رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الأبحاث العلمية والتنمية المستدامة

إن رأس المال الذي ينفق على البحث العلمي والدراسات التطويرية يعتبر استثماراً استراتيجياً يحقق قفزات نوعية متلاحقة خصوصاً إذا أدى في نهاية المطاف إلى الاعتماد على القدرات الذاتية والخبرة الوطنية المتراكمة في رسم خطط المستقبل وكشف أسرار التقدم العالمي في المجالات المؤثرة في التنمية الاجتماعية. في دولنا العربية, آل البحث العلمي إلى وضع مُبْكٍ ومضحك, فمن الكتاب من اقترح حلول المشاكل بالبحث والتطوير ومنهم من نظََر بإسهاب عن ضرورة البحث العلمي وآخرون اقترحوا أهمية إنشاء هيئة أو مجلس يهتم بشؤون البحث العلمي لتطوير مخرجات العمل ... إلخ, ولكن لا مجيب. ولأن البحث العلمي أصبح سلعة للمزايدة فقد فقد مكانته فلا أستبعد اقتراح إنشاء صندوق خيري لدعم البحث العلمي وحركته. فإلى أين نحن متجهون؟
لقد تلازم مصطلحا البحوث العلمية والتطوير في أذهاننا على مر السنين الطويلة دون أن نسعى للسؤال عما إذا كان الأخير يعتمد على الأول؟ وكيف يكون ذلك؟ كما تعلم عزيزي القارئ فمنذ أن بدأ التسجيل وهناك أسماء لمخترعين واختراعات كانت نتيجة أبحاث قاموا بها. تبعهم من جعلها أدوات صيغت بشكل معين فحقق بما نتج منها تقدما انعكس على الفرد أو المجتمع. فهذه المعادلات الرياضية وهذه النظريات العلمية وهذه الأفكار الإبداعية كلها نتاج أبحاث علمية مكثفة استغرقت الوقت والمال والجهد لترى النور كعلم ومعرفة. ولكن في هيئتها تلك لا يمكن أن تكون تطويرا أو تنمية على مستوى المجتمع, إلا إذا قام فريق متخصص بعمل الدراسات اللازمة في كيفية تحويل الفكرة إلى تطبيق فعلي, والنظرية إلى واقع عبر آلية معينة يمكن للفرد أو المجتمع استخدامها محققا له نقلة نوعية عملية أو توفيرا ماليا أو ما أشبه وعندها يمكن القول إن ذلك تطوير وتتحقق بذلك التنمية. لذا فليتنا نسخر الجهود والأموال لدعم أكثر للبحث العلمي الذي بنتائجه يمكننا من عمل الدراسات التي تسعى بنا لتحقيق وتعزيز التنمية!
لا شك أن من أهم مقومات البحث العلمي والتطوير هو وجود ميزانيات كافية يمكن الصرف منها على المتطلبات البحثية على رأسها الباحثون أنفسهم وفرق العمل والتجهيزات وغير ذلك من المصاريف الباهظة. ولقد ثبت جليا وجود علاقة طردية وثيقة تربط بين مقدار الميزانيات المخصصة للبحث العلمي الموجه من جهة, ومعدلات النمو ومستوياته في الدولة من جهة أخرى. لذلك فإن درجة تأثير البحوث والدراسات على التنمية والتطوير تختلف وحسب نسبة الإنفاق. فإن كانت نسبة الإنفاق على البحث ودراسات التطوير أقل من 1 في المائة من الناتج الإجمالي، حسبما أكدته دراسات عالمية ومحلية, فتأثير البحوث والدراسات على التطوير محدود جدا, حتى إذا ما تعدت نسبة الإنفاق عن 2 في المائة فمردود البحث العلمي سيكون مؤثرا في قطاعات الإنتاج والخدمات ويسهم في تزويدها بتقنيات جديدة تساعدها على طي بعض من الزمن المحدد للوصول للهدف الاستراتيجي. لقد أشير في عدة تقارير دولية إلى أن نصيب البحث العلمي من الناتج الإجمالي في عدد من الدول المتقدمة بلغ أكثر من 3 في المائة, أما في الدول العربية فقد كان في حدود 0.9 في المائة وهذا في حد ذاته مؤشر على الفرق بين مستوى الاهتمام والوعي بين مجتمعي الدول المتقدمة والدول العربية. هذا ليس بمستغرب أبدا إذا ما علمنا أن مصادر تمويل البحوث العلمية ودراسات التطوير تعتمد اعتماداً كلياً على مخصصات الدولة التي لا تصرف على الوجه الصحيح في معظم الأحيان. على العكس من ذلك ففي الدول المتقدمة نجد أن مصادر التمويل متعددة، حيث تشترك كل من الدولة, ومؤسسات القطاع الخاص, والجامعات, وبعض المؤسسات ومراكز الأبحاث, والبنوك, والجمعيات الخيرية, وبعض الأثرياء من رجال الأعمال في تمويل البحث العلمي وتقييم نتائجه يتم سنويا.
