اتفاقية التجارة العالمية رخصة قيادة لمركبة بدون محركات
الدكتور عبد الله إبراهيم الفايز
استمتعت قبل أيام بحضور محاضرة شيقة لمعالي وزير التجارة الدكتور هاشم يماني والفريق المفاوض لاتفاقية منظمة التجارة العالمية. وذلك كجزء من حملة التوعية التي سبق أن طالبنا بها. وأهنئهم على هذا الإنجاز الكبير والذي أعتقد أنه لو لم يحقق نجاحنا تجارياَ فإنه على الأقل سيحققها اجتماعيا وسياسياَ واقتصاديا. ومع اختلافي الجزئي مع ثقة معاليه بعدم وجود خسائر فإنني ما زلت أحتفظ برأيي (في مقال سابق) بعدم جدوى الموضوع اقتصاديا على القطاعات غير البترولية على المدى القصير وقد يكون ذلك على المدى البعيد إن حيينا، إلا أنني أرى أن له جدوى اجتماعية وسياسية وأنه كلما كان الانضمام مبكراً خفت الشروط. وأن مجرد الانضمام ليس إلا عقد زواج أو رخصة للدخول في الحياة الزوجية ونظرية البرميل المقلوب مع العالم والمعركة الحقيقية والتي ستتطلب منا جهودا وكوادر عالية المستوى للتفاوض اليومي مع أعضاء المنظمة وشعرة معاوية ولكل سلعة. وإلى تفعيل التحالفات بين المؤسسات والشركات الوطنية والبنوك ورفع رؤوس أموالها وإلا فإن البقاء سيكون للأفضل سواء كان وطنيا أو أجنبيا!! وحتى نستفيد من هذه الاتفاقية أعود لطرح السؤال نفسه وهو هل نحن جاهزون لمجابهة الطوفان قبل أن نغرق فيه؟ أم أن "الوعد جنيف" هي عبارة جديدة لتضاف إلى قاموسنا التجاري وهي ما سنسمعها كثيراَ في الحقبة القادمة. وقد يكون المستفيد الأول من الانضمام هو مكاتب المحامات القانونية الدولية.
يشتكي وسيظل يشتكي الكثير من تعطيل مصالحهم في أجهزة الدولة وقد نتحمل ذلك كمواطنين ولكن ماذا عن الأجانب بعد الانضمام؟ هل سيتحملون؟ إن تعطيل مصالحنا يأتي في الدرجة الأولى منا كمواطنين في عدم احترامنا لبعضنا وإيثار النفس وتدخل الواسطة أو عدم احترام دور غيرنا وتخطيهم في الدور، فمن هو الموظف؟ مواطن أم دولة؟ نحن نراجع موظفين ومسؤولين هم أصلا مواطنون مثلنا ولكنهم لا يعبرونا بل يعطلونا (ما أدري، راجعنا بكرة، راح يجيب أولاده، طلع يشيش..)، غير عابئين بتوجيهات ولاة الأمر، والتي لن تنجز على أيد، منهم متسيبون أو غير أكفاء لهذا العمل، فكيف يمكننا أن نتقدم وننافس في الوقت الذي نجد فيه أن معظم الوظائف وخاصة القيادية ما زال ينام عليها ومنذ أعوام بعض المسؤولين الذين يورثونها لأبنائهم أو أقاربهم غير الأكفاء والذين ليس لديهم الوطنية والإخلاص الكافي لترك ذلك المنصب لمن هم أجدر وأكفأ منهم، حتى أصبحوا يقتلون بعض الكفاءات الشابة ويمنعونها من الظهور.
إن الانضمام يتطلب منا تغيير وتطوير الكثير من هذه الممارسات سواء على مستوى الموظف الحكومي أو الأنظمة والقوانين، فالبقاء سيكون للأفضل. وأرى أنه آن الأوان لرؤية الخطوات القادمة والتي تكمل هذا التوجه التخطيطي والتي ما زالت غامضة وتحتاج إلى تأن وتخطيط يصعب التنبؤ بمتغيراته وقدرة الجهاز الوظيفي للدولة على تبنيه، ومدى إمكانية التخلص من المارد الإداري الوزاري الضخم وتبعاته والتحول إلى نظام عالمي منافس من الأجهزة الأصغر والأكثر فعالية وقدرة على مواجهة إفرارات العصر العالمي الحديث. وأن لا نناقض أنفسنا بتأكيدنا لنجاح خطة التعليم والابتعاث لمدة 40 عاما من الخطط الخمسية ثم لا نجد من نوظفه من الكفاءات الوطنية القيادية المناسبة والمؤهلة والتي تكلفت الدولة الكثير في سبيل تحصيلهم العلمي، وأن يتم التخلص من الأنظمة القديمة التي ورثناها من بعض الدول الشقيقة في وقت لم تكن لدينا القدرات الوطنية الطموحة.
