ارتفاع أسعار النفط يعيد الاهتمام بالطاقات البديلة

ارتفاع أسعار النفط يعيد الاهتمام بالطاقات البديلة

في حملته للتعاطي مع ارتفاع أسعار البنزين، الذي أصبح قضية سياسية داخلية، اختار الرئيس جورج بوش في إحدى المرات رابطة الوقود المتجدد ليلقي خطابا معلنا فيه عن خطوات لمقابلة ارتفاع أسعار الوقود. فهذا الارتفاع مع عبئه السياسي والاقتصادي، إلا أنه يمثل أكبر عامل في اتجاه البحث عن بدائل للطاقة الأحفورية.
فالصدمة النفطية الأولى في سبعينيات القرن الماضي أسهمت في الاتجاه إلى تحقيق أحلام هنري فورد رائد صناعة السيارات، أن كحول الإيثيل ستكون وقود المستقبل. توقعاته هذه وجدت طريقها إلى أرض الواقع عبر البرازيل، التي تتجه إلى أن تحقق هذا العام اكتفاء ذاتيا من الوقود سواء من خلال إنتاجها النفطي أو من الإيثانول الذي يوفر الطاقة بعد استخلاصه من قصب السكر.
الوقود المشتق من الإيثانول أصبح متوافرا في البرازيل ومنتشرا للدرجة التي دفعت العديد من محطات تعبئة الوقود إلى وضع طلمبتين واحدة تعمل بالبنزين والثانية بالإيثانول. وهذه هي خلاصة مسيرة 30 عاما من التجربة البرازيلية وإنفاق مليارات الدولارات في شكل إعفاءات. وتشير الدراسات إلى أن الإيثانول المستخلص من قصب السكر يعطي طاقة ثمانية أضعاف ما يعطيه ذلك المستخلص من الذرة الشامية، ويتوقع زيادة النسبة خلال السنوات القليلة المقبلة بسبب التقدم في مجال الأبحاث.
ومع أن البرازيل تعتبر منتجا لقصب السكر منذ القرن السادس عشر، إلا أن تحولها إلى ميدان الإيثانول اكتسب أهمية خلال السنوات الثلاث الماضية بعد إدخال نظام ماكينات السيارة المعدلة التي يمكنها العمل بالإيثانول والبنزين منفردين أو مخلوطين. ومعظم البنزين المباع في البرازيل يحتوي على نسبة 25 في المائة من الكحول، الأمر الذي ساعد على التحول عن النفط المستورد.
لكن المسؤولين يرون إمكان تحقيق اختراقات أكبر فيما إذا رفعت الولايات المتحدة الضريبة البالغة 54 سنتا على جالون الإيثانول المنتج من قصب السكر، وهو ما يرونه عقبة كبيرة أمام تدفق الاستثمارات للعمل في هذا المجال. لكن استمرار ارتفاع أسعار النفط يعطي أملا أن تتجه بعض الرساميل إلى هذا المجال، وهو ما أصبح واضحا من خلال بعض المؤشرات مثل إبداء الاهتمام من قبل أكبر أربع شركات تعمل في ميدان التصنيع الزراعي، وهي: "آرشر دانييلز ميدلاند"، "بنج آند بورن"، "كارجيل"، و"لويس دريفوس".
وتعود قصة البرازيل مع الإيثانول إلى عام 1975 إبان الصدمة النفطية الأولى، عندما بدأت وبتصميم تعميم الاهتمام بكحول الإيثانول ونشر استخدامه. وفي منتصف العقد التالي أصبح أكثر من ثلاثة أرباع الـ 800 سيارة التي يتم إنتاجها محليا تستخدم الإيثانول جزئيا. لكن عندما ارتفعت أسعار السكر عالميا في عقد الثمانينيات فضل المزارعون بيع القصب على تحويله إلى إيثانول وذلك للعائد المالي العالي. ولم يتحسّن الوضع إلا عام 2003 مع تزامن البدء في ارتفاع أسعار النفط وقيام شركة فولكس فاجن بتصنيع الماكينة المعدلة التي تقبل نوعي الوقود في البرازيل. وبعد ثلاث سنوات وصلت نسبة السيارات من هذا النوع إلى 70 في المائة من حجم السيارات المباعة، ويتوقع للرقم أن يبلغ 1.1 مليون سيارة هذا العام.