لذلك فإذا أردنا تحقيق قفزة كبيرة وسريعة لتنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة, وأن ننافس دول العالم المتقدم في معدلات النمو والتطوير فينبغي تخصيص نسبة لا تقل عن 2 في المائة من الناتج الإجمالي فعليا لصالح البحث العلمي ودراسات التطوير مع متابعة التنفيذ.
أستطيع القول بأن جامعاتنا تتميز بوجود خبرات قادرة على الإبحار بنا للوصول لشواطئ الأمان, إذا ما تم التنفيذ بتضافر كافة الجهات والجهود الفردية والمؤسسية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للتنمية المستدامة وحسب الأولويات. الجامعات تحتاج إلى تفهم وإدراك متخذي القرار في القطاعين العام والخاص بأن الاستثمار في الأبحاث ليس حالة طارئة أو عابرة يمكن لأي عنصر الترجل عنها متى شاء وبدون تخطيط أو مقدمات. إن الجدية عامل مهم في البحث العلمي والإفادة من نتائجه وتطويعها للتطبيق الميداني, ولا بد من اعتباره واجبا إلزاميا. كما لا بد من الإفادة من تجارب الآخرين في المجتمع الدولي, ليس في استيرادها كما هي ولكن في تكييفها بما يتلاءم واحتياجاتنا وأسلوب حياتنا ولئلا نبدأ من الصفر في كل شأن. إن تردد القطاع الخاص وجميع مستوياته عن المساهمة الجادة والجريئة في دعم البحث العلمي على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي وفي المملكة على وجه الخصوص أدى إلى ضبابية بل عتمة الرؤية الفاعلة المتبصرة في تحقيق الحماية من مستجدات الأحداث العالمية, وأولها تحقيق متطلبات توقيع اتفاقية التجارة العالمية. لقد استمر فريق العمل يفاوض ويناقش فيها لأكثر من عقد من الزمان, في حين نسعى الآن في تكثيف الأبحاث العلمية والدراسات لتعزيز الاقتصاد وتنمية البلاد!!
لقد نظمت جامعة الملك سعود قبل ستة أشهر مؤتمراً عن الشراكة بين الجامعات و القطاع الخاص في البحث و التطوير بهدف التعريف بأهمية الشراكة بين الجامعات والقطاع الخاص والانطلاق في بذل ما يخدم التنمية المستدامة في المملكة وتوجيه البحث ودراسات التطوير نحو أولويات التنمية وأهمها الاهتمام بالكفاءات الوطنية. كما كان من أهدافها تحسين الأداء الاقتصادي المحلي وتحديد ماهية الآلية المناسبة لتفعيل هذه الشراكة. إلا أن المخرجات لم تكن في مستوى التطلعات لأنها لم تتعمق في ماهية البرامج والآليات المطلوبة, واعتقد أن السبب هو عدم وجود الشفافية بين جميع الأطراف. وكنا نتوقع أن تحتوي التوصيات على قائمة من الأبحاث العلمية المهمة والبرامج التطويرية العاجلة, وأن يتم تحديد مصادر وحجم التمويل, وجهات التنفيذ ومن ثم كيفية التقييم... إلخ!؟
عموما خلال العامين القادمين لا بد لنا من تحسين صورة الاقتصاد في عيون العالم وأن نركز جل الاهتمامات في الأولويات من خلال عمل الأبحاث ثم وضع الدراسات القابلة نتائجها للتنفيذ والتطبيق لتحقيق التنمية المستدامة. وقد أقترحُ أولويات بحثية مهمة جداً يمكن أن تستوعب أكثر من 100 باحث رئيسي من الجامعات للإشراف على إجرائها مثل:
1- البدء في تنفيذ خطة لمحو الأمية خلال خمس سنوات من الآن.
2- تقييم أداء البحوث العلمية بشكل عام ووضع نظام واستراتيجية بعيدة المدى في حل المشاكل الصحية والتعليمية عن طريق البحث والدراسة.
3- تقييم وتأهيل وإعادة تأهيل القوى العاملة في كامل القطاعين العام والخاص.
4- حصول المرأة على الاهتمام في التعليم والعمل والاستثمار من خلال الدراسات الاجتماعية الوطنية لإعداد المجتمع لانفتاح كبير سيؤثر بلا شك على الفرد والأسرة والمجتمع وستخصص لهذه الفقرة مقالة لأهميتها.
5- تطوير القرى والهجر والمدن الصغيرة لتحقيق الانتشار المتكافئ للخدمات والعمران.
إذا لم تنجز هذه الأولويات على المدى القصير وفي مراحلها المخصصة لها فستكون ثانويات لما يستجد على الساحة من مواضيع أخرى. وعندها لن تكفينا الـ (20 عاما) المقبلة لتنفيذ ما خطط له. وبالتالي لن نلمس أي تغيير عن أوضاعنا السابقة لأننا ببساطة نتعامل مع مستجدات عصرنا بالفكر القديم نفسه.

**
[email protected]

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي