خالد المالك: "دبي الصناعية" تعتمد استراتيجية توازن الصادرات والواردات

خالد المالك: "دبي الصناعية" تعتمد استراتيجية توازن الصادرات والواردات

أكد خالد المالك المدير التنفيذي لمدينة دبي الصناعية، أن وجود مدن صناعية في السعودية ومختلف دول الخليج يؤدي إلى اعتماد دول المنطقة على الصناعات المحلية بدل من الواردات من الخارج، كاشفا أنه كلما كان اعتمادنا على الخارج تفاقمت الأزمة في المستقبل.
وأشار لـ "الاقتصادية" إلى ضرورة العمل ضمن مدينة دبي الصناعية على إيجاد حالة من التوازن بين الصادرات والواردات وهو ما سنعتمده مستقبلا، كاشفا أن هناك العديد من الميزات الخاصة لمدينة دبي الصناعية. واعتبر المدينة متكاملة ومتميزة عن مدن المنطقة كافة سواء في الإمارات أو في مختلف دول الخليج.
وعن العلاقة مع المدن المشابهة في المنطقة، قال المالك: درسنا تلك المشاريع القائمة وتعلمنا وتداركنا الأخطاء والنواقص. ولفت إلى أن التفاهم مع المدن الأخرى غير موجود حتى الآن لأسباب تتعلق "بكون عمرنا ما زال في بدايات الطريق فلم نتجاوز سنة ونصف السنة وينصب تركيزنا الحالي على البناء، البنية التحتية، توفير الكهرباء، وتوقيع العقود".
ورحب المالك في مدينته الصناعية بالمستثمرين السعوديين في دبي مستثمرين أو شركاء مع أشقائهم الإماراتيين، قائلا إنهم أكفاء وأقوياء.
وبيّن المالك أنه واثق من النجاح ومصمم على بذل الجهود التي تعكس طموح القيادة في دبي وخطتها، لافتا إلى الرغبة في جذب المزيد من الاستثمارات في المدينة التي جاءت متكاملة ملبية متطلبات المستثمر كافة ضمن بيئة تتوافر فيها متطلبات المستثمر والعامل والأسرة واحتياجاتها.

وإلى الحوار:
- لنتكلم بداية عن مدينة دبي الصناعية، لماذا هذه المدينة الصناعية الآن؟
في الواقع جاءت مدينة دبي الصناعية كجزء من الرؤية الخاصة للشيخ محمد بن راشد - حفظه الله - في موضوع تنويع مصادر الدخل لإمارة دبي والمصادر الخاصة في الاقتصاد المحلي، فنحن كما نعرف جميعاً دخل إمارة دبي من النفط والغاز قليل جداً، وعلى المدى الطويل ستكون هذه المداخيل أقل وأقل، خاصة في النفط والغاز، فكان لا بد من أن تفكر الحكومة في طريقة أخرى من أجل تنويع مصادر الدخل للإمارة، فكما تعرف أصبح اليوم عندنا صناعة السياحة وتدر دخلاً جيداً علينا، وصناعة الرياضة أيضاً، والصناعة الطبية في المجال الطبي، حيث مدينة دبي الطبية كلها صناعات تدر دخلاً علينا، والحكومة تدخلت وعملت على تنويع مصادر الدخل من أجل أن تسهم كل هذه الأفكار والمشاريع والمدن في زيادة مصادر الدخل المحلي لدبي وتنويعها. ومن ضمن الصناعات أيضاً ما يمكن تسميته صناعة التصنيعManufacture ، ودخلت أيضاً من باب أن نُصنعّ مشروعاً مخصصاً لتوفير البيئة المناسبة للشركات في الصناعة، فكان مشروع مدينة دبي الصناعية، لأنه قبل إنشاء هذه المدينة كانت الصناعات تتركز في الداخل في المشاريع المخصصة للمناطق الصناعية، إضافة إلى المنطقة الحرة في جبل علي، لكن كانت تلك الصناعات من نوع الصناعات الخفيفة وفي مجالات محدودة، بينما جاءت مدينة دبي الصناعية من أجل التصنيع بمعناه الواسع، وتم التركيز على ستة قطاعات أساسية ومهمة للمدينة وللدولة ولدول المنطقة كافة. وهذه القطاعات تم اعتمادها عبر سياسة واضحة ومخططة ومدروسة.

