رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


خطورة العمالة الأجنبية على دول الخليج

في لقاء تلفزيوني الأسبوع الماضي تحدث الأكاديمي الكويتي الدكتور عبد الله النفيسي عن المخاطر الكبيرة التي قد تتعرض لها دول الخليج جراء اعتمادها الكبير المتنامي على العمالة الأجنبية. وقال إنه في ظل الجو الدولي العام الذي يسهل فيه تدويل أي أزمة محلية واستصدار قرارات من مجلس الأمن، فإن إمكانية صدور قرارات دولية تفرض توطين العمالة الأجنبية في الخليج أو حتى إضفاء الشرعية الدولية على أي محاولة من قبل تلك العمالة للسيطرة على مقاليد الأمور في موقع ما في الخليج تشكل فيه أغلبية يجب ألا ينظر إليه على أنه أمر مستبعد الحدوث. ودلل على ذلك بالعمالة الأجنبية التي استقرت في شبه جزيرة ملقا بكثافة كبيرة، واستطاعت وبموجب حق تقرير المصير في عام 1965 أن تسلخ ذلك الجزء من ماليزيا وتقيم دولة مستقلة هي سنغافورة، ولم يكن أمام ماليزيا عندئذ إلا الرضوخ والقبول بالأمر الواقع المدعوم بقرارات دولية.
ووصول نسبة العمالة الأجنبية في مواقع معينة في بعض دول الخليج إلى نسب تتجاوز أحيانا 90 في المائة من مجموع الساكنين يجعل مثل هذا السيناريو المخيف أمرا واردا يتطلب بذل جهود حقيقية لتفاديه، من خلال إصرار أكبر على إنجاح جهود إحلال العمالة الوطنية التي تنمو أعدادها بصورة كبيرة تسمح بتبني سياسات جريئة طموحة لا تعير وزناً للمصالح ضيقة الأفق التي لا ترى في قضية التوطين إلا المصالح الشخصية الآنية دون أدنى اهتمام بمخاطر إضاعة هذه الفرصة السانحة لإحلال قوة العمل الوطنية محل الأجنبية وتفادي محاذير وجودها المكثف في الخليج. ودول الخليج خصوصا السعودية والبحرين وعمان يمكنها بسهولة تحقيق اعتماد أكبر على عمالتها الوطنية متى ما أدركت أن تدني إنتاجية وقلة خبرة وتأهيل عمالتها المحلية هو نتيجة لاعتمادها على العمالة الأجنبية لا السبب الذي اضطرها للاعتماد على تلك العمالة. ومن خلال إيمان أكبر بقدرة سوق العمل على التأقلم بكفاءة لسد أي نقص في العمالة المدربة، ستكون دول الخليج أكثر ثقة بقدرتها على التعامل مع المعوقات والانتكاسات المؤقتة التي قد تترتب على اعتمادها المتزايد على عمالتها الوطنية.
في حين تشير إحدى الدراسات مثلا إلى أن حجم القوى العاملة الوطنية المتوافرة للقيام بعمل ما لا تمثل إلا 5 في المائة من حاجة السوق وبالتالي يلزم الاعتماد على العمال الأجنبية للقيام بتلك الأعمال، فإن علينا أن ندرك أن تلك النتائج مضللة وأبعد ما تكون عن الواقعية، فهي تقوم على افتراض بقاء مستوى الأجور الحالي على حاله، بينما لو حُد من العمالة الأجنبية فإن مستوى الأجور سيرتفع بشكل يجعل تلك الأعمال مستقطبة لأعداد أكبر من العمالة المواطنة وبالتالي تزداد قدرة سوق العمل على ردم أي فجوة في عرض العمالة مهما كانت طبيعة تلك الأعمال. من ثم فكل إحصاءات سوق العمل الخليجية تصف وضعا قائما مستوى الأجر فيه محدد وفق احتياجات العمالة الأجنبية، ما يقلل من أهميتها ومصداقيتها بالنسبة لصانع القرار، فهي قابلة للتغير جذريا متى ما سمح لمستوى الأجور في القيام بدوره التوازني.
إن تخوف دول الخليج من عدم قدرتها على الاعتماد على عمالتها الوطنية يبدو واضحا من ترددها الدائم في اتخاذ أي خطوات جريئة تحد من العمالة الأجنبية، والذي تجلى بوضوح في القمة الخليجية التي عقدت أخيرا حيث إنه حتى لم ينظر في توصية وزراء العمل والشؤون الاجتماعية بشأن تحديد مدة إقامة العامل الأجنبي بست سنوات وقررت القمة تأجيل بحث الموضوع، وهذا تخوف غير مبرر ويُغيب خطراً حقيقياً لا متوهماً يتمثل في الأبعاد الدولية التي قد تترتب على استمرار دول الخليج في الاعتماد على العمالة الأجنبية. ويجعل موضوع إحلال العمالة الوطنية أكبر من مجرد كونه محاولة للتعامل مع مشكلة ارتفاع معدلات البطالة والفقر والجريمة، فالنسيج الاجتماعي والتكوين الديموغرافي للدول الخليجية بل وحتى استقلالها وسيادتها قد تكون جميعها في خطر كبير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي