تفعيل دور شقائق الرجال في الخطط التنموية
لقد حفلت الصحف المحلية منذ أن أقرت الخطة الخمسية الثامنة, بقراءات مثمرة في "التنمية المستدامة", وحظي القارئ بتعددية المواضيع التي تناولت زوايا مختلفة من حديث الساعة. الجدير بالذكر أن هناك ملاحظتان غريبتان, أولهما: ورود تعاريف عدة لهذا المصطلح (التنمية المستدامة) والذي لا شك أنه يعود إلى تعدد المصادر والمدارس التي استقيت منها التعاريف, أو نظرة الكاتب الخاصة بعد أن استوعب ما يمكن أن ينتج من تبنيها والعمل على تحقيقها. بما أن المجال يحتمل هذا وذاك, فقد أترك التعاريف والتفاسير للكتب والتقارير والإنترنت ففيها ما يمكن أن يشبع شغف الباحث عن ذلك. أما الملاحظة الثانية فهي تواري العديد من الأقلام النسائية عن الكتابة في التنمية المستدامة وما ركزت عليه الخطة الخمسية الثامنة من أهمية دور المرأة خلال تنفيذ الخطة لتنمية مستديمة في المملكة بإذن الله. قد يكون السبب ترقبهن للقادم من النصف الآخر, أو قد يكون ما يحصل عادة باستئثار الرجل للعلم بموضوع ما فيكتب عنه ليشعر الآخرين بسبقه الكتابة فيه ليكتبوا من بعده, أو أن يكون عدم وضوح رؤية مستقبلية من قبل المرأة, وهذا ما دفعني للكتابة فعلاً.
في الحقيقة لا بد أن نعترف بأننا مررنا وما زلنا نمر في مرحلة صراع المفاهيم, وتناقض السلوكيات. فعندما نريد أن تحصل المرأة على حقوقها ولا نمهد لذلك طريقا, ونريد أن يكون لها صوتا ولا نوفر لها مكبرات الصوت, وعندما نتحدث عن مشاهدة المرأة تحولا تاريخيا في وضعها, ولا نترجمه إلى واقع فهذا هو التناقض. إذا كنا نعلم أنها الأم التي حملت بالعظماء ونموا وانتموا إليها, والأخت الكبرى التي كانت القدوة, والزوجة التي اختيرت للمشاركة في مشوار الحياة وتحمل مسؤولياته, والابنة التي ملأت أرجاء البيت محبة وحيوية وكونت صورة المستقبل. إذا كان ذلك نابع من القلب وهي تشهد فعلا التحول الآن, فلم إصرار فئة كبيرة منا على ألا تكون الأخت أو الابنة ممرضة؟ ولا نتيح لها خيارات في التخصصات الجامعية العلمية العملية؟ ونستبعد ممارستها الرياضة في مدرستها وبين بنات جنسها؟ ونشترط حضور المعرفين والشهود لإنهاء معاملاتها؟ ونستهجن كتاباتها أو أدبها بأسلوب قد يصل للتقريع وعدم القبول؟ ومفارقات أخرى عديدة زادت محاور الجدل!.
على مر الزمن لم تُرِد المرأة ولم نُرِد لها أن ينظر لها من خلال عيون غربية لأننا نحررها بمفهومهم, فتسقط في نظرنا. ولكننا غفلنا فتركنا الإعلام وبالذات الغربي ينجح في شن حملة مضللة خلال العقود الماضية بتبني بعض النساء المسلمات والعربيات فكرة ضالة محورها أن سبب هزيمتهن هو الدين الذي جعلها أسيرة البيت باسم الحماية والعفة, وتحت وصاية الرجل بحجة "عدم المعرفة أو عدم الأهلية". فازدادت الفجوة اتساعا وتعلقت شؤونها بل تعقدت. من المسلم به أن خطاب الله سبحانه وتعالى وجه للجنسين ولم يفرق بينهما, بل وكلفهما بتكليف واحد. ولكن ما هزمهن هو الجهل والفقر والإهمال الذي خلط المفاهيم فاشترك المجتمع بكافة فئاته معها وعبر الزمن في هزيمتها في كل جانب.