خطة عمل
ما الأشياء الأساسية في خطة عمل مدينة دبي الصناعية واستراتيجيتها؟
كما تعلم فإن إمارة دبي بحاجة إلى تنويع مصادر دخلها لا أن تكتفي بالاعتماد على النفط والغاز، كما أن الاعتمادية على وفرة المنتجات المحلية بدل الاعتماد فقط على المنتجات الخارجية تشكل نقطة جوهرية ومهمة في خطة عملنا، إضافة إلى موضوع التصدير والزيادة في أرقام التصدير من الدولة إلى الخارج. واليوم نلاحظ أن الواردات أكثر بكثير من الصادرات، ونحن نخطط كيف نتجاوز هذه المعادلة فنسبة الواردات إلى الصادرات20 إلى 80 في المائة، وبالتالي فالمطلوب أن نعمل على إيجاد حالة من التوازن بين الصادرات والواردات. هذه هي النقاط الثلاث التي تمثل خطة مدينة دبي الصناعية واستراتيجيتها.

بالنسبة للقطاعات الأساسية في المدينة كيف تم تحديدها؟
حقيقة في البداية ركزنا على أهمية الدراسات والإحصاءات، وعندما نظرنا إلى الإحصاءات المتوافرة وقرأناها وجدنا أن الدولة ومنطقة الخليج عموماً معظم وارداتها يدخل في مجموعة القطاعات الصناعية، وبعد أن عملنا تصنيفا عاما لها وجدنا أن الواردات تتركز في مجال قطاع المواد الغذائية والآليات والمعدات والحديد والمواصلات والسيارات والحافلات والقطارات والمواد الكيماوية والمواد الثقيلة ومواد البناء، إضافة إلى بعض القطاعات الأخرى كالذهب والمواد النفيسة الأخرى، والأقمشة، لكن حسب سياستنا نحن في المدينة أخذنا هذه القطاعات الستة، وهي: المواد الغذائية، الآليات، الحديد، المواد الثقيلة، والمعدات. واعتمدنا هذه القطاعات الستة بناء على التصنيف السابق الذي قمنا به حيث وجدنا أن نسبة الواردات العليا تتركز في هذه القطاعات الأمر الذي استدعى ضرورة أن تكون من ضمن الأشياء الأساسية في مدينة دبي الصناعية. والمنطقة بشكل عام بحاجة إلى مثل هذه القطاعات حيث إن اعتمادها كبير عليها وبالتالي فإن الاعتماد على الخارج في هذه القطاعات يعتبر اعتماداً خاطئاً إلى حد كبير. ومن هنا نحن نحتاج أن نكون مصنعين في الواقع لهذه المنتجات. ولذلك ركزنا في المدينة على هذه القطاعات، وكانت البداية في مدينة دبي الصناعية مع هذه القطاعات اعتماداً على هذا الأساس. هذه القطاعات الستة هي التي تم التركيز عليها في المدينة الصناعية مع الإشارة إلى أن هذه القطاعات ليست هي وحدها الحاضرة، فالمدينة ليست صناعية فقط، بل هي مدينة متكاملة توفر البيئة المناسبة للصناعة وبيئة للمعيشة وبيئة للتجارة، وكأنها ثلاث مدن في واحدة مثلما هو الحال في سنغافورة، حيث هناك المدينة الصناعية التي ترتبط بجسر يوصل إلى المدينة التي يتوافر فيها كل سبل الحياة والترفيه والسكن. ونحن هنا في مدينة دبي الصناعية تشتمل مدينتنا على مدينة سكنية ومنطقة تجارية وفيها المنطقة الخاصة بالأكاديمية والمناطق التعليمية والكليات والمدارس الصناعية والحرفية وكل ما يلزم لهذه القطاعات الستة، ولدينا أيضاً منطقة مخصصة للإمداد (مدينة دبي للإمداد)، وهذه في الواقع بعض المشاريع التي يمكن القول إننا عملنا من أجل أن تكون البيئة العامة ملائمة ومناسبة وتوفر كل الاحتياجات للمستثمرين في مجال الصناعة.

