موازنة الوفرة واللا أعذار
بعد أن هدأت مشاعر الفرحة والاستبشار التي عمت الجميع بأرقام الموازنة الجديدة بما حملته من اعتمادات كافية ووافية وتوافر فائض كبير، وعلى خلفية الكلمات التي تعكس نقاء السريرة وصدق النية وعفو الخاطر لخادم الحرمين الشريفين – وفقه الله – والتي قالها للوزراء في جلسة مجلس الوزراء التي أقرت فيها وأعلنت الموازنة، بأنه لا عذر بعد اليوم، محملا إياهم المسؤولية والأمانة بعدما وفرت الاعتمادات اللازمة. بعد هذا كله لم يبق إلا أن تدق ساعة العمل وتبدأ عجلة التنمية دورانها لتنطلق من جديد، وانطلاق عجلة التنمية بعد توافر الاعتمادات الكافية والتي تفيض عن الرواتب والنفقات التشغيلية والتي كان يتعذر بها سابقا بأنها تقضم الجزء الأكبر من الاعتمادات ولا يبقى شيء لتنفيذ مشاريع جديدة أو تطوير وتحديث ما هو قائم بعد أن تهالك، وهي الحجة التي كثيرا ما سمعناها على مدى السنوات العجاف..سنوات العجز في الموازنات. انطلاق هذه العجلة يتطلب عملا مركزا وجهدا مضاعفا لتوجيه وتوظيف الاعتمادات لتنفيذ المشاريع ذات المردود التنموي طويل المدى، وليس المشاريع الدعائية والإعلامية والتي ينتهي مفعولها بعد حفلات الافتتاح ووضع حجر الأساس، وهي عادة سلبية أدت إلى قيام مشاريع سريعا ما تفقد قيمتها التنموية والتشغيلية، لأنها أنشئت لأغراض الدعاية الإعلامية للمسؤول وإبراز ألمعيته وعبقريته، وأنه فعلا الرجل المناسب في المكان المناسب. وعلينا أن نأخذ الدروس من الطفرة الأولى مع اختلاف الظروف، ففي الطفرة الأولى كنا مطالبين بأن نبدأ من الصفر، وتجربتنا آنذاك لم تكن بالقدر الكافي، وهو ما أدى إلى وقوعنا في أخطاء نراها الآن في انتهاء صلاحية بعض مشاريع الطفرة الأولى، ومنها مشاريع حيوية، ومع مقدم الطفرة الثانية لا بد أن نؤسس مشاريعنا القادمة وفق خطة متكاملة ذات مردود مستمر، وأن يركز فعلا على المشاريع الحيوية والإنتاجية.
علينا، من ضمن أخذ الدروس، أن نحتاط لغوائل الزمن، فخلال السنوات العجاف عانينا فيها من انخفاض الدخل مما سبب وجود عجز في الموازنات السابقة، وهو ما أثر في مسيرة التنمية بل توقفها في بعض الجوانب. ومن أسباب ذلك هو أننا في الطفرة الأولى ركزنا على الكم وليس الكيف وكانت النتيجة ومع الضائقة المالية صعوبة تشغيل المشاريع، مما أدى إلى قلة كفاءتها. ومع انطلاق عهد خير جديد وجاء معه ما يذكرنا بزمن الطفرة الأولى، يفرض علينا ومن تجربتنا السابقة والحالية أن ننفذ مشاريع تنموية إنتاجية تكون ذات بعد استراتيجي، وهو ما يتطلب ونحن نعمل في جو إصلاحي واضحة معالمه عنوانه العريض الشفافية، والفضل بعد الله في ذلك هو للملك عبد الله – حفظه الله – عندما فتح النوافذ ليدخل الهواء النقي، أن توجد آلية تضبط الحركة لتكون ضمن استراتيجية تنموية وطنية متكاملة، والمقصد من ذلك لا نكرر أخطاء سابقة دفعنا ثمنها فيما بعد.
عندما وجه الملك المفدى – وفقه الله – كلماته الواضحة والمباشرة للوزراء بأنه لا عذر، ذكرنا بما سبق أن قاله – حفظه الله – لهم بعد موازنة العام الماضي، والتي كانت بداية مرحلة الخير حينما كانت أول موازنة تصدر بلا عجز. وكم نتمنى أن نطلع على ما أنجز على مدى عام بالاعتمادات التي توافرت، وهذا يذكرني بما سبق أن كتبته سابقا بعنوان "أيها الوزراء الكرة في مرماكم فما أنتم فاعلون؟". وهذا ما نريد أن نعرفه ضمن منهج الشفافية ومطلب المصارحة، فماذا فعل وزراؤنا باعتمادات الموازنة الماضية وما الذي أضافوه؟ بالقطع نحن نثق بهم، ولكن وعلى قاعدة ليطمئن قلبي نسأل فقط، وقد اقترحت في مقالي قبل عام أن توجد جهة قادرة يحق لها متابعة أوجه صرف الموازنة من ناحيتين أساسيتين، الأولى أن تصرف على مشاريع إنمائية فعلا ذات بُعد استراتيجي حتى لا تتحول بنود الموازنة واعتماداتها إلى تسويق شخصي ودعاية إعلامية فقط، والأمر الثاني أن يكون هناك توافق ما بين الإنشاء والتكلفة، فمن المشاكل التي عانينا منها سابقا أن التكلفة أعلى بكثير من القيمة الفعلية، ورأيت أن من أكثر الجهات نجاعة مجلس الشورى بعد أن أثبت جدواه وفاعليته، وأن تنوط به مهمة أخرى أرى أنها مهمة، وهي مناقشة الوزارات في طبيعة وضرورة وقيمة مشاريعها حتى يصبح عمل الوزارات كافة متناغما ضمن منظومة وطنية تنموية واحدة. فمع صدور الموازنة الجديدة كثرت التصريحات حول المشاريع المزمع تنفيذها، وبعض هذه التصريحات حولها علامات استفهام تستوقف النظر، فعندما يعلن مسؤول مثلا بأن جهته عازمة على تنفيذ أكثر من 40 مشروعا دفعة واحدة بتكلفة بمئات الملايين، ألا يحق لنا أن نتساءل: ألا يوحي كم مثل هذه المشاريع بأن هناك عشوائية وعدم جدية؟ ألا يحق لنا أن نسأل عن قدرة هذه الجهة أولا على التشغيل ثم ثانيا عن الأهداف التنموية الاستراتيجية من هذا الكم الكبير من المشاريع؟ أظن أن الجهة القادرة على الفصل في مثل هذه المواضيع هي مجلس الشورى بخبراته المشهود لها.
الهيئة والسوق والمغفلون
الصديق العزيز الأستاذ إبراهيم الجريفاني رئيس الاتحاد السعودي للعبة البولينج تساءل تساؤلا في محله ومكانه على خلفية ما طرأ على سوق الأسهم الأسبوعين الماضيين فيما يخص أسهم شركة المصافي، والذي أخذ في الارتفاع بمعدل خارج نطاق المعقول، حيث كان يرتفع يوميا بأكثر من 400 ريال حتى قفز من 1500 إلى خمسة آلاف للسهم الواحد، والسؤال أين كانت هيئة سوق المال من ذلك؟ لماذا لم تستوضح الأسباب لهذا الارتفاع الجنوني والذي قابله انخفاض جنوني أيضا وتوضح للناس؟ أم أنها، وحسب كلام الأستاذ الجريفاني، أرادت إعطاء الناس درسا بأن السوق لا تحمي المغفلين حتى ولو كان الثمن باهظا؟