاصة بدعمها مالياً.
إن الحلول والتوصيات المطروحة حالياً لحل أزمات المرور ليست كافية, وأنه يستوجب طرح موضوع الاختناقات المرورية وتنظيم النقل العام في مدننا, خاصة مدينة الرياض, على طاولة النقاش الموضوعي. وبما أن عدد السكان يتضاعف فإن سيارات وحافلات النقل العام ستتضاعف أيضاً وستكون مشاكلها أكبر إذا لم توضع نواة لنظام مدروس يستمر في التطور مع تطور المدن. فلماذا لا نبدأ من الآن في محاولة تلافي ذلك والإعداد له؟ إن مثل هذه الحلول التي طرحتها ليست من الصعوبة بمكان ولكنها على المدى الطويل أوفر بكثير.
مهندس معماري ومخطط
[email protected]