ازدحام المدن الصناعية
كيف ستنجحون في ظل ما يمكن تسميته الازدحام في المدن الصناعية في المنطقة؟
هذا سؤال جيد. رغم هذا الكم الهائل للمدن في المنطقة لكن لا بد من التطرق إلى السبب الرئيسي لوجود هذه المدن والمناطق الصناعية، وهو السبب الذي يرتبط على مستوى المنطقة بموضوع التطور والنمو، فهذه الدول في حالة من النمو والتطور، وفي الوقت نفسه تعتبر من الدول الكبرى في أرقام الدخول، كما أن السكان في حالة نمو وتزايد مطرد باستمرار، فالمعروف أن كل عائلة عربية يراوح عدد أفرادها بين 2 و 8 كمعدل عام، فالنمو السكاني هنا هو من أكثر المناطق في العالم؛ كما أن الاستهلاك يلعب دوراً فنحن شعب مستهلك ومعروف عنا ذلك، بالإضافة إلى النمو العمراني. وبالتالي فإن وجود نسبة كبيرة من السكان يتطلب الأمر مساكن وآليات وحافلات وقطارات ومواد في مجال الكيماويات ومختلف الاحتياجات المستمرة، وهذه حقيقة عوامل تؤدي إلى كثرة المناطق الصناعية في هذه الدول خلال فترة ومرحلة النمو، وهذا ليس عيباً أو خللاً، بل هو من الإيجابيات، ونحن نستبشر خيراً عندما نسمع عن قيام منطقة أو مدينة صناعية هنا أو هناك. فالمناطق الصناعية في هذه الدول دليل على أن تلك الدول تنبهت إلى أهمية المناطق الصناعية بحيث تلبي احتياجات المنطقة وتوازي بين الطلب والعرض، فالمعروف أن وارداتنا كثيرة، والسبب لأنه ليس لدينا مدن صناعية سابقاً أو صناعات محلية. لهذا أنا أرى أن نشوء مدن صناعية في السعودية ومختلف دول الخليج أخبار سارة وجيدة، ونتمنى أن تكثر كي يكون اعتمادنا على هذه الصناعات المحلية بدل أن يستمر اعتمادنا على الواردات من الخارج لأن ذلك يعمل على تكبير الأزمة في المستقبل، فكلما كان اعتمادنا على الخارج تفاقمت الأزمة في المستقبل. ولنأخذ موضوع المقاطعة (لا سمح الله)، فهي إن حصلت ستؤثر فينا بقوة. لذلك أرى أن هذا الكم من المناطق الصناعية جيد وما زالت هناك سوق كبيرة جداً في المنطقة للمدن الصناعية، والدليل على هذا أن معظم المناطق الصناعية أصبح عليها طلب شديد حتى الأراضي المخصصة لها نفذت، وتم استغلالها من أجل إنشاء المزيد من المصانع، وما زال هناك طلب في السوق لأن النمو كبير وبلداننا بحاجة إلى هذه المناطق الصناعية.