في مجتمعنا السعودي لم تحرم المرأة حق التعليم أو الرعاية الصحية أو التجارة. على العكس وجودهن كأساتذة في الجامعات والكليات, وتنصيب الكوادر المتميزة في مناصب إدارية عليا, وقيادة بعضهن لبعض الاستثمارات المتخصصة, وتمكنهن من قيادة الطائرات, وأخيرا ترشيح مهندسة في هيئة المهندسين وتعيين سيدتين في الغرفة التجارية في جدة, أدلة واقعية على رفعة شأنها وقدرتها على تحمل مسؤوليات أخرى. لكن التساؤل هو كيف وصلت المرأة للسحاب ورؤاها ما زالت على الأرض؟ لا شك أنه انعكاس واقع ثقافة ووعي المجتمع تجاه المرأة. وسلبيتها تجاه تناول المواضيع من ناحية أخرى. لذلك ليتنا نعمل على التعاون معها في تحقيق ما تريده من مدنية وتطوير ومساواة ضمن إطار إسلامي عصري. دعونا نثق فيها كأساس كيان الوطن, وكنواة فاعلة في المجتمع, نتقبلها في فريق عمل علمي بحت, يطور المناهج ويدير شؤونها في التعليم. لقد سهلت التقنية سبل التواصل والعمل بكل حرية من مكان عملها. نحتاج فعلا إلى إشراكها في وضع المعايير في التدريب المستمر للمتخصصات في الإدارة والتربية والتعليم وعلوم الحاسب والتوعية الصحية ومستقبلا في باقي فروع العلم المختلفة. لماذا لا نوفر المناخ لها لتقوم بالأبحاث الاجتماعية الوطنية وخصوصا المتعلقة بمشاكل المرأة لتفهم حجم المشاكل والأبعاد والبحث في إيجاد الحلول من منظورها. إن التنمية تحتاج إلى قرارات مصيرية, فلم لا تكون في الهيئات واللجان العليا لتعكس التصور الآخر فتكون خططنا أكثر شمولية؟ لا أريد أن أعرج على قبولها كمستثمرة أو تاجرة فهذا مؤرخ في السيرة في إدارة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأموال وتجارة زوجته ـ رضي الله عنها, ولكن أنوه على أن تكون الإجراءات القانونية والتنظيمية والعملية متساوية للجنسين في هذا الصدد وأن يسرًع في تنفيذ ما تم تعديله لصالحها.
إن نتائج الأبحاث الاجتماعية الوطنية والعامة في دول أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا وبعض الدول الآسيوية الشرقية, قدمتهم عنا بما يقارب الثلاثين عاما في نواح معينة وعشرات السنين في فهم صروف الحياة وطبيعتها في مناح أخرى. كما أن هزة 11 أيلول (سبتمبر) صرفتنا عن بعض أولوياتنا لفترة, وكان لا بد من التفاعل مع الحدث آنذاك, إلا إنها زمن أضيف للفجوة بيننا وبين تحقيق أهدافنا. ليتنا نبدأ العودة إلى ما كنا ماضين فيه, ونكمل بناء قدرات نسائية تعمل في بيئات فكرية ثقافية نقية تحاكي تحركات العصر بلغة القدرة على التنافس مع الحفاظ على الأسس والثوابت الدينية والاجتماعية. علميا وعمليا جودة الجرعات العلمية والثقافية في مناهج التعليم الأساسي والعام للبنات لا بد أن تتساوى مع البنين فهن أيضا مهندسات وفيزيائيات ومبرمجات بالإضافة لكونهن معلمات وموجهات وطبيبات وممرضات ومتخصصات صحيات.. إلخ. لا بد أن تكون المرأة من ضمن منظومة تكوين الرؤى الواضحة عن مستقبلها, وبالتالي من الضروري إتاحة ما يجعلها تتمتع بفكر مبني على التخطيط الاقتصادي فهي قبل إدارة عملها هي تدير أسرة في البيت تربويا وعلميا واقتصاديا لتشكل جيل المستقبل الذي نعول عليه في ديمومة مشروع التنمية. هذا يقودنا إلى دفعها لتثقيف نفسها, وفتح المجال أكثر أمام حضورها المؤتمرات أو إقامة الندوات والمنتديات النسائية في المرحلة القادمة, لأن هذا يجعلها أكثر تقديرا لواقعها وتفهما لمشاكلها بعد سماعها لتجارب الأخريات. لقد قالت إحدى سيدات الأعمال السعوديات, في آخر ملتقى لهن أقيم في القاهرة: "نحن في السعودية كلنا طموحات وآمال وتطلعات, ولكن الرؤى لدينا غير واضحة, ونحتاج إلى تبادل الخبرات بمثل حضور مثل هذا الملتقى, ولهذا حضرنا". أعتقد أن هذا تشخيص لواقع, مفعم بالأمانة والصدق والحرص على تقديم الأفضل, بمنطقية سيدات أعمال لسن فقط ناضجات, بل أيضا مفكرات. في الحقيقة نحن نعبر حقبة جديدة في عصرنا الحالي (الحالم) تدخل المرأة فيه على أنها مساهمة في التنمية المستدامة وليست لإكمال نصاب الحضور. لذلك لن تجدي المحاولات لإيصالها إلى بوابة العز والمجد إذا لم نجعل الرجل يتقبل مناصفتها له الحياة. ولنحذر الاستغلال بالاستغفال والتجهيل بالإهمال فلن نعود إلى الوراء, لأن التنمية تستديم بجهودنا معا على حد سواء.