جاهزية الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية .. ووضع العمالة (3 من 4)
كان موضوع جاهزية القطاع الخاص للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية واحدا من أهم محاور المنتدى, عزّز من هذه الأهمية الدراسة الموثقة التي أعدتها اللجنة المشرفة على المنتدى حول الموضوع, ولفتت نظر المشاركين بما اشتملت عليه من نتائج لم تخل من مفارقات ومفاجآت متناقضة مع ما كان سائدا حول مدى تفهم المواطنين, وبخاصة رجال الأعمال, لدور المنظمة, ومدى ضرورة الانضمام إليها, والنتائج التي تعود على العضو المنضم إليها من منظور الربح والخسارة, فقد بينت الدراسة مدى القلق والتوجس الذي كان ولا يزال يساور أذهان الكل حول نتائج الانضمام, بالضآلة ما لديهم من معلومات, واعتمادهم في الغالب على ما يلتقطونه من وسائل الإعلام من تقارير وأحاديث مغلفة, في الغالب بطابع الغموض والمصطلحات الفنية التي تستعصي على الفهم.
ولكي أدخل إلى الموضوع, أورد بعض ما أسفرت عنه الدراسة من نتائج تحتاج إلى نشر وتحليل, لكي يطلع عليها عامة الناس, ولا تبقى رهينة ملفات المنتدى لأنها تعطي مؤشرات في غاية الأهمية تحتاج إلى وقفات تأمل ومراجعة, ومنها:
ـ 95 في المائة في القطاع الخاص يجهلون مبادئ اتفاقيات المنظمة.
91 في المائة يعتقدون أن الخسائر أكثر من مكاسب الانضمام.
97 في المائة يعتقدون أن المملكة ستلغي الدعم المحلي للخدمات عند الانضمام.
80 في المائة من موردي الخدمات يعتقدون أن المملكة لن تستفيد من الانضمام.
98 في المائة من موردي الخدمات لم يبدأوا الاستعداد للتغييرات التي ستحدث بعد الانضمام.
75 في المائة يعتقدون أن الانضمام لن يتحقق دون ثمن.
90 في المائة يرون عدم كفاءة الأنظمة الحكومية.
21 في المائة فقط يؤيدون الانضمام, ولكنهم يربطونه بوجود شروط تحمي منتجاتهم.
والغريب في الأمر أن هذا يحدث في حين أن انضمام المملكة لم يأت فجأة, أو خلال زمن وجيز, بل جاء بعد صراع طويل ومعاناة نفسية امتدت طيلة اثنى عشر عاما كان خلالها موضوع الانضمام محوركم هائل من النقاشات عبر وسائل الإعلام, وكان الكل يدرك أنه آت لا محالة, فلماذا إذا كانت الآذان غير مصغية لما كان يدور؟ ولماذا لم يأخذ القطاع الخاص الأمر بالجدّية والاهتمام اللذين طغيا على جو المفاوضات؟ رغم أن الأمر سوف يتأثر به, ويؤثر فيه القطاع الخاص بشكل أبرز من غيره؟! وأين دور تنظيمات القطاع الخاص مما كان يجري؟ مثل الغرف التجارية الصناعية, واللجان المتخصصة الفنية والمهنية داخلها لكل قطاع؟!, بل أين دور مجلس الغرف من هذا كله؟ خاصة والكل يعلم مدى أهمية تهيئة البيئة الاقتصادية وجعلها أكثر استعدادا لتقبل ما سيجلبه الانضمام من تغييرات على كل المستويات؟!
هل يمكن استدراك ما فات؟
إن البقاء في زوايا الفرجة لمراقبة ما سيأتي من فصول المسرحية الطويلة يشبه إلى حد كبير من يتفرج على السيل يجرف مقتنياته دون أن يكون قادرا على التدخل لإنقاذها لأنه لم يعمل على تحصين وسائل حمايتها من خطر الانجراف قبل وصول السيل, رغم مشاهدته تلبد السماء بالغيوم, وسماعه قصف الرعود!!
ولذلك, وكما قلت في مقال سابق, إن الحلقة الأصعب في مسيرة الانضمام ستأتي عندما يحين تطبيق ما اتفق عليه ضمن عقود الانضمام, واتفاقيات الشركاء الثنائيين, وهو من الجانب الحكومي يتمثل في متابعة التطبيق, وحل المشكلات والصعوبات, وربما الدعاوى التي قد تواجهنا, ومن الجانب الأهلي معرفة ما يرتبه الانضمام من التزامات, ثم العمل على توفير الاستعدادات لمواجهتها, والتعامل معها بما يعزز قدرته على المنافسة, وتجنب ما قد ينشأ من مشكلات, فالمعروف أن وجود المنظمة والانضمام إليها يهدف ببساطة إلى إزالة الحواجز, وفتح الحدود للاندماج والتمازج والتجانس الاقتصادي والتجاري والخدمي, وللتمثيل على ذلك, أقول: إن الدول في ظل المنظمة وقوانينها تشبه تجمع المنتجين والمسوقين في السوق الموسمية, أو الأسبوعية, التي نراها في كل بلد يعج بالمنتجات المتنوعة, وكل يعرض بضاعته والخدمة التي يقدمها في جو تنافسي محموم تكون الغلبة فيه دائما للعارض الماهر, وللبضاعة الجيدة مظهرا ومخبرا, وللسعر المنافس, الذي يشعر الزبون بحصوله على ما يعادل ما دفعه, ومن المناظر المألوفة في مثل تلك الأسواق, عودة بعض المنتجين ببضائعهم في نهاية وقت العرض دون تصريف, إما بسبب رداءة تلك المنتجات وقلة الإقبال عليها, وإما بسبب سوء عرضها وارتفاع سعرها, وهذا هو الحال الذي سيكون عليه وضع الضعفاء في السوق الكبيرة.