تميز
المنافسون كثر في منطقة الخليج وغيرها، ماذا لديكم وبماذا تتميزون عن غيركم في مدينة دبي الصناعية؟
بشكل عام هناك عوامل أساسية في نجاح مشاريع دبي منها اسم دبي وسمعتها التجارية ومكانتها وسجلها التجاري وسجلها الخاص بموضوع النجاحات السابقة في مختلف المشاريع، ودعم الحكومة والبنية التحتية والموانئ والعامل الاقتصادي. وهناك أيضاً عامل مهم وهو عامل متعلق بما يميزنا في مدينة دبي الصناعية عن غيرنا حيث موضوع مخطط المدينة، فقد تم تخطيطها بشكل يختلف تماماً عن باقي مخططات المدن الصناعية الأخرى، فبالنظر إلى المخطط ستجد أنها ليست مدينة صناعية فحسب بل هي مدينة متكاملة، فيها مناطق سكنية وتجارية وترفيهية وملاعب ومدارس وكليات وجامعات ومستشفيات بالإضافة إلى الحديقة السكنية وسكن العمال الذي يتسع لأكثر من 150 ألف عامل. وفيها مناطق الإمدادات قريبة منها، وقد جاء تصميمها ليتضمن بنية تحتية قوية بالإضافة إلى توفير الغاز لها قريباً كما أن الشوارع الداخلية متميزة. وبالنتيجة فقد عملنا مخططاً رئيسياً قادراً على تشجيع وجذب المستثمرين إلى مدينة دبي الصناعية. ومن الميزات الأخرى لدينا إيجار لمدة سنة كاملة مجاناً من أجل أن يقوم المستثمر بإنشاء المصنع لذلك تكون السنة الأولى مجاناً بدون رسوم، ومن جهة أخرى لدينا ما يمكن تسميته المشاريع المساعدة والشركات المساعدة ففي المدينة اليوم ثلاث شركات تساعد المستثمر في عمله وهي شركة مقاييس وهي شركة متخصصة بتوفير كل القوانين والمقاييس الدولية في مجال الصناعة، فإن كنت تعمل في مجال المواد الغذائية مثلاً تفرض عليك هذا القانون، مع العلم أن هناك من يرى مثل هذا الإجراء مجحفاً أو صعباً، لكنه حقيقة لمصلحته، فمثل هذا الالتزام بالمعايير الدولية يُشجع المستثمر كي يُصدر في المستقبل إلى الخارج ودخول الأسواق العالمية. لذلك لا بد أن تكون البضائع والمنتجات وفقاً للمقاييس العالمية. ومقاييس تدخل في إطار الجودة والصحة والبيئة والأمن والسلامة، هذه أربعة أشياء تفرضها المدينة على المستثمر لأن كل العاملين والمستثمرين سيكونون في بيئة تنافسية، وبالتالي لن نسمح للشركات الضعيفة وغير الملتزمة بهذه المعايير أن تخرب على الشركات القوية والملتزمة. والرقابة أيضاً قوية داخل المدينة فلا يعقل أن تكون شركة مواد كيماوية بالقرب من شركة مواد غذائية. هناك أيضاً شركة تأسيس وهي شركة مختصة بتوفير جميع المساعدات المطلوبة للمستثمرين بالتعامل مع الدوائر الحكومية. فبتعاقد الشركة أو المستثمر مع "تأسيس" تصبح "تأسيس" ممثلاً للشركة في جميع الدوائر الحكومية، وبالتالي ليس من داعٍ لأن يكون لديك مندوبون أو سيارات كثيرة تقوم بتلك المهمات المطلوبة، "فتأسيس" تتولى هذه المهمات وتنجز أعمالها في وقت سريع. وبالتالي يتم اختصار الوقت خاصة في مراحل البناء والإنشاء حيث تختصر "تأسيس" الكثير من الوقت ولا سيما أن لدينا تفاهما مع الحكومة وعلاقة قوية ومتينة مبنية على الثقة والإنجاز والدقة. والشركة الثالثة التابعة للمدينة هي شركة ترانبارك دبي، وهي شركة مختصة في إدارة الإمدادات في المدينة، مخازن، استشارات، نقل، شحن، وكل هذه الأمور، فإن كان لديك شركة قوية في مجال الصناعة فإن هذه الشركة التابعة للمدينة تتولى كل ما يتطلبه عملك في مجال الإمداد والتزويد. فهذه مزايا أساسية في مدينة دبي الصناعية، بالإضافة إلى ميزة أخرى هي الميزة الأكاديمية التي يمكن الاستفادة منها في مجال تطوير وتدريب العمال وتطوير الصناعة وما شابه ذلك، ففيها أبحاث ومختبرات وكل ما يلزم تطوير العمل وتدريب وتأهيل العمال. وهذه ميزة لا تجدها في كثير من المناطق الصناعية. ونحن إذن بمثل هذه الخطوات والإجراءات وفرنا في مدينة دبي الصناعية كل العناصر الأساسية المطلوبة للمدن الصناعية الحديثة في مكان واحد، وبالتالي فالمُصنّع سيجد كل احتياجاته في مكان واحد بالقرب منه، فهنا المطار الجديد، والإمدادات قريبة، والموانئ والتجهيزات للمستثمر وعماله وأسرهم من سكن ومناطق ترفيهية ومدارس ومستشفيات وكل ما يلزم بالقرب منه، وهذه لن تجدها في بعض المدن لكننا في مدينة دبي الصناعية ركزنا عليها بكل قوة.

