السقوط

السقوط

كانت المرحلة الماضية حبلى بالمفاجآت غير السارة لفئة كبيرة من الناس، آمالهم وتطلعاتهم ماتت قبل أن يصلوا إلى مبتغاهم، كانوا يحلمون بثروة ليست هائلة ولكنها تحفظ ماء الوجه أمام متطلبات الحياة الواسعة ، بعضهم لم يكن يذوق للنوم طعما ينتظر الثمرة التي حان حصادها ، لكنها كانت أحلاما سعيدة سرعان ما تبخرت ، فما تكسبه الأيدي في النهار تفقده في الليل ، وما يعود قليله ليلا يصبح حطاما في نهار آخر ، هكذا تحطمت مساعيهم ، وفجرت تلك التقلبات بركانا من الغضب في نفوسهم ، منهم الذين لم يتركوا طريقا إلا سلكوها حتى يجمعوا مالا يساهمون به في سوق الأسهم بل وضعوا كامل ثقلهم فيها ، والمؤسف أن بعضهم ضحوا بمنازلهم وتجارتهم في سبيل الربح الأسرع فيما يسمى بسوق الأسهم .
لم أدخل هذه السوق ولا أعرف أدق خفاياها لكن ما يدور ليس بخاف على أحد، والمتابعون يعرفون كل شاردة وواردة عنها ، إنما الذي يحتاج الحديث في هذا الجانب الظروف الصعبة التي يعيشها كثير من المساهمين حتى أن بعضهم بعد الفرح في حالة يرثى لها من الأحزان ، وكم استقبلت المستشفيات من حالات تعرضت للخسارة ، وكم من نوبات قلبية غادر أصحابها الدنيا دون أن يخرجوا بالفوائد التي كانوا ينتظرونها ، وكم من ديون تضاعفت على عاتق آخرين جمعوا أموال الناس في محافظهم واقترضوا عليها من البنوك وبمجرد شعور البنك بخطر رجوع أمواله ، يجمد هذه الأموال ويسترد حقوقه منها ، فإذا كان رصيد المقترض لا يغطي أخذوا من أموال المساهمين معه في محافظته وسحبوا منها فيصبح ذلك الرجل في خطر سداد البنك وخطر حقوق الآخرين فيكون السقوط المؤلم له، إنها مصيبة وطامة كبرى وقع فيها البعض الذين تقدر خسائرهم بالملايين، والكارثة الأكبر ما يضخ من أموال في سوق الأسهم تصل إلى عشرات المليارات ومع ذلك تذهب أدراج الرياح لا يستفيد منها الوطن في شيء نظرا لتدخل من لا خوف لديهم من ربهم ولا يفكرون إلا في أنفسهم ويلحقون الضرر بالمساهمين ، فيقطفون الثمرة بعد أن كانوا هم من يغررون بهم ، فيتركونهم بعد أن ساهموا في تدمير الأسعار ليواصل الخاسرون خسارتهم الدائمة ، ولا يدرى ما هو الحل, وكيف يمكن أن يعوض هؤلاء الخاسرون الذين يريدون أن ينفذوا بجلودهم من هذا المستنقع الخطير .
عودة إلى الله
وفي يقيني أن مايحدث في هذه السوق ما هو إلا ابتلاء لعباده "ليبلوكم أيكم أحسن عملا" ولعلي أسترجع ما قاله الشيخ الدكتور عائض القرني في إحدى محاضراته إنه مع انشغال الناس بالأسهم انشغل بعضهم عن أداء الصلوات المفروضة وبعضهم ممن يؤمل فيهم خيرا ، وإذا كنا نحمل على من يسمون بالهوامير وأفعال بعضهم السيئة التي تتنافى مع الدين فإننا لا ننسى أيضا أن نراجع أنفسنا وكيف كانت قبل الانغماس في الأسهم, وماذا أصبحت بعدها في تعاملنا مع الله ومع عباداتنا عندها يُعرف السبب، وثمة أمر آخر هو الأهم في هذا الشأن أن نرضى بالقضاء والقدر وهو الأمر الذي إذا وقع فليس أمام الإنسان إلا التسليم، ويبذل جهده للعمل وإصلاح الذات بعد ذلك لكي يكون تعلقه بالله في كل أموره وأنه هو الرازق وهو الغني وأن الربح أو الخسارة متى أرادها الله لأحد عباده فلن يستطيع كائنا من كان أن ينتزعه منها ، هكذا يجب أن يكون المسلم حريصا على تقوية العلاقة بينه وبين ربه وأن يأخذ بالأسباب ولا يتعلق بها بل تكون مطيته لتفويض أمره لله أولا وآخرا, نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ويصلح أحوالهم ويقوي علاقتهم بربهم وأن يعوض على الخاسرين في الدنيا خيرا ويجعل أرباحهم عند الله أجورا عظيمة ومكانة عالية في يوم الفزع الأكبر إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الأكثر قراءة