وتشير الدراسات إلى إمكان أن يستمر الإيثانول منافسا ما دامت الأسعار فوق 30 دولارا للبرميل، ويرى بعض الخبراء أن المزيد من الأبحاث سيزيد من تنافسية الإيثانول حتى إذا انخفض سعر برميل النفط عن 30 دولارا فيما بعد، وهو ما لا يبدو واردا في المستقبل المنظور.
القصة البرازيلية مع الإيثانول تعتبر أكبر إشارة على الاهتمام بالطاقة البديلة بعيدا عن الوقود الأحفوري. الرئيس الأمريكي جورج بوش في خطابه عن حالة الاتحاد في أواخر كانون الثاني (يناير) الماضي تحدث عن السعي لجعل الإيثانول منافسا للبنزين في غضون ست سنوات، الأمر الذي يتطلب اهتماما وتشجيعا للاستثمارات والأبحاث في جانب الطاقة البديلة سواء لإنتاج الإيثانول أو غيره، وهو ما بدأت بوادره ولو بصورة طفيفة.
ففي الولايات المتحدة، التي تعتبر أكبر سوق وصاحبة أكبر موارد، فإن أعمال الطاقة البديلة جذبت العام الماضي مبلغ سبعة مليارات دولار فقط في شكل استثمارات يتركز معظمها في ميادين مثل تقنية الطاقة المولدة من الرياح والطاقة الشمسية التي تنشط فيها شركات مثل جنرال إليكتريك ولو أن هذا النوع من النشاط يبدو هامشيا مقارنة بأنشطتها الأخرى. ويأمل القائمون عليها أن يؤدي حديث بوش عن الطاقة البديلة إلى زيادة الاهتمام.
وأعلنت "جولدمان ساكس" في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي عن التزام باستثمار مبلغ مليار دولار في مجالات الطاقة المتجددة، وحددت رصيفتها "جي. ب. مورجان" مبلغ 260 مليونا قالت إنها ستستثمرها في مشاريع لاستخراج الطاقة من الرياح.
ووصل الاهتمام حتى إلى بعض الناشطين في الميدان التقني، ففايند خوش مؤسس شركة صن مايكروسيستمز المعروفة في وادي السيليكون قلل من اهتماماته الخاصة بصناعة المعلومات واتصالاتها وركز في الفترة الأخيرة على مساعدة الشركات العاملة في ميدان الإيثانول، معبرا عن أمله أن يتم تحويل الكثير من المركبات إلى السير بوقود الإيثانول الصافي أو المخلوط، ولهذا قام بالاستثمار في الشركات التي تعمل في هذا المجال لتصبح مصادر إنتاجية للإيثانول من غير الذرة الشامية.
وتضم قائمة المهتمين الجدد بهذا الجانب أسماء لامعة مثل السير شارلس برانسون مؤسس شركة الطيران "فيرجن آيرلاينز"، الذي يخطط لاستثمار بين 300 و400 مليون دولار لإنتاج وتسويق الإيثانول المصنع من الذرة وعناصر أخرى.
وهناك أيضا عملاق صناعة البرمجيات بيل جيتس، الذي كلف ذراعه الاستثماري "كاسكيد للاستثمار" بشراء أسهم خاصة ومميزة بقيمة 84 مليون دولار من شركة في كاليفورنيا تأمل أن تصبح رائدة في ميدان تصنيع وتوزيع الإيثانول في الدول الغربية.
ويشكل الإيثانول المستخلص من الذرة الشامية نحو 3 في المائة من سوق الوقود الأمريكي في الوقت الحالي، رغم أن معظم السيارات يمكنها العمل بنسبة 10 في المائة من الوقود الذي تستخدمه في شكل إيثانول، وتحديدا بعد تصنيع الماكينة المعدلة التي يمكنها استخدام النوعين من الوقود، وهو ما يمكن زيادته عبر تعديل الماكينات الأمر الذي يكلف نحو 100 دولار بالنسبة لكل سيارة تقريبا.
على أن التخوف من توسيع الاستثمار يعود إلى أن تجربة شركات الإنترنت لا تزال ماثلة في الأذهان إذ أن التركيز على سلعة واحدة في سوق ضيقة يشكل مخاطر استثمارية كبيرة، كما أن بعض الشركات تعمل وفق ترتيبات تجعلها مغلقة أمام الاستثمارات.
