"الوطنية النفطية" تضيّق الخناق على استثمارات الشركات العالمية

"الوطنية النفطية" تضيّق الخناق على استثمارات الشركات العالمية

في الوقت الذي أصبحت فيه أسعار النفط قضية سياسية يتنادى لها أركان الكونجرس، لا لإيجاد حلول، وإنما ليرى ناخبوهم أنهم يتحركون لفعل شىء يخفف من عبء تكلفة تعبئة خزان السيارة بالوقود، فإن الساسة الأوربيين يدرسون أيضا فكرة فرض ضريبة أرباح على الشركات النفطية. الشركات تبدو كالشرير في الفيلم، الكل يتجنبها ويسعى لتحميلها المسؤولية خاصة مع الإعلانات المتتالية الخاصة بأرباح الربع الأول من هذا العام، التي شهدت كلها تقريبا ارتفاعا ملحوظا. لكن الواقع يقول بصعوبة التوصل إلى حلول آنية، بسبب التعقيدات التي تتميز بها السوق النفطية. ومن بين هذه التعقيدات أن فرص الشركات النفطية العالمية في التأثير سواء عبر زيادة إنتاجها أو قدرتها على الوصول إلى مناطق ذات احتياطيات كبيرة تتضاءل باستمرار.
تشير تقديرات المحللين إلى أن شركات: "إكسون موبيل"، "ما وراء البترول" أو "بي. بي" سابقا، "رويال داتش شل"، "شيفرون تكساكو"، "توتال"، و"كونوكو فيليبس"، ستحقق مجتمعة دخلا هذا العام يصل إلى 135 مليار دولار ـ كما قدرت مجلة "بيزنس ويك". لكن بالرغم من هذا تبدو هذه الشركات في وضع أضعف نسبة لتحول السوق إلى صالح البائعين، حيث للدول المنتجة وشركاتها النفطية القدح المعلى فيما يتعلق بالوصول إلى الاحتياطيات النفطية.
وبصورة عامة فإن القاعدة المقبولة أن تتمكن الشركات النفطية من تحقيق نسبة إحلال في حدود 100 في المائة تعويضا عما تقوم به من إنتاج، وقد تمكنت الشركات من الوفاء بهذه النسبة، بل وأكثر خلال عقد التسعينيات بسبب حالة الانفتاح التي أعقبت نهاية فترة الحرب الباردة، والسماح للشركات الأجنبية للعمل في العديد من البلدان المنتجة خاصة روسيا وفنزويلا، التي أبعدت منها قبل أكثر من ربع قرن من الزمان بسبب عمليات التأميم والسيطرة على الصناعة النفطية. لكن التقديرات أن هذه النسبة ستتراجع خلال فترة السنوات الخمس بين عامي 2005 و2010، حسب شركة سانفورد بيرنشتين للاستشارات.
ففي خلال عقد الستينيات كانت نسبة 85 في المائة من الاحتياطي العالمي المعروف مفتوحا أمام شركات النفط العالمية للوصول إليها والعمل فيها، لكن النسبة المتاحة حاليا لا تتجاوز 16 في المائة، والبقية إما تسيطر عليها شركات النفط الوطنية بالكامل وإما أن الدخول مقيد بشروط محددة. وهذا التطور انعكس على إسهام شركات النفط العالمية في إنتاج النفط والغاز. ففي الوقت الذي بلغت فيه نسبة مساهمة هذه الشركات في الإنتاج 27.81 في المائة عام 1979، وهي الفترة التي اكتملت فيها تقريبا عمليات السيطرة الحكومية على الصناعة النفطية في العديد من الدول المنتجة، فإن هذه النسبة تراجعت في الوقت الحالي إلى نحو 14 في المائة، الأمر الذي يشير إلى تنامي قدرات شركات النفط الوطنية مثل: "أرامكو السعودية"، "بيمكس المكسيكية"، وشركة النفط الكويتية أو الفنزويلية.
ومن ناحية أخرى فإن نسبة الاحتياطي النفطي التي تسيطر عليها الشركات العالمية السبع الكبرى، وهي: "إكسون موبيل"، "شيفرون تكساكو"، "كونوكو فيليبس"، "بي. بي"، "إيني"، "رويال داتش شل"، و"توتال" لا تزيد على 5 في المائة. وشركة ضخمة مثل "إكسون موبيل"، هي أكبر شركة نفط تتداول أسهمها في البورصة، تنتج فقط نحو 2.5 مليون برميل يوميا، أو ما يعادل نحو 3 في المائة من الإنتاج النفطي العالمي. ورغم الأرباح العالية التي حققتها "إكسون موبيل" العام الماضي واستثمارها مبلغ 71 مليارا في مشاريع جديدة، إلا أنه بقي لديها نقد في حدود 33 مليار دولار لم تجد طريقة لاستغلالها وكان أن أعادت 74 مليار دولار إلى حملة الأسهم.