إيجابيات وسلبيات
- هل درستم إيجابيات المدن المشابهة الأخرى وسلبياتها، وهل من علاقة وتفاهم بينكم وبين بعض تلك المدن؟
نعم نظرنا إلى المشاريع المشابهة الأخرى في المنطقة وخارج المنطقة في ماليزيا وأوروبا والصين وسنغافورة ودرسنا أيضا المناطق الصناعية القريبة في أبو ظبي والسعودية. وبالنتيجة وجدنا أن معظم هذه المناطق تخصصية، مثلاً أبو ظبي متخصصة في مجال البتروكيماويات وكذلك السعودية لأنها صناعة قوية في السعودية، بالإضافة إلى وجود بعض المناطق في السعودية مهتمة في مجال المواد الغذائية. لكنا وجدنا أن كل هذه المناطق والمدن تعاني نقصا معين سواء فيما يتعلق بالبيئة أو توفير سكن للعمال أو مدينة تجارية فقد يكون المكتب في جدة مثلاً والسكن يبعد عنه كثيراً والمصنع في مكان آخر.. هذه العوامل أخذناها بعين الاعتبار ودرسنا تلك المشاريع القائمة وتعلمنا وتداركنا تلك الأخطاء والنواقص. أما بالنسبة للتفاهم مع المدن الأخرى فما زال غير موجود حتى الآن، وذلك لأسباب تتعلق بكون عمرنا ما زال في بدايات الطريق فلم نتجاوز سنة ونصف وينصب تركيزنا الحالي على البناء والبنية التحتية وتوفير الكهرباء وتوقيع العقود. فاليوم لدينا أكثر من 70 عقداً، بدأنا ببناء سكن العمال والمقر العام والمستودعات والشوارع الرئيسية في المدينة، والمستثمرون جاهزون اليوم للبناء، وهذه ميزة جيدة حيث السرعة في العمل والإنجاز، فالمستثمر يريد أن يرى على أرض الواقع ولا يكتفي بما يسمع. ولم نصل إلى مرحلة التفاهم والتشاور والتعاون مع المناطق الصناعية الأخرى بعد، لكننا بدأنا مع وزارة الصناعة في الدولة، وإذا كان هناك شيء فنحن على استعداد للعمل.

هل يسبب لكم ارتفاع الإيجارات وغلاء الأسعار والمعيشة قلقاً، وهل من دراسة معينة بهذا الصدد، ولا سيما وأن المستثمر سيفكر ملياً قبل الوصول إليكم في ظل هذا الارتفاع؟
نعم، صحيح هناك ارتفاع في الإيجارات والسكن لكن لا تنس أن هذا ليس هو العامل الوحيد الذي يحدد قدوم المستثمر إلينا، فبعد الدراسات وعمليات المسح التي قمنا بها واللقاءات والاطلاع على آراء المستشارين والخبراء بقي السؤال الأساسي لماذا سيأتي المستثمر إلى دبي وهي "مدينة غالية"؟ وجاء الجواب يتركز في أن المستثمر حقيقة ينظر إلى مجموعة من العوامل في الاستثمار الصناعي منها عامل الأمن والسلامة في الدرجة الأولى ثم الطاقة والكهرباء والغاز وقيمة الأرض للتأجير وأخيراً تكلفة المعيشة. هذه هي العوامل الأساسية التي ينظر إليها المستثمر أينما كان، بالإضافة إلى رغبته في تحديد مكان الاستثمار. نحن بشكل عام نهتم بهذه العوامل وهي تتمتع بإيجابية عالية لكن لا يعني أن كل واحد من هذه العوامل منفرداً يتمتع بنفس القدر من الإيجابية، فلننظر للأمن مثلاً والحمد لله، فالأمن في دبي والإمارات عموماً يتميز بمستوى متقدم وقوي منذ تأسيس الدولة، فالمستثمر بشكل عام حاضر عندنا منذ تلك الفترة وهو مستقر، ما يعني أن العامل الأمني متوفر عندنا وقوي. كما أن الطاقة ووفرتها عامل أساسي مهم ولا سيما أن الطاقة هنا أرخص من أوروبا وأمريكا مثلاً. أما العامل الثالث فقيمة الأرض وهي مهمة في تحديد الاستثمار، وبالمناسبة أسعارنا لا بأس بها وهي أسعار منافسة في دولة الإمارات. أما موضوع عامل المعيشة الذي ذكرته في سؤالك وهو موضوع أصبح يقلق الكثيرين لكن عندما تعود إلى تصميم المدينة فإنك ستجد أن التصميم عمل على توفير كل احتياجات المستثمر والتسهيل عليه وخدمته، فتأسيس المدن الخاصة بالعمال تسهل وتوفر على المستثمر في عدة مجالات فعندما تضع العمال في سكن بالقرب من المصنع توفر في تكلفة المحروقات والوقت والسائقين والحافلات، لكن هناك مشكلة واحدة هي مشكلة التضخم وسببها الرئيسي هو توافر الشقق والمناطق السكنية في الإمارة والتي تسبب الأزمة. وتوقعات اليوم تشير إلى أنه خلال السنوات الخمس المقبلة سيكون هناك وفرة في المباني وهذا سيؤدي إلى انخفاض الأسعار. وإن تحقق هذا الأمر فإنه سيساعد كثيراً في قدرتنا على المنافسة. لكن الأهم أن مجمل هذه العوامل السابقة هي التي تحدد عملية إنجاز واتخاذ القرار من قبل المستثمر ليكون في هذه المنطقة أو تلك. إذن تكلفة المعيشة ليست هي السبب الوحيد بل مجمل العوامل كلها تؤخذ كحزمة واحدة. فالذي يكون ضعيفاً في مجموع هذه العوامل لا ينجح ويصعب عليه الدخول في عالم المنافسة والاستمرار والصناعة.

