مَن يحمي المتسوقين والمتسوقات من مغالطات (السوبر ماركات)؟
اعتدت أن أذهب للتسوق من (السوبر ماركات) بين فترة وأخرى, بهدف الاستطلاع والاطلاع على التدفق الهائل للبضائع والمنتجات إلى أسواقنا بعامة, والغذائية منها بخاصة, والتي يقل وجود مثيل لها حتى في الدول المتقدمة, من حيث التنوع والوفرة, والتنافس في العرض, واعتدال الأسعار التي تغري المتسوق بالتقاط ما يقع عليه بصره, وقذفه في عربة التبضع ليفاجأ بعد جولة قصيرة بصعوبة دفعها من ثقل محتوياتها, ويتمنى البعض وبخاصة ربات البيوت, لو خصصت إدارة المحل الذي تتبضع منه, عمالا للمساعدة في دفع العربات مع المتسوقين.
وهناك هدف آخر هو التأمل في أساليب العرض والإدارة وتقديم الخدمة, وسلوك العاملين، وأخلاقهم وجنسياتهم, وتعاملهم مع الزبائن, ومقارنة ذلك بما نراه في الدول المتقدمة, وهي أمور تنبئ عن مدى فهم الإدارة العليا في المحل التجاري لأساليب إدارة العمل, وفنون العرض والتصنيف والتنظيم, وما يحيط بذلك من عوامل تؤثر في نفسيات المتسوقين وميولهم وتفضيلهم لمعرض دون آخر, مثل البيئة والتهوية والنظافة والبشاشة والترحيب.. ومثل هذه الأمور قلما تهتم بها الإدارات العليا في المراكز التجارية لدينا من منطلق أن الكل سوف يشتري دون تفكير, حتى من البقالات التي تعج بالأصناف الرديئة, وتفتقر لأدنى حدود النظافة والتهوية الصحية.. ومن يتجول في أسواق المواد الغذائية والاستهلاكية لدينا تأخذه الدهشة والاستغراب من كثرتها وتنوعها, وتكدس البضائع فيها, حتى ليخيل للمرء, وبخاصة من قدر له زيارة بلدان أخرى, والمقارنة بين أسواقها وبين ما هو موجود في المملكة أن الناس هنا لا هم لهم إلا الأكل والشرب والاستهلاك ففي الدول الأخرى على سبيل المثال, تحتاج غالبا إلى الانتقال بالسيارة من مسكنك إلى حيث توجد السوق أو المجمع أو البقالة, أما الوضع لدينا فهو غريب جدا, حيث تتزاحم الأسواق والبقالات جنبا إلى جنب, والأغرب منه انتشار ظواهر استهلاك غريبة مثل توصيل الطلبات من البقالات إلى المنازل, فالأمر لا يحتاج إلى أكثر من مكالمة هاتفية تجريها ربة المنزل وهي في فراشها لكي يأتيها ما تريد إلى عتبة الباب!!
إن هوس الشراء والاستهلاك أشبه بالمرض النفسي المتفشي في المجتمع المحلي في المملكة, تسهم فيه ندرة أماكن النزهة والتسلية, وقضاء وقت الفراغ المتاح أمام ربات البيوت والعائلات عموما, بحيث لا تجد أمامها إلا السوق, أو على الأقل التعلل بالتمشية دون وجود نية مسبقة للشراء, لتجد نفسها وقد عادت محملة بمختلف أنواع المستلزمات, كما يسهم فيه تنوع البضائع وبخاصة رخيصة الثمن التي تفتقد الجودة والمتانة, والتي تزحف إلى أسواقنا دون رقابة, أو تمحيص, من كل حدب وصوب, وكأننا مقصودون بهذا الإغراق الذي لا يوجد مثيل له, لاستنزاف مدخرات الناس.
ما ذكرت آنفا هو مقدمة تداعت أمامي وأنا أفكر في الكتابة عن مشكلة لا يراها إلا المتتبع والمراقب الدقيق لما يجري في (السوبر ماركات) من عبث وتلاعب في التسعير, وما يندرج ضمن ظاهرة التخفيضات, التي تتسابق المحلات التجارية إلى اصطياد الزبائن بها, وتتنوع فيها الحيل والابتكارات بعروض متنوعة, مرة باسم: نصف السعر, ومرة بعبارة: اشتر واحدة وخذ الأخرى مجانا, وأخرى بعبارة خذ واحدة والأخرى بنصف السعر, إلى ما هنالك من حبائل للإغراء والخداع ومداعبة الجيوب, أستعرض منها الآتي:
ـ بعض المحلات أو معظمها على الأصح, لا تضع السعر على الصنف, مكتفية بوضع ملصق يبين ذلك على الرفوف, وغالبا ما يوضع على الرف أصناف لا تمت إلى السعر الملصق أمامها بصلة, فينخدع الزبون ويلتقط الصنف ظنا منه أن السعر الموضوع أمامه يخصه, ولا ينتبه الزبون لذلك, حتى عند المحاسبة, لأنه لم يعد يتذكر السعر.
ـ غالبا ما يعلن عن عدد من الأصناف أنها بنصف السعر, أو عبارة اشتر واحدة وخذ الأخرى مجانا, وعند المحاسبة يفاجأ المتسوق المنتبه, أنه تم إدخال السعر كاملا لكل وحدة, وهذا يتم في الغالب نتيجة عدم إدخال المعلومات الصحيحة في برنامج الحاسوب الموصلة به أجهزة المحاسبة "الكاشير" في بعض المحلات، وقد لاحظت ذلك بنفسي أكثر من مرة.
ـ يحدث أحيانا أن يشتري المتسوق كمية كبيرة من صنف واحد مثل اللحوم والأسماك فيغلفها البائع في عدد من العبوات، ويضع السعر على واحدة منها، وعند المحاسبة يقوم "الكاشير" بإدخال السعر لكل منها ظنا منه أن السعر يخص كل عبوة، وقليل من المتسوقين من ينتبه إلى ذلك، بيد أنني لاحظته بنفسي.
وهناك حالات كثيرة أخرى تتم فيها المغالطة، إما بقصد وإما بغير قصد، وإذا أضيف إلى ذلك ما يلاحظ من أن بعض المحاسبين في نقاط البيع "الكاشير" لا يزالون تحت التدريب وغير ملمين بخبايا التسعير، وفلسفة العروض، بدليل ما يلاحظ عليهم من ارتباك وتوقف وطلب المساعدة أحيانا، فلنا أن نتخيل مدى الغبن الذي يقع على المتسوقين، وما يخسرونه من جراء ذلك من أموال تستولي عليها المحلات دون وجه حق.
وإذا أضيف إلى ذلك كله أن معظم المتسوقين هم من النساء قليلات التعليم أو غير المتعلمات وعامة الناس وليس منهم من يستطيع اكتشاف الخطأ، وفك رموز التسعير والإيصالات التي تعطى لهم، وأنّى لهم ذلك وهي غالبا باللغة الإنجليزية، لأمكننا تصور حجم المشكلة، والقطع بأنها تحتاج إلى علاج يحمي الناس، ويحقق العدالة، ويضع الأمور في قالبها الصحيح.. ومن المقترح أن يشمل ذلك الآتي:
ـ اعتناء المحلات بتدريب العاملين فيها وتوعيتهم بأساليب العرض والتصنيف والتسعير، ولا سيما العاملين في نقاط البيع والدفع بحيث لا يتولى هذه المهمة إلا من اجتاز حدا معينا من التأهيل والتدريب، وأن تلتزم المحلات بوضع شخص متمكن مع المتدرب للمراقبة والملاحظة والتأكد من صحة ما يجريه من عمليات.
ـ اهتمام الإدارات العليا في المحلات بإدخال المعلومات بطريقة صحيحة في البرامج الحاسوبية عن الأسعار والعروض، بحيث تترجم إلى واقع لا يحتمل الخطأ والاجتهاد.
ـ وضع شاشات للأسعار أكبر حجما من المستخدمة حاليا التي لا تكاد تُرى، بحيث يظهر فيها بوضوح اسم الصنف، وعدد الأصناف، وسعر الوحدة، وإجمالي السعر، وقد لاحظت أن سلسلة أسواق العثيم تستخدم شاشات لهذا الغرض في غاية الوضوح، جزى الله القائمين عليها خيرا.
ـ إلزام جميع المحلات باستخدام اللغة العربية في جميع مراحل التسعير والبيع والفوترة، مع إمكانية استخدام اللغة الإنجليزية إلى جانبها اختياريا لمن يرغب.
ـ وضع أجهزة إلكترونية للكشف عن السعر في نهاية كل رف من رفوف العرض، إذا لم يكن بالإمكان وضع السعر على كل صنف، وذلك للتأكد من صحة السعر لمن يرغب من المتسوقين.
إنني أكتب عن هذا الموضوع، متوخيا فيما أكتب الأمانة، ونقل معاناة المواطنين والمتسوقين بعامة، وليس لدي شك في أن وزارة التجارة والصناعة، التي ترعى الحركة التجارية وتنظمها وتشرف عليها وتحمل مسؤوليتها أمام الله وأمام ولي الأمر يهمها أن تتعرف على ملحوظات المتسوقين، وأحاسيسهم وهمومهم، لكي تسعى إلى الاهتمام بها، وإزالة مظاهر الخداع والتلاعب، وحمايتهم، وبث الطمأنينة والثقة في نفوسهم، وها قد فعلت، ونقلت ما وجدت وشاهدت إلى الوزارة علها تستجيب لما يحقق الصالح العام.
والله من وراء القصد.