ومنذ الصدمة النفطية الأولى قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمان تتالت الجهود من أجل الابتعاد عن الوقود الأحفوري، خاصة النفط، وتحديدا بعد ارتباطه بقضايا بيئية، وأصبح التركيز على بدائل أخرى في ميدان الطاقة المتجددة. لكن بقدر النقد الذي يوجه إلى النفط، فإن مجالا آخر للطاقة النووية لا يزال يواجه متاعب في القبول خاصة لارتباطه بقضايا السلامة.
وفي الفترة الأخيرة توصلت لجنة برلمانية بريطانية إلى أن جيلا جديدا من المحطات النووية لن يستطيع تجنيب بريطانيا أزمة حادة في الطاقة في غضون عشر سنوات. وركزت اللجنة المكونة من 16 من أعضاء برلمانيين يمثلون مختلف الأحزاب مع غالبية عمالية على مختلف الوسائل للقضايا المستقبلية لتوليد الطاقة وسبل اتخاذ القرارات في هذا الصدد. وحثت اللجنة الحكومة على البدء في الاستثمار وبقوة في مجالات الطاقة البديلة الأخرى من رياح وشمس، بما يتناسب والاحتياجات ومواجهة أعباء التغير المناخي. وانتقد التقرير الحكومة لعدم لتركيزها على المجال النووي والمخاطرة بمواجهة أزمة طاقة نسبة لعدم الاستثمار في وقت كاف وبأموال كافية في مصادر أخرى مثل الرياح والغاز، كما دعت إلى نمو أكبر في ميدان الطاقة المتجددة.
وتوقعت اللجنة أنه بحلول العام 2016، فإن 25 في المائة من الكهرباء المولدة في بريطانيا تحتاج إلى استبدال، وأنه حتى إذا بدأ العمل مباشرة، فأن الوقت سيكون متأخرا لسد الفجوة في ذلك الوقت، حيث لن تتمكن الشبكة النووية من العمل بكل طاقتها قبل عام 2030 لأنها تستغرق وقتا أطول في التخطيط والتنفيذ.
الجدل الذي تشهده بريطانيا في هذا الأمر عبارة عن نقاش عام حول القضية ساعد فيه مرور 20 عاما على انفجار مفاعل تشيرنوبيل الروسي. ويرى المدافعون عن الاتجاه إلى الطاقة النووية أن مقولة أن كل عشر سنوات تشهد حادثا نوويا اتضح عدم صحتها، كما جاء الارتفاع في أسعار النفط ليرجح الكفة باتجاه التفكير مجددا وبصورة جادة في خيار الطاقة النووية. فالولايات المتحدة أعطت ضوءا أخضر لبناء محطات جديدة. وهناك 15 دولة أخرى من تركيا إلى أستراليا تنظر في خطط لاستخلاص الطاقة من مصادر نووية. ويتوقع لهذا الجانب أن يحظى بنقاش في قمة الثمانية التي تستضيفها روسيا. ويأمل المتحمسون للطاقة النووية أن تسهم في توفير نصف الطاقة الكهربائية المولدة حول العالم في غضون 50 عاما.
ومع ارتفاع نبرة الاتجاه إلى الطاقة النووية الذين يركزون على تصاعد أسعار النفط والخوف من انقطاع الإمدادات لأسباب جيوسياسية ومشاكل التغير المناخي، إلا أن المناوئين من جماعات البيئة لايزال صوتهم عاليا ويشيرون بصورة خاصة إلى التكلفة العالية لإقامة هذه المحطات والدعم الحكومي الكبير الذي تتطلبه، إضافة إلى مشاكل التخلص من النفايات وعدم توفر اليورانيوم بصورة كافية لمقابلة التوسع المنشود.
وهذا التقرير هو الثاني من نوعه في غضون ثلاث سنوات الذي يرفض الاتجاه إلى الطاقة النووية، الأمر الذي يشكل خيبة أمل للصناعة التي لاتزال تأمل في بناء عشر محطات لتوليد الطاقة.
من ناحية أخرى دعا جوردون براون وزير الخزانة البريطاني، البنك الدولي إلى إنشاء صندوق بقيمة 20 مليار دولار لمعاونة الدول النامية على التحول إلى ميدان الطاقة البديلة.

الأكثر قراءة