وجاء الارتفاع الحالي في الأسعار ليعزز من هذه السيطرة ويطلق ما أصبح يعرف بالموجة الجديدة للوطنية النفطية. واذا كانت بوليفيا قد خطفت الأضواء مطلع هذا الشهر بحديثها عن تأميم لصناعة الغاز فيها، وروسيا من خلال تفكيكها شركة يوكوس أكدت سيطرة الكرملين على الصناعة النفطية، فإن خطوات الدول المنتجة تتواصل في سبيل زيادة سيطرتها على الصناعة النفطية. فكل من نيجيريا وكازخستان مثلا أصبحتا تطالبان بإعطاء أفضلية لشركاتها الوطنية حتى في المشاريع المشتركة من خلال النص على وجود شريك محلي في المشروع. وحتى بريطانيا رفعت نسبة الضرائب التي تفرضها على الشركات الأجنبية بنسبة 10 في المائة منذ مطلع هذا العام، بينما كل من فنزويلا والإكوادور تسعيان إلى إعادة كتابة القوانين الخاصة بالضرائب، ما يرفع من العائد المالي للدولة المنتجة.
ووضع هذا التطور أعباء أكبر على الشركات النفطية التي تواجه في الدول المستهلكة حملات تشن ضدها بسبب اتهامها بالتلاعب بالأسعار رفعا لأرباحها، بينما تأثيرها يتضاءل باستمرار. ووصل الأمر إلى أنه حتى أوروبا بدأ يتردد فيها حديث عن فرض ضريبة أرباح على الشركات النفطية كما اقترح جان كلود جنكر رئيس وزراء لوكسمبيرج على الاتحاد الأوروبي.
وتتجاوز متاعب الشركات النفطية تسويد صورتها الإعلامية إلى قضايا أكثر حيوية، إذ هي مطالبة من ناحية بتحقيق أكبر عائد ممكن لحَمَلة الأسهم، كونها شركات تتداول أسهمها في البورصات. ورغم تحقيقها أرباحا كبيرة إلا أنها تجد أن الفرص المتاحة أمامها لتوظيف جزء من هذه العائدات في مشاريع نفطية تضاءل باستمرار. وبعد التوسع الكبير خارج مناطق الاحتياطيات النفطية التقليدية التي شهدتها فترة الصدمة النفطية الأولى في عقد السبعينيات أصبح التركيز على مناطق بحر الشمال، آلاسكا، وخليج المكسيك. ويظهر هذا التركيز وضآلة فرص العمل في أن شركة ما وراء البترول ("بي. بي" سابقا) باعت حقلا في خليج المكسيك إلى شركة أباتشي الأمريكية بمبلغ يجعل سعر البرميل في حدود 22 دولارا، بينما قبل عامين كان يمكن البيع بسعر في حدود سبعة دولارات للبرميل.
وهكذا تجد الشركات أنفسها وهي تتجه إلى مناطق أكثر هامشية وأغلى تكلفة وتمثل تحديا بصور مختلفة. فحفر البئر أصبح يكلف في المتوسط 50 مليون دولار مقابل عشرة ملايين قبل عقد من الزمان، وأن الحفر في مناطق المياه المغمورة يحتاج إلى عمق عشرة آلاف قدم قبل الوصول إلى المكامن النفطية، بينما كان العمق المطلوب سابقا في حدود 600 قدم، كما يقول مدير التقنية في "شيفرون تكساكو".
وصحب هذا تنامي ظاهرة صعوبة الحصول على الكوادر البشرية المؤهلة للعمل في الصناعة النفطية خاصة في الدول الغربية التي لا تزال تعاني آثار انهيار أسعار النفط في عقد الثمانينيات، حيث وجد الكثير من المهندسين والجيولوجيين أنفسهم دون عمل. لكن في المقابل فإن كلا من روسيا والصين تكثفان جهودهما في توفير الكوادر البشرية للإشراف على مشاريعها النفطية داخل بلادها وخارجها. فروسيا مثلا لديها معهد جوبكين للنفط والغاز الذي يضم نحو ثمانية آلاف طالب يضاف إليهم كل عام 1500 آخرين، وهو ما يساوي عدد الذين يدرسون علوم وهندسة النفط في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا مجتمعتين.
وتعتبر هذه العوامل دافعا للكثير من المشاريع أن تتجاوز الموازنات المخصصة لها، ويبدو مثالا مشروع شركة "بي. بي" في جزيرة سخالين الروسية نموذجا على هذا، إذ تجاوز عشرة مليارات دولار قبل أن يبدأ الإنتاج ولايزال الحبل على الجرار.

<img border="0" src="http://www.aleqt.com/picarchive/SSS.jpg" width="499" height="300" align="center">

<img border="0" src="http://www.aleqt.com/picarchive/SSS2.jpg" width="499" height="300" align="center">

الأكثر قراءة