السلبية في سوق الأسهم
على الرغم من عدم كفاءة السوق السعودية من ناحية التفاعل مع المعلومات، إلا أنه من الغريب أيضا التجاهل التام لكثير من المعلومات الجوهرية على مستوى الشركات. ولعل المتابع للمعلومات, وليس الإشاعات, خلال الأسبوع الماضي يجد غرابة في تفاعل السوق مع إحدى المعلومات الأساسية. فبينما تقوم وزارة التجارة بإيقاف بعض محاسبي الشركات المساهمة عن ممارسة مهنة المحاسبة والمراجعة لمخالفتهم "المعايير المهنية الصادرة عن الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين"، نجد أسعار تلك الشركات لا تتجاوب بمنطقية مع تلك المعلومات السيئة, كما أنه من الغريب أن أسعار هذه الشركات قد ارتفعت خلال الأيام اللاحقة وكان الأمر عاديا.
إن إيقاف المحاسب القانوني, وبغض النظر عن الأشخاص, من الإشارات Signal المعلوماتية التي ينبغي ألا تمر مرور الكرام. فالعلاقة بين المراجع الخارجي وأداء الشركة من الأمور التي كان ينبغي على المحللين الماليين تناوله والتعليق عليه في وسائل الإعلام. ومع ذلك فإنه وللأسف لم يشر إلى تلك المعلومة ولم تظهر حتى كخبر اقتصادي, بل تم ظهورها في بعض الصحف كإعلان مدفوع الثمن (طبعاً على نفقة المخالف) وفي صفحة داخلية بعيدة عن الصفحات الاقتصادية محل الاختصاص. إن تهميش هذا الخبر وعدم إيراده خبرا رسميا ضمن أخبار السوق, وكذلك عدم التفاعل مع هذا الخبر سواء من المستثمرين والمحللين الماليين يؤكد ضرورة رفع الوعي المحاسبي والمالي لجميع الأطراف في سوق الأسهم.
إن الأمور الإيجابية للاقتصاد الكلي يجب ألا تنسينا دور مهنة المحاسبة والمراجعة في ضبط تعاملات سوق الأسهم. فانهيار الشركات العملاقة في العالم الغربي يؤكد في الواقع خطورة إهمال مهنة المحاسبة وعدم الاهتمام بها. كما أن إفلاس وانهيار كثير من الشركات العالمية يثير عددا من التساؤلات على المستوى المحلي حول قدرة مهنة المحاسبة بوجه عام, وحول قدرة الجهات المعنية بوجه خاص على مواجهة التحديات المتعلقة بالإشراف على الشركات. فانهيار شركة Enron الأمريكية في عام 2001 أدى إلى إغلاق مكتب آرثر أندرسون, الذي كان خامس مكتب محاسبي على مستوى العالم, وأدى إلى إصلاحات جذرية في تنظيم مهنة المحاسبة في الولايات المتحدة. كما أن إفلاس شركة بارملات Parmalat الإيطالية (2003) التي تعتبر أكبر شركة صناعات غذائية في إيطاليا وإحدى كبريات الشركات الأوربية كاد يطيح بالمراجع الخارجي للشركة بسبب الممارسات المحاسبية الخاطئة. وفي كل الأحوال فقد أجمع المهتمون على أن ما حدث في الشركات المنهارة ليس مجرد خطأ محاسبي ثانوي, بل هو فضيحة محاسبية متعددة الجوانب ينبغي تداركها في المستقبل من خلال تقوية الجهات المنظمة لمهنة المحاسبة.
وفي هذا المجال فإنه لا بد من العمل على تفعيل دور مهنة المحاسبة والمراجعة في رفع مستوى كفاءة وشفافية سوق الأسهم. ومن المقترحات في هذا الجانب توثيق العلاقة بين هيئة السوق المالية والهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين للعمل سوياً على تطوير مهنة المحاسبة والمراجعة حتى تقوم بدورها في حماية المستثمرين والاستثمارات. فالخبرة المتراكمة لدى الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين ينبغي استثمارها من قبل هيئة السوق المالية في تحسين جودة المعلومات Quality of Informationمما سيؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة الثقة في السوق ورفع كفاءة سوق الأسهم السعودية. وأخيراً فإن إفلاس الشركات ظاهرة تحدث في جميع الأسواق المالية في العالم, بل إنه حدث في بلاد يشار إليها في قوة الهيكلية المالية والمحاسبية. فهل قمنا بالإجراءات الوقائية لحماية أسواقنا وشركاتنا من ذلك أو على الأقل تخفيف عواقبه في حالة حدوثه؟
قسم المحاسبة ـ جامعة الملك سعود