ستة قطاعات
كيف هي المساحة التي تقف عليها اليوم مدينة دبي الصناعية؟
إن المدينة منظمة اليوم على أساس القطاعات الستة التي تحدثنا عنها وتأتي على مرحلتين الأولى تكون جاهزة مع نهاية 2007م، واليوم تم تأجير ما يقرب من 50 في المائة منها، معظم الشركات إقليمية، فنحن لسنا منطقة حرة ولا يُسمح حتى الآن بتملك الأجانب، والمسموح فقط للمستثمرين المحليين والخليجيين، والأكثرية هم من المستثمرين المحليين، لكن معظم الإماراتيين هم شركاء مع سعوديين وعُمانيين. ومن أهم الشركات الموجودة اليوم في المدينة بالإضافة إلى عدد من الشركات الكبرى ممكن أن نقول شركة مكة كولا المتخصصة في إنتاج المشروبات الغازية، والمخبز الحديث المتخصص في المواد الغذائية، وبعض الشركات المتخصصة في الحديد ومواد البناء، وهناك شركات من السعودية أيضاً.

هل من صعوبة في استقطاب شركات عالمية؟
لا أبداً، الصعوبة فقط موضوع الملكية، لدينا شركات على القائمة لكننا ننتظر قانون الشركات في الإمارات الذي من المنتظر أن يسمح للشركات الأجنبية بالتملك للمشاريع الصناعية.

هل تؤثر المشاكل في العراق والمشكلة الإيرانية في استقطاب الشركات العالمية؟.
سأقول لك شيئاً مهماً، المشكلة أينما كنت تكمن في الموضوع الأمني، وفي السنوات الأخيرة الخمس الماضية تحديداً تعرضت منطقة الخليج لضغوط عديدة، حيث ضغطت بعض الدول على بعض الشركات الكبرى في مسألة الاستثمار في المنطقة عموماً، مع العلم أن تلك الشركات تتنوع مسئولياتها في حالة الاستثمار في هذه المنطقة سواء فيما يتعلق ببناء المصنع والاستثمار في المنطقة وتوفير وظائف وهذه متطلبات ضرورية. ما يعني أن هناك رغبة والتزاماً في الاستثمار في المنطقة، والشركات الأجنبية التي لا تستثمر في المنطقة قد لا تحصل على تسهيلات في منتجاتها وتسويقها في الأسواق المحلية بينما الشركات التي تستثمر في المنطقة سيكون لها وضع أفضل فيما يتعلق بالتسهيلات. وهذا أدى إلى دخول كثير من الشركات الأجنبية إلى الاستثمار في المنطقة، ولكن الوضع الإقليمي اليوم سياسياً وعسكرياً مضطرب بعض الشيء ويسبب بعض التردد في هذا الموضوع، لكننا في مدينة دبي الصناعية على الرغم من عدم كوننا منطقة حرة استقطبنا العديد من الشركات الأجنبية وكان لديهم رغبة كبيرة في الاستثمار والسبب في هذه الرغبة هو البنية التحتية وتصميم المدينة عموماً، وجاء مثل هذا التصميم ليلبي رغباتهم بالإضافة إلى شروطنا المتعلقة بالجودة والأمن والسلامة، وما زلنا ننتظر القانون الجديد للشركات على أساس أنه إذا سمح القانون القادم بالتملك للأجنبي في مجال الصناعة فإنه سيفتح أبواباً كثيرة للمدينة من المستثمرين الأجانب، كما أن حضور مثل هذه الشركات الأجنبية والقوية سيسهم في تطوير الصناعة في المنطقة بشمل عام.