وإذا صح هذا التمثيل, فإن التحدي الأكبر سيواجه صغار المنتجين لدينا عندما تزاح منتجاتهم من أماكن عرضها لتحل محلها منتجات الشركات الأقوى بعدما تنفتح أمامها الحدود, ويجدون أنفسهم في صراع لمحاولة تصريفها ولو بأقل من تكلفة إنتاجها!! ولذلك فإن على هؤلاء المنتجين مراجعة حساباتهم وإعادة تنظيم كياناتهم, ومحاولة الاندماج مع غيرهم في سبيل إيجاد كيانات أقوى تستطيع المنافسة والبقاء, وفضلا عن ذلك ينبغي عليهم الاهتمام بإعادة تشكيل الهياكل التنظيمية لمنشآتهم, وإزالة ما بها من ترهلات, وتطوير مهارات كوادرهم البشرية بالتدريب والتأهيل النفسي لمواجهة التغيرات التي قد لا تكون متوقعة, وفوق ذلك, وهو مهم, مراجعة تكاليف الإنتاج والمصروفات الإدارية بهدف ترشيدها, والحد من الهدر فيها, لما لذلك من تأثير مباشر في الأرباح!!
وضع الموارد البشرية
كانت الموارد البشرية بشقيها, الوطني والمستقدم, محور نقاشات لم تخل من حدة في المنتدى بين شكوى يرفعها رجال الأعمال من جراء تضييق قنوات الاستقدام من قبل وزارة العمل, وقصره على الاحتياجات الضرورية الجادة, وتذمرهم من تأثر أعمالهم ونشاطاتهم بسبب ذلك, كما يذكرون, وبين المطالبة بتعيين الكوادر الوطنية التي لم تجد لها مكانا بين الجموع الحاشدة من العمالة الأجنبية القادمة من كل حدب وصوب, التي سدت أبواب العمل دون المواطن بأجور ليس لها مثيل في الانخفاض ليس بمقدور المواطن أن ينافس عليها أو يجاريها, والتي أصبح وضعها, أي العمالة, مصدر جدل كبير بين الأطراف المتعاملة معها وصل إلى حد التشكيك في أعدادها, ودوافع تكدسها, وأماكن استقطابها, حين وصل النقاش في المنتدى إلى حد توجيه اللوم إلى القطاع الخاص لاستحواذه على الجزء الأكبر من هذه العمالة, فها هي الدراسة الموثقة التي طرحت ضمن محاور المنتدى بعنوان "واقع ومستقبل القوى العاملة الوافدة في القطاع الخاص في المملكة", تبرز نتائج لافتة للنظر حين أثبتت أن القطاع الخاص يستأثر بما يفوق ستة ملايين عامل منهم 88 في المائة أجانب, وهو ما يعادل خمسة ملايين ونصف, الأمر الذي دعا رئيس الغرفة التجارية الصناعية إلى نفي هذه النتيجة مشيرا إلى أنه لا يوجد في القطاع الخاص سوى مليون وثلاثمائة ألف عامل, منهم ثلاثمائة ألف عامل في الصناعة, ومليون في القطاع التجاري. وإذا صح هذا القول واستحضرنا العدد الإجمالي للعمالة الوافدة وهو يفوق السبعة ملايين, فإن السؤال الذي يبرز تلقائيا هو: أين تتكدس البقية؟! فالحكومة بقطاعاتها الموظفة للعمالة الأجنبية بما في ذلك عقود التشغيل والصيانة المباشرة لا يزيد العدد فيها على نصف مليون, والعمالة المنزلية تقدر ما بين مليون ومليون ونصف, وإذا أضفنا هذا إلى ما ذكره رئيس الغرفة التجارية الصناعية لوجدنا أن المجموع لا يزيد على ثلاثة ملايين ونصف!! ومن ثم يبقى السؤال قائما: أين يعمل البقية؟! وأين الإحصائيات الدقيقة التي يمكن الركون إليها؟ وتوزيعاتها؟ إن الجهة الوحيدة المخولة بإيضاح ذلك هي وزارة العمل, فهل تفعل؟
ومن الجانب الآخر يحق لكل من لم يجد عملا من المواطنين أن يتساءل: أليس من الغبن ألا تزيد نسبة العمالة الوطنية في القطاع الخاص على 12 في المائة مع وجود أعداد كبيرة من المواطنين بدون عمل؟! وعلى فرض صحة ما يقال عن حاجة المواطن إلى التدريب والتأهيل, وأنه غير قادر على القيام ببعض الأعمال, فهل كل العمالة الأجنبية أتت إلينا مدربة؟! أم أنها قضت شطرا من الوقت تتعلم أكثر مما تتدرب؟ وإلا فماذا يعني إشغال جزء كبير من الوظائف في القطاع الخاص بعمالة عادية قدمت في الأساس لأعمال أخرى؟ ومن لا يصدق فليقم بجولة على معظم المحلات وأعمال البيع ليطلع ويرى.
على أن مما يهمنا هنا هو وضع العمالة الوطنية في ظل الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية, فهذه العمالة تحتاج إلى المزيد من التدريب والتأهيل المهني والنفسي لكي تكون أكثر استعدادا للوظائف التي سيوفرها تطبيق الاتفاقيات التي تشترط ألا تقل نسبة العمالة الوطنية عن 75 في المائة, وهو ما يبعث على الأمل كميزة من مزايا الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.
والله من وراء القصد.