وأن نعي انعكاسات الانضمام على حل مشكلة البطالة لدينا وليس إيجاد فرص عمل لحل مشكلة بطالة الدول الأخرى. ومخزون القوى العاملة المؤهلة لدينا ودوام الفترة الواحدة والذي قد يكون أصلا إسلامياَ(وجعلنا النهار معاشاَ والليل سباتاَ) وتعديل إجازات آخر الأسبوع لتكون الجمعة والسبت. وما هي الميزة النسبية لنا لننافس الشركات القادمة والتي موظفوها ليس لديهم بعض معوقاتنا الاجتماعية مثل مشكلة توصيل أولادهم إلى المدارس، أو الحصول على دخل مضاعف لقاء توظيف زوجاتهم وبناتهم، فهم مهيأون اجتماعيا أكثر منا لذلك لدرجة أن تلك العائلات تطرد أولادها من البيت بعد سن البلوغ ليعملوا ويعتمدوا على أنفسهم.
إننا نفتقد وجود نظام سياسي واجتماعي وقانوني تشريعي شامل متكامل ومترابط يكون هو العمود الفقري للدولة ودستورها الشرعي الذي يستمد من القرآن ولكن يتم تدوينه في دستور منفصل حتى ينزه القرآن من العبث، ويكون له مؤشرات اجتماعية وسياسية واقتصادية. يمكننا من قراءة الاقتصاد الوطني والقدرة على فهم التغيرات التي تؤثر عليه، و يوفر له الحماية القانونية الصارمة على القوي والضعيف وبشفافية واضحة. فما فائدة الأنظمة بدون وجود من يرعاها من الإهانة ويضمن لها هيبتها والتي هي من هيبة الدولة وصرامتها، والذي بدوره يعزز ثقة المستثمرين الوطنيين والأجانب للاستثمار في هذا البلد. وهو عادة يكون مربوطا بأحد الأنظمة المتكاملة مثل نظام الضرائب الذي يمكن صياغته بطريقة إسلامية مشتقة من نظام الزكاة والوقف والتبرعات والرسوم، والذي يعتمد على قواعد المعلومات ويشكل أهم الأنظمة العالمية التي توفر معظم المعلومات عن المواطن والشركات والدخل العام ومنها تشتق جميع الموشرات الاقتصادية والاجتماعية، التي تعتمد على سلوكيات المستهلك ومعدل البطالة وثقة المستهلك في الاقتصاد ومعدلات الإنتاج القومي، وغيرها.
وتفعيل الإصلاح الاقتصادي والإداري والقضاء على الفساد الإداري ومحاكمة أو مساءلة من يتلاعبون بالاقتصاد الوطني، مثل مجالس إدارة بعض الشركات المساهمة والتي تتاجر بالمعلومات والإشاعات، ومكاتب المحاسبة التي تزور وتبصم الميزانيات والشيكات بدون رصيد، التي يسجن عليها دولياَ إلا في بلد الإسلام، هل تم معاقبة أحدهم ليعتبر الجميع؟ أسئلة تمثل غيضا من فيض وتشكك في قدرتنا للتحول من اقتصاد شبه مركزي كانت الدولة هي الممول له إلى اقتصاد حر عالمي يديره القطاع الخاص، وأن نتحسب لبعض المتغيرات الاجتماعية المستقبلية التي قد تفرض بعض القيود على تحقيق تلك المعدلات العالية وأن يتم تعديل الخطط بين الحين والآخر وفقاً لذلك. ومع أن معظم دول العالم لديها معوقاتها إلا أننا نحظى بمجموعة منفردة من المعوقات الاقتصادية التي أساسها إفرازات اجتماعية. وقد سبق أن أشرت إليها في مقالات سابقة، وأهمها تضخم الأجهزة الحكومية ومعوقات السعودة والإقراض البنكي والعقود والأبحاث والتطوير وتسرب رؤوس الأموال إلى الخارج والعقبات أمام الاستثمار الأجنبي، وما نفتقده من عدم ثقتنا ببعضنا البعض والتدخل في حريات وخصوصيات الآخرين بينما نحن أنفسنا نتغير خارج المملكة ونتمسك بالنظام ونحترمه ونزاحم لمخالطة غير. فالله لا يصلح قوما حتى يصلحوا ما بأنفسهم.