الاستيراد
تأسيس المصنع عادة ما يتم عبر استيراد بعض الأساسيات، فكيف تكون منطقة صناعية وهي تعتمد على الاستيراد؟
المنطقة مهيأة لجذب المستثمرين لان فيها العناصر الرئيسة للصناعة وهي الطاقة ورأس المال والبترول، فمن المعروف أن 90 في المائة من اعتماد الصناعة يكون على الطاقة لأن الصناعة تستهلك الكثير من الطاقة لكن عيبنا في المنطقة هو موضوع يتعلق بالتقنيات والتكنولوجيا الحديثة والعمال. هذه هي نقاط عيوبنا في المنطقة الأمر الذي يجعل الكثيرين يتعقدون بأننا غير مهيئين صناعياً وليس لدينا إمكانات مع العلم أننا نمتلك عناصر أساسية تعتمد عليها الصناعة، فهنا المادة والفلوس والبترول والغاز والطاقة وهذه عناصر أساسية لا يمكن لصناعة أن تقوم بمعزل عنها، فمن خلال الأموال نتمكن من تطوير العمل وتأهيل العمال والحصول على التقنيات الحديثة وبالتالي نكون قادرين على عمل وتأسيس المصانع والصناعة، لكن في المراحل السابقة لم يكن هناك تركيز على الصناعة والتصنيع عندنا أو بمعنى أدق كانت الشركات الأجنبية تلزمنا فقط بتوفير المادة والوقود ولم تكن تعطينا الخبرات وكانت تحتكرها، ولذلك أنا ضد من يقول إن المنطقة غير مهيأة للصناعة. انظر اليوم للسعودية فمعظم المناطق الصناعية هناك تقوم بتصدير منتجاتها للخارج في مختلف ميادين الإنتاج. وكل ذلك لأن لديها المقومات من حيث عدد السكان أو الطاقة، وعندما يكون لدينا الإدارة الجيدة والتنظيم والتخطيط الجيد والمنطقة المهيأة نكون قادرين على جذب المستثمرين الأجانب في مجال الصناعة.

مناطق صناعية
في السعودية مناطق صناعية عديدة، كيف ستكونون قادرين على جذب المستثمر السعودي وهي تمتلك البنية المهيأة؟
في معظم استثمارات القطاع الصناعي هناك رغبات للمستثمر، ومعظم المصانع في السعودية تتميز بالتركيز على السوق السعودي، فالأمور واصلة إلى 100 في المائة من الإنتاجية مستهلكة محلياً. ولم تفكر في الواقع أن ترى الفرص الموجودة خارج السعودية في المنطقة، هذا أولاً، إضافة إلى أن سوق الإمارات سوق قوية فمن الممكن للمستثمر السعودي أن يأتي إلى هنا ويفتح فرعاً جديداً في هذه السوق القوية ويبدأ في الإنتاج، ومن الإمارات يبدأ في الانتقال إلى أسواق أخرى كعُمان واليمن والهند لأن الدولة هنا لديها علاقات وإمكانيات لوجستية تساعد المستثمر السعودي بالإضافة إلى توفر بيئة مناسبة ومنافسة ومستثمرين ممكن أن يدخل معهم كشركاء، وهذا يعني موضوع التوسع. نعم هناك استثمار قوي في السعودية لكن هناك أيضاً في الإمارات مستثمرون بالقوة نفسها ولديهم رغبة في الدخول في شراكة أقوى. يعني ممكن أن المُصنّع السعودي يريد أن يُصدر منتجاته للخارج لكن السوق العالمي بحاجة إلى تزويد أكثر، إذن تشكل مدينة دبي الصناعية فرصة للتوسع والتزويد الأكثر وبالتالي الدخول في أسواق جديدة وتبدأ بضاعة جديدة. لماذا لأنه قد يكون المستثمر السعودي ليس لديه إمكانية مادية كافية للاستثمار مستقبلاً كأن يوسع مصنعه أو يعمل مصنعاً جديداً أو أكثر أو أكبر من مصنعه المعين في السعودية، ومن هنا نقول له تفضل أهلا وسهلاً أنت على الرحب والسعة فالأبواب مفتوحة أمامك للاستثمار في الإمارات، والدليل على هذا الكلام المجال العقاري فالمستثمرون السعوديون الذين قدموا لأسواق الإمارات في دنيا العقارات كثيرون، وهذا لا يعني أبداً أن القطاع العقاري في السعودية ضعيف بل العكس هو الصحيح لكنهم دخلوا الأسواق الإماراتية نظراً لأهميتها ورغباتهم. إذن الفرص موجودة وعدم الولوج في أسواق جديدة واستثمارات جديدة يؤدي إلى انكماش المستثمر في مجاله وبالتالي فإن المنافسة القوية ستتجاوز مثل هذا المستثمر الذي لا يأخذ على محمل الجد أهمية التوسع والاستثمار. مع العلم ان الانفتاح العالمي الذي يجري حالياً سوف يفرض على الخليجيين التوحد أو الاندماج والدخول في أسواق جديدة من أجل التوسع والانتشار. السوق السعودي ليس هو السوق الأكبر في العالم بل هو سوق صغير بالنسبة للعالم أما بالنسبة للسعوديين فهو سوق كبير لذلك نقول للسعوديين لماذا لا تنظرون لخارج السعودية فمن الممكن أن نستثمر معاً في الإمارات ونبني مصنعاً سواء وحدنا أو ضمن شراكة مع مستثمر إماراتي أو عالمي وندخل من خلال ذلك إلى الأسواق العالمية. نحن حقيقة هنا يتجلى دورنا في أن نوضح هذا المشروع وهذه الأفكار للمستثمر السعودي ونفتح لهم الآفاق والفرصة متاحة. وسأقول لك معلومة مهمة فكثير من المستثمرين السعوديين بدأوا بالتوافد علينا ويستفسروا عن هذا المشروع، وهذا حدث قبل أن نعلن عن المشروع في السوق الخليجي، وذلك لأن الطلب المحلي كبير ومن هنا نحن نعمل على فتح الآفاق أمام المستثمر السعودي ونعلم جيداً أن السوق السعودي كبير والكثير من الأشياء المهمة متوفرة هناك من ميزات وإمكانيات وتسهيلات، لكن لا تنسى أن هناك توسعات خارج المملكة ممكن لها أن تستوعب الاستثمارات الجديدة. يعني بكل بساطة ممكن ان يكون للمستثمر السعودي مصنعان واحد في السعودية والثاني في الإمارات حيث من خلال الإمارات تصل المنتجات إلى مختلف أسواق العالم نظراً للطلب العالي عليها، وهذا ما نشجع الإخوان السعوديين عليه.

دبي اليوم مجموعة مدن متميزة ترتكز على الصناعة في مختلف المجالات فهنا صناعة السياحة وصناعة الرياضة وصناعة الإعلام والتسويق والطب... ما يعني أنها بيئة متنوعة للصناعات في مختلف المجالات.. هل من تعليق على هذه الفكرة؟
إن دبي تميزت بهذا الموضوع، فحسب رؤية الشيخ محمد بن راشد كقائد لهذه المجموعة استطاع أن يوظف طاقات بشرية في مجالات عديدة. كل القطاعات نجحت بفعل هذه السياسة وهذه الطاقات. ولو عدنا إلى الوراء لعرفنا حجم العمل والعطاء والتصميم على النجاح في كافة المجالات، فقد كان المشروع حينها يتحدث عن إمكانية إنجاح السياحة في البلد واعترض البعض على تحقيق النجاح في عالم السياحة، على قاعدة أن دبي ليس لديها مقومات وإمكانيات سياحية، لا آثار ولا فنادق ولا مناطق ترفيه جاذبة للسائح،... لكن دبي اليوم منطقة جذب سياحي مهم وتلعب طيران الإمارات كواحدة من أقوى الشركات في العالم دوراً مهماً في عمليات نقل السائح من شتى بقاع الأرض على دبي، الأمر الذي ساهم في تعزيز النجاح في السياحة. إذن الجدية في مسألة البحث عن كيفية توفير البيئة السياحية المناسبة هي عامل مهم في النجاح. ولننظر إلى القطاع الطبي ها هي مدينة دبي الطبية للعلاج والسياحة والمتعة أيضاً وبدأت في استقطاب أسماء كبيرة في عالم الطب، مثل "مايوكلينيك" و"هارفارد". أعتقد أن هذه المنطقة بعد فترة قصيرة من الزمن ستكون مركزاً مهماً ومرموقاً في العاج الطبي للخليجيين، فهي اليوم بدأت تستقطب السياحة الطبية، وقد كنا سابقاً نطير إلى مختلف أصقاع الأرض للعلاج. أصبح اليوم كل ما نريده متوفر عندنا. وانظر إلى عالم الإعلام ومدينة دبي للإعلام، من كان يفكر ان تكون دبي قادرة على احتضان كل تلك المؤسسات الإعلامية العالمية والإقليمية المهمة، وتعطى الحرية الكاملة في التعبير والحديث والحركة.. كلها من قلب مدينة دبي للإعلام.
دبي نجحت ونجاحها مستمر لسبب واحد يتعلق بأن النجاح يتطلب الجدية في توفير البيئة المناسبة، وعندما تتوفر البيئة المناسبة ينجح المشروع أياً كان سواء في المجال الطبي أو الصناعي او الإعلامي أو التجاري أو السياحي في ظل توافر الكفاءات والكوادر المؤهلة والسياسة السليمة والتخطيط.

الأكثر قراءة